يؤكد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي للذين يلتقيهم هذه الايام بعد الضجة التي احدثها انعقاد جلسة مجلس الوزراء، انه لن يتردد بالدعوة الى عقد جلسة جديدة لمجلس الوزراء عندما تدعو الضرورة او اذا كانت هناك مواضيع تحتاج الى موافقة مجلس الوزراء ولا يمكن اقرارها بمرسوم عادي يوقعه مع الوزير المختص، او الوزراء المختصين، وينطلق الرئيس ميقاتي من موقفه من اعتبارات عدة ابرزها، اقتناعه بان الجلسات التي يدعو اليها دستورية وقانونية، ولا تخالف أي بند من بنود الدستور الذين لم ينص على استحالة انعقاد جلسات مجلس الوزراء في حكومات تصريف الاعمال، فضلا ان السوابق اجازت التئام مجلس الوزراء عند الضرورة وقد مارس ذلك ميقاتي نفسه خلال ترؤسه حكومة تصريف الاعمال في عهد الرئيس ميشال سليمان، كذلك يرى ميقاتي ان عدم تسيير شؤون الناس في هذه الظروف الصعبة يحمله مسؤولية، وطنية وضميرية فاذ امتنع هو والوزراء عن تصريف الاعمال او لم يوجه الدعوة الى عقد مجلس الوزراء اذا ما اقتضت الظروف التي تمر بها البلاد ذلك، فماذا يحل بالبلاد التي يزداد التدهور فيها على مختلف المستويات... ويعتبر ميقاتي انه طالما هو قادر على جمع ثلثي اعضاء الحكومة حول طاولة مجلس الوزراء فهو لن يتردد لحظة لان ذلك يعني ان غالبية الوزراء هم مع انعقاد المجلس، علما انه سيراعي الاصول في ما خص الاتفاق على جدول الاعمال مع الوزراء الراغبين في حضور الجلسات، اما الوزراء المقاطعين او الذين لم يوقعوا على المراسيم التي صدرت بعد الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء فسيتم الاتصال بهم والوقوف على ارائهم فان هم تجاوبوا كان به، واذا لم يتجاوبوا فالغالبية مؤمنة.
ترقيات الضباط في الاسلاك العسكرية
وتقول مصادر حكومية ان ثمة مواضيع ملحة ستفرض على الرئيس ميقاتي دعوة مجلس الوزراء في جلسة على الاقل قبل نهاية السنة، ابرزها بند ترقيات الضباط في الاسلاك العسكرية والتي تستحق في مختلف الرتب ابتداء من الاول من كانون الثاني ( يناير) المقبل، اضافة الى تمديد العمل بالملاكات الموقتة والمتعاقدين وغيرهم من العاملين في القطاع العام الذي يفرض القانون التمديد لهم قبل بداية كل سنة جديدة والا تتوقف وزارة المال عن دفع رواتبهم وتعويضاتهم. كذلك هناك مسائل تحتاج الى قرارات من مجلس الوزراء قبل انتهاء السنة ولم يتم البت بها قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون لتعذر انعقاد مجلس الوزراء نتيجة معارضة رئيس " تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل آنذاك. وتجزم المصادر الحكومية ان الجلسات الحكومية المقبلة، اذا ما دعا ميقاتي الى عقدها، لن تشهد اقرار أي تعيينات حتى تلك المرتبطة بملء الشغور حاليا في مجلس القيادة في قوى الامن الداخلي او الشغور المرتقب في المجلس العسكري في الجيش ابتداء من 24 كانون الاول( ديسمبر) الجاري والذي سيفتتحه رئيس الاركان العامة اللواء امين العرم على ان يتوالى بعده المدير العام للادارة اللواء مالك شمص والمفتش العام اللواء ميلاد اسحق. وتوقع المصادر نفسها ان تطرح مسألة ترقيات الضباط في الاسلاك العسكرية اشكالية ترقية ضباط دورة العام 1994 الى رتبة عميد والمجمدة منذ سنوات بضغط من الرئيس نبيه بري الذي يريد ان يقر في المقابل تعيين الفائزين في مباريات مجلس الخدمة المدنية ومنهم حراس الاحراج والذين اوقف الرئيس عون مراسيم تعيينهم لوجود خلل فاضح في التوازن الطائفي. وفي هذا المجال يتوقع مطلعون على هذا الملف انه سيصار الى البت به مع نهاية السنة الجارية بحجة ان التوازن قد تحقق بفعل الدورات المتتالية والتي تم فيها تجميد ترقيات العقداء الى عمداء وصار التوازن قائما بعدما كان لمصلحة المسيحيين في دورة 1994، فصار التوازن محققا مع مرور السنوات. وسيبدأ حل هذه المعضلة من خلال توقيع وزير المال يوسف خليل، بموافقة بري طبعا، على مرسوم ترقية الضباط من رتبة عقيد الى عميد وتكر بعد ذلك السبحة بالنسبة الى ضباط الدورات الاخرى المجمدة ترقيتهم من رتبة عقيد الى عميد. ولعل ما يمكن ان يسهل هذا التوقيع انتهاء عهد الرئيس عون الذي كان يعترض على تجميد وزير المال مرسوم ترقية العمداء في دورة 1994 . اما الان وفي ظل وجود حكومة تصريف الاعمال فان لا شيء يمنع صدور المرسوم وما يليه من مراسيم مماثلة لانصاف الضباط الذين جمدت ترقياتهم طوال سنوات، ومنهم من تقاعد او على ابواب التقاعد، اضافة الى ان الخلل الطائفي الذي كان يتذرع به الرئيس بري لتجميد المرسوم عند وزير المال، قد زال لان مرسوم دورة ضباط 1994 ( المعروفة بدورة عون) يشمل ترقية 126 ضابطا يتوزعون بين 28 ضابطا مسلما، و98 ضابطا مسيحيا من رتبة عقيد الى عميد، بات هناك مع مرور كل السنوات تلك ما يعادلهم طائفيا مع عودة التوازن الطائفي الذي حققته دورات 1995، 1996 مع وجود ضباط في هاتين الدورتين برتبة عقيد يستحقون الترقية الى رتبة عميد. واذا سارت الامور كما يجب، سيكون على مجلس الوزراء ان يوافق على الترقيات نيابة عن رئيس الجمهورية، علما ان مرسوم ترقية هؤلاء الضباط هو مرسوم عادي لا يحتاج الى مجلس الوزراء لاقراره بل يصدر عادة بتوقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزراء المال والدفاع والداخلية. الا انه مع شغور الموقع الرئاسي فان مجلس الوزراء يحل مكان رئيس الجمهورية في الموافقة على الترقيات التي ستأتي في مراسيم تصدر وفق الالية الجديدة المعتمدة في حكومة ميقاتي، والتي صدرت في تعميم صدر عن الرئيس ميقاتي موجه الى الادارات والمؤسسات العامة حول كيفية اعداد المراسم وفق الاتي:
- ذكر عبارة " ان مجلس الوزراء" (بدلا من ان رئيس الجمهورية) في مستهل بناءات المشروع.
- اضافة عبارة " لاسيما المادة 62 منه" بعد عبارة " بناء على الدستور". ( المادة 62 التي تنص على انه في حال خلو سدة الرئاسة لاي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء).
- اضافة حيثية تكون الاخيرة على المشاريع كافة تبنيها على " موافقة مجلس الوزراء".
- وضع عبارة " صدر عن مجلس الوزراء" و" بيروت في" ( بدلا من " بعبدا في") في خانة التوقيع.
- اضافة خانة لتوقيع ثان لرئيس مجلس الوزراء اضافة الى توقيعه المعتمد.
ميقاتي " يحصن" الجلسة المقبلة
ما تقدم هو في الشكل.. اما في الاساس فيبقى ان انعقاد مجلس الوزراء بعد الضجة التي اثيرت نتيجة الجلسة الاولى، قد يواجه صوبات اضافية لاسيما بعد موقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والالتفاف المسيحي الذي ظهر وان بشكل غير مباشر،لكن المعطيات المتوافرة تشير الى ان ميقاتي سيهيىء للجلسة المقبلة التي سوف تبت بمواضيع اساسية وضرورية من خلال مروحة تشاور يسبق تحديد الموعد الذي قد يواجه بتحفظ من حزب الله لم ينوجد في الجلسة الماضية لان الحزب لا يريد كسر الجرة مع النائب باسيل مرة نهائية وسيتجاوز ما قاله الى نقاش هادىء يعيد وضع الامور في نصابها. اما حسابات الرئيس ميقاتي فتختلف لانه قيم ايجابا مرحلة ما بعد جلسة مجلس الوزراء الاولى في ظل تصريف الاعمال وذلك وفقا لمعايير عدة ابرزها انه استعاد حضورا في الشارع السني المصاب بحال من الارباك وخلط الاوراق بعد الانكفاء الطوعي او القسري للاقوى في ساحته الرئيس سعد الحريري وتياره السياسي. مع العلم ان ميقاتي لم يكن يوما في وارد المنافسة وأخذ المكان. كذلك بدا رجل دولة في اصعب لحظات عمر هذه الدولة المنكوبة، إن لجهة خفض النفقات الى ادنى حدودها وهو يحسبها بأقل من مليار دولار خلال فترة ترؤسه، في حين ان حكومة سلفه الرئيس حسان دياب انفقت على مدى عمرها القصير ما لا يقل عن 17 مليار دولار.وفي الوقت عينه استمرت حكومته في استكمال التدابير والاجراءات المطلوبة إنفاذا لمندرجات خطة التعافي على نحو يشجع صندوق النقد الدولي على ابرام اتفاقه المنشود مع لبنان نهائيا.واكثر من ذلك، كانت لحكومة ميقاتي خطواتها الانعاشية، وإنْ بحدود، في المجالات المالية والاقتصادية. اما على مستوى الاداء السياسي فقد نجح ميقاتي في تهدئة مخاوف المسيحيين فمدّ مع بكركي علاقات تنسيق بعدما ولج الى هذا الصرح التاريخي من ابوابه العريضة. وفي الموازاة، متّن ميقاتي اواصر علاقته المتينة اصلا مع الرئيس نبيه بري فيما ادار لعبة علاقة ذكية مع "حزب الله" الذي لحاجته اليه تغاضى عن كثير مما اعتبره مساً به.وفي المراحل الاخيرة تناهت الى مسامع ميقاتي وفريق عمله رسائل اعجاب من عواصم عربية وعالمية على ادائه الى درجة ان بعض هذه العواصم تداول سؤالا فحواه: ماذا لو لم يكن ميقاتي على رأس السلطة التنفيذية في بيروت؟وفي طوايا هذا السؤال تختبىء معالم اعجاب وتقدير لهذا الاداء الموزون والدقيق الذي ساهم في ترميم مشهد مالي وسياسي بالغ السوء. اما على المستوى الخارجي لم يترك ميقاتي محفلا عربيا او عالميا إلا شارك فيه ليؤكد ان هذا البلد ما زال ينبض، فضلا عن انه نجح في تظهير مظلومية هذا البلد من جراء تحميله مأساة النزوح السوري الثقيلة الوطأة عليه، او لجهة المطالبة باسناد لبنان حتى ينهض من كبوته.ولا يمكن تجاهل دور ميقاتي في ادارة الداخل وتناقضاته عبر اداء متوازن، وخصوصا من خلال عملية ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل.
وفي أي حال يدرك ميقاتي جيدا ان الدعوة الى جلسة جديدة لمجلس الوزراء تحتاج الى عوامل ثلاثة " موافقة وزراء " الثنائي الشيعي"، ضمان مشاركة ثلثي عدد الوزراء اضافة الى " تفهم " بكركي لمضمون جدول الاعمال الذي يفترض ان يراعي فيه ميقاتي قواعد الضرورة الملحة والحاجة الاستثنائية"!.