على رغم مرور اسبوعين على الاطلالة الاخيرة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والتي حذر فيها الولايات المتحدة الاميركية وغيرها من الدول بان الدفع في اتجاه الفوضى في لبنان سيؤدي الى ردة فعل للمقاومة تطاول اسرائيل، فان متابعة ما قاله " السيد" اظهرت تفاوتا في تقييم الكلام العالي السقف الذي رسم فيه السيد نصر الله معادلة جديدة قوامها ان نشر الفوضى المتعمدة في لبنان " يساوي انتقال الفوضى الى المنطقة بدءا باسرائيل". مصادر مطلعت قالت انها المرة الاولى التي يدخل فيها الحزب الامن الاقتصادي- الاجتماعي في صميم استراتيجية توازن الردع مع الاسرائيليين والاميركيين بعدما كانت هذه الاستراتيجية مبنية بالدرجة الاولى على مرتكزات عسكرية وميدانية. والحزب يعرف- وفقا للمصادر نفسها- ان الجانب الاميركي هو الاقوى على جبهة الدولار وفي يده زمام المبادرة والقدرة على الايام مستفيدا من قدراته الاقتصادية الكبيرة ومن تفوق عملته الخضراء التي تتحكم بالاسواق العالمية وتؤثر في اقتصاديات الدول ومن بينها تلك المحسوبة على محور المقاومة والممانعة. وتعتقد هذه المصادر ان الحزب يدرك ان لا مجال لتكافؤ الفرص اقتصاديا بفعل قوة الدولار التي تبقى العنصر الابرز. والملفت ان لا مجال لتكافؤ الفرص اقتصاديا بفعل قوة الدولار التي تبقى العنصر الابرز. والملفت من خلال كلام السيد نصر الله ان ثمة تغييرا في مقاربة التعاطي مع الجانب الاميركي حيث كان في الامس القريب " يشد" حينا، و"يرخي" احيانا، لكن في الشق الاقتصادي لا بد من اعتماد خيارات اخرى لاسيما وان الحزب شعر في الاونة الاخيرة ان تلك " الحرب" الناعمة" بدأت تتحول تدريجيا الى " حرب خشنة" خالفت قواعد الاشتباك التقليدية، وان تأثير ضغطها يتفاقم ويتفاعل على نحو يصعب الاستمرار في تحمله، بدليل ان الارتفاع الجنوني للدولار الذي قفز الى 80 الف ليرة في اقل من اربعة ايام من دون مبررات مقنعة . اما السبب الاخر فهو مواصلة عرقلة استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الاردن والتأخير الذي شكا منه السيد نصر الله في بدء عملية استثمار الحقول النفطية والغازية في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية على الحدود الجنوبية، في وقت باشرت اسرائيل التصدير من حقل كاريش، واعتبر الحزب ان كل هذه العوامل وراءها بصمات اميركية تدفعه الى الخروج من خيار " الحرب الناعمة" الى الوجه الاخر بهدف اقامة توازن في الضغوط. من هنا اختار السيد نصر الله التهديد بانه في حال استمر الضغط على لبنان للوصول الى الفوضى فيه فان هذه الفوضى سوف تعم المنطقة بما فيها اسرائيل وان الساحة اللبنانية لن تكون وحدها من يلتقى " الضربات" بل كذلك ما هو ابعد من لبنان.
رسائل نصر الله اكثر من تهديد وتحذير
والواقع ان البعض اعتبر رسائل السيد نصر الله التحذيرية لن تتعدى الحرب النفسية منها الى التهديد الجدي وان المقصود منها التحذير والتهديد وليس الفعل. لكن من يعرف " السيد" جيدا يؤكد انه كان يعني ما قاله في خطابه وان ثمة خطة وضعت للرد على " استهداف لبنان بالفوضى والجوع" تنتظر صدور الاوامر بالتنفيذ في التوقيت المناسب. ويرى مراقبون ان ما يعزز هذا الاقتناع لدى المواكبين لتجارب الحزب، هو ان السيد نصر الله حريص على حماية صدقيته التي تعتبر من اهم اسلحته النوعية وعناصر قوته، وبالتالي فالتهديد بالحرب لا نفع له اساس ما لم يكن مقرونا اولا بالقدرة على خوضها اذا دعت الحاجة، وثانيا بثقة العدو في وجود تلك القدرة. من هنا، ينصح المطلعون على حقائق الامور بعدم اختبار جدية الحزب او صبره لان النتيجة معروفة سلفا، ومع ذلك من المبكر الاستنتاج بان الرد، الذي تبقى طبيعته غاضمة، سيتم بالضرورة في القريب العاجل. ذلك ان الحزب الذي يجيد المقارعة على حافة الهاوية يريد لرسائله التحذيرية ان تاخذ مداها وصداها الكافيين، خصوصا في واشنطن وتل ابيب، حتى يبنى على الشيء مقتضاه لاحقا، فان اعطت مفعولها تكون الغاية منها قد تحققت وان جرى تجاهلها يبدأ تسييلها الى فعل ميداني، وربما عبر جرعات ومراجل متدرجة وتصاعدية كما حصل خلال مرحلة التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية حين اعتمد الحزب سياسة التدرج في مستوى الانذارات.
في المقابل رأت مصادر معارضة لحزب الله وخط الممانعة ان في كلام السيد نصر الله رسالة الى الولايات المتحدة الاميركية ذات صياغة ايرانية لان طهران ليست في وارد تسهيل ايجاد حلول للازمات في لبنان وغيره من الدول من دون ان يتوفر " الثمن" المناسب لهذا التسهيل. ونقلت هذه المصادر ان سفراء عربا واجانب لم يرتاحوا لتهديدات السيد نصر الله معتبرين ان في بعض ما قاله يمكن ادراج شروطه الرئاسية وبالتالي قدرته على تعطيل اي استحقاق دستوري او غيره ما لم تؤخذ في الاعتبار المطالب التي ترفع في مناسبات كهذه وتراعى فيها مصلحة ايران ودورها في المنطقة اضافة الى ملف العقوبات الذي ما زال مفتوحا في ما خص الملف النووي. واعتبرت المصادر المعارضة ان تصعيد السيد نصر الله اتى بعد ساعات من تحرك سفراء الدول الخمس التي اجتمعت في باريس في اتجاه المرجعيات السياسية وسط معطيات تقول ان الملف الرئاسي تحرك من جديد وفق تصورات قيد البحث، وبالتالي فان " السيد" اراد ان يقول للمجتمعين في باريس انه الجهة الصالحة- وربما الوحيدة- التي يفترض التواصل معها مباشرة او مداورة والاستماع الى خياراتها وربما شروطها اذا كانت هناك رغبة حقيقية في حل معضلة انتخاب رئيس الجمهورية. من هنا رأت المصادر المعارضة لحزب الله ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس " غير تابع للحزب" بل شخصية وطنية وعربية محايدة وذلك عامل اساسي ومنطلق لاعادة مد الجسور مع لبنان وترسيخ الثقة والذي بات مطلبا لبنانيا وعربيا ودوليا جامعا، والا ستبقى الامور تدور في حلقة مفرغة.
ومما لاشك فيه ان كلام السيد نصر الله قاد " المعركة" الانتخابية في مسار جديد لانه ربطها بالتحذير من الفوضى التي يعتبر انها تستهدف لبنان "لارغام" القيادات السياسية والكتل النيابية على اعتماد خيار معين لرئاسة الجمهورية تفرضه الظروف التي يمكن ان تتسبب بها الفوضى اقتصاديا واجتماعيا... وامنيا!.