لن يكون من السهل على الرئيس نبيه بري التسليم بعدم عقد مجلس النواب جلسات تشريعية في فترة الشغور الرئاسي نتيجة مقاطعة الكتلتين النيابيتين المسيحيتين الكبيرتين " القوات اللبنانية" و" تكتل لبنان القوي"، فكل المعطيات تشير الى ان بري مستمر في سعيه لعقد جلسة لمجلس النواب، وان الجلسة الثالثة التي قد يدعو اليها في اي لحظة ستكون " ثابتة" بعد جلستين للتشريـــع طارتـــا بسبب مواقـــف " القوات" و"لبنان القوي" وعدد من النواب المستقلين والنواب التغييرين. وفي هذا السياق تتحدث مصادر معنية بان رئيس مجلس النواب منزعج من مقاطعة غالبية النواب المسيحيين للجلستين اللتين دعى الى عقدهما ما ادى الى تأجيلهما، يعتبر ان من حق المجلس ان يعقد جلسات للتشريع خارج اطار جلسات انتخاب الرئيس وان التفسيرات التي تعطى لمواد دستورية تمنع التشريع في فترة انتخاب الرئيس، غير دقيقة لان البلاد لا يمكن ان تبقى من دون تشريع اشهرا اذا ما تأخر الاتفاق على الرئيس العتيد لان شل السلطة التشريعية، مع تعثر عمل السلطة التنفيذية نظرا لوجود الحكومة في مرحلة تصريف الاعمال، يؤديان الى المزيد من ضرب مقومات الدولة ومؤسساتها الدستورية وتعطيل عمل النواب المنتخبين قبل اقل من سنة، وهذا ما لن يقبل به الرئيس بري كما تقول المصادر نفسها. ولعل ما يزيد تصميم رئيس المجلس على عقد جلسات تشريعية هو وجود العديد من مشاريع واقتراحات القوانين الملحة التي لا يجوز الاستمرار في تأخير اقرارها وابرزها القوانين المتعلقة بالاصلاحات التي طالب صندوق النقد الدولي باعتمادها ليتمكن الصندوق من تقديم مساهمة مالية تواكب تنفيذ خطة النهوض الاقتصادي.
وربطت مصادر نيابية متابعة ارسال الرئيس بري الوفد النيابي الذي رأسه معاونه السياسي النائب علي حسن خليل الى سوريا للتعزية بضحايا الزلزال الذي ضرب مدنا وقرى سورية والاعراب عن التضامن مع الشعب السوري الشقيق في معاناته الاليمة، بانها خطوة على طريق اعتماد رئيس المجلس لسياسة جديدة حيال سوريا اذ كان يحاول دائما ان يوازن بين الكتل النيابية التي تحبذ الانفتاح من جديد على سوريا، وتلك التي كانت تعارض هذا التوجه جملة وتفصيلا، لكن مراعاة بري لــ " مشاعر" معارضين الانفتاح على سوريا بات لها حدودا. من هنا قرر بري ابلاغ الكتل النيابية، لاسيما تلك التي تقاطع جلسات التشريع، ان القرار المجلسي في يده ولن يكون من السهل لاي كتلة ان تفرض خياراتها على الكتل الاخرى، واستطرادا فانه سيستمر العمل لعقد جلسات تشريعية الى ان تقرر الكتل التوافق على انجاز الاستحقاق الرئاسي في اسرع وقت ممكن. ويقول قريبون من الرئيس بري انه لن يذعن لخصومه او يتوقف عند حملات من هنا وهناك، بل هو يتلقف ردود الفعل ويترجمها على طريقته لاسيما لجهة اصراره على عقد جلسات تشريعية خلافا للمواقف التي صدرت عن رئيس " تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل الذي كان وعد بحضور الجلسة التي دعا اليها بري قبل اسبوعين لاقرار مشروع قانون" الكابيتال كونترول" والتمديد للمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم على رأس المديرية العامة للامن العام، لكن باسيل عاد ونكث بوعده وامتنع عن الحضور وكلف عضو التكتل النائب الان عون ابلاغ الرئيس بري قرار التكتل ما افقد الجلسة غطاء ميثاقيا مسيحيا لاسيما وان حزب " القوات" وحزب الكتائب كانا اعلنا سلفا مقاطعتهما لاي جلسة تشريعية لان الاولوية هي لانتخاب رئيس الجمهورية.
موقف القوات احرج باسيل ... فقاطع الجلسات
وترى مصادر نيابية ان موقف باسيل بالمقاطعة اتى تحت تأثير عاملين اثنين، الاول الموقف المتصاعد لــ " القوات" والكتائب لجهة المطالبة باعطاء الاولوية لانتخاب الرئيس، والثاني اتى بمثابة " ردة رجل" من " التيار" على عقد جلسات الحكومة على قاعدة ان الفراغ في الرئاسة يعادله فراغ في المجلس، لاسيما وان جلسات مجلس الوزراء، حسب باسيل ما كانت لتعقد لولا مشاركة وزراء " الثنائي الشيعي" في هذه الجلسات، وهو ما كان السبب الابرز في التباعد بين " التيار" وحزب الله الذي قد يصل الى حد القطيعة. وتضيف المصادر ان باسيل شعر باحراج كبير بعد موقف " القوات" والكتائب وقيم الموقف فرأى ان مشاركته في جلسات " تشريع الضرورة" ستكون لها ردود فعل سلبية في الشارع المسيحي، فآثر وضع شروط شبه تعجيزية لتبرير تغيبه وان كان هذا الغياب اثر سلبيا على مسألة التمديد للواء ابراهيم من خلال اقرار قانون بذلك، علما ان حزب الله كان طلب الى بري انجاز هذا التمديد قبل انتهاء ولاية اللواء ابراهيم في 3 آذار (مارس) الجاري. وعليه فان باسيل غطى نكوثه بوعده لابراهيم بعدم عرقلة التمديد له، بالقول ان " التيار" ليس مع اي تشريع يستفيد منه شخص واحد بصرف النظر من هو هذا الشخص واين يقف سياسيا، واقترح رفع سن التقاعد لجميع موظفي الفئة الاولى الى 68 بدلا من 64، فيستفيد بذلك اللواء ابراهيم وغيره... ويضع فريق نيابي موقف باسيل في اطار المواجهة المستمرة بين " التيار" والرئيس بري والتي تضاعفت خلال الاعوام الماضية خصوصا بعدما اتهم " التيار" حزب الله" بدعم الرئيس بري في مواقفه لاسيما تلك التي تتصل بالفساد وحماية الفاسدين.
في المحصلة لا شيء في الافق يوحي بامكانية انعقاد اي جلسة تشريعية لمجلس النواب اذا استمرت مواقف " القوات" و" لبنان القوي" والكتائب وعدد من النواب المستقلين والنواب" التغييرين" على حالها لجهة الامتناع عن المشاركة في هذه الجلسات، ما يعني عمليا اسدال الستار على الجلسات التشريعية ما سيلحق ضررا كبيرا بالانتظام العام في ما خص الشق المتعلق باصدار القوانين لاسيما الملحة منها، ومراقبة الحكومة وعقد جلسات خاصة لمناقشتها ولو كانت مستقيلة وتصرف الاعمال. وستسقط عمليا كل الاجتهادات التي تحدثت عن امكانية التشريع في غياب رئيس الجمهورية وان العمل النيابي يمكن ان يسري بالتوازي بين التشريع والدعوات الى جلسات لانتخاب الرئيس، وستترسخ اكثر فاكثر النظرية الدستورية التي تؤكد بان مجلس النواب هو راهنا هيئة ناخبة حصرا وليس هيئة تشريعية وبالتالي لا يحق له التشريع مطلقا، وبالتالي فان كل تشريع يحصل خارج العقود والمواعيد القانونية يعد باطلا حكما ومخالفا للقانون عملا باحكام المادة 31 من الدستور. وفي هذا السياق يحذر الخبير الدستوري سعيد مالك من التشريع " لكون كل عمل ينتج من جلسة نيابية باطلة فهو باطل" ويضيف " ان التحجج بان مجلس النواب شرع في العامين 2014 و 2015 رغم الفراغ الرئاسي تحت عنوان " تشريع الضرورة"، فلا يستقيم كون كل تشريع يقدم عليه المجلس النيابي هو ضروري، وليس هناك من تشريع ضروري وتشريع لا ضرورة له، فضلا عن ان الخطأ الذي حصل في 2014 و2015 لا يبرر الخطأ لاسيما وان ما جرى في هذين العاملين كان نسفا لمواد الدستور ولا يمكن البناء على هذا الخرق لتشريع انتهاك اضافي لاحكام الدستور صحيح ان الضرورات تستوجب " تشريعا"، لكن الاصح ان البلاد بحاجة الى رئيس لانتظام الدولة والمؤسسات".