اشارتان اعادتا مع نهاية السنة الماضية الحديث عن الانتخابات البلدية والاختيارية التي من المفترض ان تجري في شهر ايار ( مايو) المقبل بعد التمديد للمجالس البلدية سنة بسبب مصادفة موعد اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية مع موعد اجراء الانتخابات النيابية العام الماضي 2022. الاشارة الاولى اتت من بكركي على لسان وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي قال فيها ان وزارته جاهزة لاجراء الانتخابات في موعدها. والاشارة الثانية اتت من عدد من رؤساء واعضاء مجالس بلدية طالبوا بعدم تأجيل الانتخابات البلدية للتخلص من الاعباء التي القتا عليهم الانتخابات البلدية قبل سبع سنوات....
لكن، هل تكفي اشارة الوزير مولوي الى بدء التحضير لجهوزية الوزارة لحصول هذه الانتخابات؟ تقول مصادر متابعة انه لا يمكن لوزير الداخلية ان يقول او يؤشر الى امكانية تأجيل الانتخابات البلدية سنة جديدة لاسباب عدة، ابرزها انه غير المعني بالتأجيل لان ذلك من مسؤولية مجلس النواب، فضلا عن ان الوزير المعني باجراء الانتخابات لا يمكن له ان يتحدث عن امكانية تأجيلها بل عليه ان " ينتظر" بضرورة اجرائها من جهة، وبجهوزية وزارته من جهة اخرى، لذلك فهو قال ان التحضيرات بدأت "وان لا تأجيل بالنسبة الينا". وفي رأي الوزير مولوي انه لا توجد اسباب بعد للبحث في موضوع التأجيل على رغم ان الذين يتحدثون عن ضرورة التأجيل يشيرون الى انه من غير الجائز انتخاب مجالس بلدية واختيارية، اذا لم يتم انتخاب رئيس الجمهورية لانه الاستحقاق الذي له الاولوية في الحياة السياسية اللبنانية نظرا لرمزيته من جهة ولدوره من جهة ثانية. وانطلاقا من هذا المعيار، يقول مطلعون ان لا امكانية لاجراء الانتخابات البلدية في شهر ايار ( مايو) المقبل ليس فقط اذا لم ينتخب رئيس جديد للبلاد، بل في حال انتخب الرئيس العتيد لن تكون البلاد في وارد الدخول في انتخابات بلدية واختيارية، لان الاولوية ستكون لتشكيل حكومة جديدة ومثولها امام مجلس النواب لنيل الثقة وغيرها من الاجراءات المرتبطة بالاوضاع العامة التي يفرضها تشكيل حكومة جديدة في بداية عهد جديد. وعليه، يؤكد المطلعون باستحالة اجراء انتخابات بلدية في الربيع المقبل لانه لا يمكن ان تحصل في غياب رئيس الجمهورية، كما انها لا يمكن ان تحصل اذا انتخب قبل ايار ( مايو). وعليه يتوقع المطلعون بان يتولى مجلس النواب حل هذه الاحجية من خلال تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية سنة اضافية على ان يحدد قانون التمديد بان امكانية اجراء الانتخابات تبقى واردة في اي وقت ترى فيه الحكومة القدرة على هذا الاجراء.
وتتحدث مصادر نيابية عن سبب اضافي قد يشكل الدافع لتأجيل الانتخابات وهو اعادة النظر الجارية حاليا في قانون البلديات بعد تشكيل لجنة فرعية نيابية لتعديل القانون. لكنها لم تنجز عملها بعد ما يعني ان الانتخابات- اذا حصلت- ستكون على اساس القانون القديم. وفي هذا السياق، يقول رئيس لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات النائب جهاد الصمد " أننا نعيد النظر في كل مواد القانون الساري حالياً، ومنذ أكثر من 3 سنوات يعمل على القانون، وبتنا في المادة 70 منه، لكن لا يزال يتطلب المزيد من الوقت للانتهاء من دراسة كل بنوده. مع العلم أن هذا لا يعوق اجراء الانتخابات في موعدها اذ تتم وفق القانون الساري المفعول حالياً"، لافتاً الى أن "النقاط الأساسية في القانون الجديد تتطلب موافقة الكتل النيابية. على سبيل المثال إن كان يتم اعتماد القانون الأكثري أو النسبي أو انتخاب الرئيس ونائبه يكون مباشرة من الناخبين أو من الأعضاء، وولاية المجالس البلدية إن كانت ستبقى 6 سنوات أو تعدل، وعدد أعضاء المجالس البلدية. هناك أكثر من اقتراح قانون لم يبت به، ويتطلب هيئة عامة".وقال: "مجلس النواب يقرر إن كانت ستحصل الانتخابات البلدية في موعدها أو تتأجل بناء على اقتراح قانون من الحكومة، واليوم لا تجتمع الحكومة كما أن المجلس لا يجتمع. حتى لو سرّعنا وتيرة العمل في القانون الجديد، فإذا لم تعقد الهيئة العامة للتصويت عليه، لا يمكن تطبيقه في الانتخابات المقبلة".
في المقابل، ترى جهات نيابية اخرى ان قرار اجراء الانتخابات النيابية ليس قرارا في يد وزير الداخلية وحده، بل عند السياسيين الذين يرون ان الاولوية راهنا لانتخاب رئيس الجمهورية. وبالتالي فان الظروف هي التي تتحكم بهذا الاستحقاق، علما ان دعوة الهيئات الناخبة يتم بقرار من وزير الداخلية وليس بمرسوم، ولا يحتاج الى قرار من مجلس الوزراء غير القادر على الانعقاد. اما في شأن الاعتمادات المالية فيمكن تجاوز عقدة عدم التئام مجلس الوزراء من خلال تولي مجلس النواب تخصيص هذه الاعتمادات وهو امر صعب المنال في الوقت الراهن لان النواب يعطون الاولوية للانتخابات الرئاسية. ومعلوم أن "اجراء الانتخابات البلدية ضروري لأن هناك 27 بلدية استحدثت منذ العام 2016 الى اليوم، وهذه البلديات يديرها القائمقامون أو المحافظون كما هناك أكثر من 93 بلدية منحلة، وبالتالي، ستكون البلاد أمام فراغ كبير في العمل البلدي. يفترض أن تجري الانتخابات، لكن المسألة خاضعة لقرار سياسي غير واضح المعالم حالياً"، لاسيما وان "الانتخابات البلدية فيها منافسة عائلية ومحلية أكثر من الانتخابات النيابية". يذكر أن "انشاء البلديات يتم بقرار من وزير الداخلية، وأنشئ الكثير منها في قرى ليست لديها امكانات ذاتية لتأمين مصاريف البلدية، والعائدات بالليرة اللبنانية أصبحت بلا قيمة. كل البلديات اليوم في حالة عجز، ودخلها لا يكفي لازالة النفايات ودفع معاشات الموظفين. العمل البلدي اليوم في حالة شلل وانهيار، والانتخابات ربما تأتي بوجوه جديدة، يمكنها القيام بمبادرات وبعمل تنموي يترافق مع حيوية جديدة".
" القرف" يسيطر على رؤساء بلديات
في المقابل لا يخفي عدد من رؤساء البلديات واعضاء المجالس البلدية " قرفهم" من الحالة التي وصت اليها بلدياتهم نتيجة الاوضاع المالية والاقتصادية الضاغطة التي يعيشها لبنان منذ ثلاث سنوات، علما ان الاكثرية الساحقة من هذه البلديات لم تعد قادرة على الانتاجية او على الاستمرار في تقديم خدمات الحد الادنى، ما جعل عدد من رؤساء البلديات يتطلعون الى اليوم الذي يزال فيه العبء عن كاهلهم واراحتهم من هذه المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم.
وفي هذا السياق يروي اكثر من رئيس بلدية انه ومع بدء الأزمة الاقتصادية، في النصف الثاني من عمر ولاية البلديات، عانت الأخيرة للقيام بمهام تجاوزت مسؤولياتها في أحيان كثيرة، بعدما تحوّلت هي إلى السلطة الأولى محل الدولة، بدءاً من دورها في التصدّي لانتشار كوفيد ــ 19، وصولاً إلى تبعات الانهيار الاقتصادي على كلّ مرافق الحياة تربوياً واجتماعياً واقتصادياً. في المقابل، بقيت مستحقّاتها تتأخر، فحُوّل نصف عوائد سنة 2020 قبل أيام فقط وفق سعر الصرف القديم. أما الرسوم البلدية فهي بالكاد تُستوفى من المواطنين وأيضاً وفق سعر الصرف الرسمي قبل الانهيار، ويشكو رؤساء البلديات من عدم إجراء تعديلات على معادلات الرسوم التي تستوفيها البلديات وعدم الإتيان على ذكرها في موازنة 2022 . ما يعني بكلام أوضح أن البلديات مفلسة، رغم أنّ لها في ذمة الدولة مستحقات عامين. بعض البلديات لم تستطع الصمود، وقد بلغ عدد المجالس البلدية المنحلّة 85 مجلساً بلدياً يدير أعمالها القائمقام أو المحافظ. ويضيف هؤلاء ان الدولة تدفع مستحقات البلديات بــ " القطارة"، علما ان العمل البلدي قائم على الدولار الذي يدفع ثمنا للمحروقات والاصلاحات وصيانة الاليات، وما تم تحويله عن العام 2020 يكاد يكفي رواتب العاملين في البلديات، لاسيما الكبرى منها، لمدة شهر واحد مع ثمن محروقات! يذكر انه تم استحداث 27 بلدية جديدة حتى بلغ العدد الاجمالي حتى شهر ايلول ( سبتمبر) الماضي 1055 بلدية.