تفاصيل الخبر

ميقاتي تبلغ ثوابت الفاتيكان: العيش المشترك والطائف ورئيس جامع وحوار لتسهيل الاصلاحات والنهوض

22/03/2023
ميقاتي تبلغ ثوابت الفاتيكان: العيش المشترك والطائف ورئيس جامع وحوار لتسهيل الاصلاحات والنهوض

الرئيس نجيب ميقاتي مع البابا "فرنسيس  " في الفاتيكان

 

لا يمكن اعتبار زيارة الرئيس نجيب ميقاتي الى الفاتيكان الاسبوع الماضي واجتماعه مع البابا "فرنسيس" وامين سر الدولة البابوية الكاردينال" بارولين"، زيارة تقليدية او حدثا عاديا، ليس فقط لانها الزيارة الثانية في اقل من سنة، بل لان الدوائر البابوية احاطتها باهتمام لافت سواء من حيث الشكل او من حيث المضمون. في الشكل كانت لافتة الحفاوة التي استقبل بها البابا "فرنسيس" الرئيس ميقاتي ولاسيما طريقة الجلوس في المكتب البابوي اذ خرق الاب الاقدس البروتوكول وجلس خارج مكتبه واجلس ميقاتي قربه بدلا من ان يكون قبالته كما جرت العادة، ثم وفي خطوة غير مسبوقة ايضا رافقه حتى المدخل الخارجي لمكتبه بعدما حرص على استقبال اعضاء الوفد المرافق لميقاتي فردا فردا والتقاط صور تذكارية معهم: اما في المضمون فان التكتم الذي اعتمده الرئيس ميقاتي حول لقاءاته في الكرسي الرسولي لم يحل دون توافر معلومات حول ابرز ما دار من محادثات خصوصا ان هذه الزيارة تمت في ظل ظروف غير طبيعية يمر بها لبنان ويدركها الاب الاقدس وجميع معاونيه لاسيما الذين يتولون الملف اللبناني. وطبيعي ان يكون الملف الرئاسي اللبناني احد الملفات الرئيسية في المحادثات التي اجراها الرئيس ميقاتي لاسيما وانه يدرك الهواجس التي تسكن الدوائر الفاتيكانية خصوصا وضع المسيحيين في لبنان بعد تزايد الهجرة المسيحية الى خارج لبنان من جهة،  وتراجع الحضور المسيحي في دول المشرق العربي خصوصا بعد الحرب في سوريا والعراق. وكان ميقاتي استبق سفره الى الفاتيكان بزيارة قام بها الى الصرح البطريركي الماروني في بكركي حيث اختلى بالبطريرك مار بشارة بطرس الراعي وتداول معه في المواضيع التي كان ينوي اثارتها في محادثاته في الكرسي الرسولي.

لم يقل الرئيس ميقاتي كلاما جديدا لا يقوله في بيروت حول اهمية انتخاب رئيس الجمهورية وضرورة انجاز هذا الاستحقاق في اسرع وقت ممكن، فضلا عن مواقفه التقليدية من دور حكومته ومسؤولياتها وجدول تصريف الاعمال وغيرها من النقاط التي يستعملها خصوم ميقاتي ضده ولاسيما رئيس " التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الذي حاول " التشويش" على زيارته من خلال الاعلان عن مواقف تتهم ميقاتي بــ " مصادرة" دور رئيس الجمهورية المسيحي، و" الاستئثار" بالسلطة وانتهاك الدستور وغيرها من الاتهامات التي كان وصل صداها الى الفاتيكان قبل الزيارة بهدف العمل على الغائها. الا ان الدوائر الفاتيكانية ابقت الزيارة في موعدها لتسمع من الرئيس ميقاتي مباشرة وجهة نظره من جهة، واسماعه موقف الفاتيكان من جهة ثانية، علما ان للرئيس ميقاتي مكانة خاصة لدى الاب الاقدس وكبار معاونيه ظهرت جلية في اكثر من مناسبة. اذن قال الرئيس ميقاتي ما لديه وعرض كل الحجج والمواقف ورسم استراتيجية عمل للمرحلة المقبلة لابقاء التنسيق كاملا مع الكرسي الرسولي، وتردد انه في المسألة الرئاسية ابلغ ميقاتي المسؤولين في الفاتيكان وجهة نظره حيال عدد من الاسماء التي يتم التداول بها للموقع الرئاسي الاول وذلك بناء على طلب الكاردينال" بارولين" ووزير الخارجية المونسنيور" كالاغر"، خصوصا ان الفاتيكان على علم بالتحرك الذي يقوم به البطريرك الماروني في هذا الاتجاه.

 وفي هذا السياق تقول المعلومات ان البطريرك كان عرض على ميقاتي خلال زيارة بكركي لائحة بالاسماء التي وصلت الى الصرح البطريركي من خلال جولة راعي ابرشية انطلياس المارونية المطران انطوان بو نجم، وان البطريرك اظهر  تعاطفا مع احد هذه الاسماء، وهو نائب حالي دخل الندوة البرلمانية منذ عدة سنوات وشغل فيها مواقع اساسية لاسيما في اللجان النيابية البارزة، واعتبر البطريرك ان هذا النائب يتمتع بمواصفات تجعله  الابرز بين الاسماء الواردة في اللائحة نظرا لانفتاحه وعلاقاته المحلية والدولية، وخبراته في التعاطي مع الشأن العام لاسيما شؤون الدولة المالية، وسبق ان لعب دورا اساسيا في تحقيق المصالحة بين المسيحيين ما اكسبه ثقة الخصوم قبل الحلفاء. وتقول المعلومات ايضا ان الرئيس ميقاتي حرص بعد مغادرته بكركي على ان يتصل من سيارته بالنائب المذكور وهنأه على ثقة البطريرك به وتمنى له التوفيق في مسؤولياته المنتظرة  اذا ما  جرت الرياح مثل ما تشتهي  السفن البطريركية.

ميقاتي مع البطريرك بشارة الراعي في بكركي

ثوابت الكرسي الرسولي: حوار وعيش مشترك

ماذا عن موقف الفاتيكان؟

تؤكد المصادر المتابعة ان المسؤولين في الكرسي الرسولي استمعوا الى العرض الذي قدمه الرئيس ميقاتي رئاسيا ووطنيا وما يدور من احداث وتطورات في لبنان والمنطقة، واكدوا على سلسلة ثوابت حيال لبنان في رد غير مباشر على كل ما يجري تداوله على الساحة الداخلية من افكار واقتراحات تخالف تلك الثوابت التي تشدد على دور لبنان وتعدديته الثقافية والدينية التي تضفي عليه التميز والفرادة في صلب الثوابت البابوية، كيفية إنقاذ لبنان والحفاظ على تعدّديته وقيم العيش المشترك فيه. ورغم أهمية الوجود المسيحي فيه، ينظر الفاتيكان الى الملف اللبناني من منظار وطني يرمي الى الحفاظ على الهويّة الوطنية. ولا يرى أن المشكلة في انتخاب رئيس للجمهورية اليوم كما يجري تصويرها بأنها مشكلة مسيحية مسلمة، بل يعتبر أن موقع رئاسة الجمهورية هو لكل اللبنانيين وليس للمسيحيين فقط. وفي خريطة الطريق التي يرسمها للحل، ينطلق من التمسك بوثيقة الطائف التي تشكل دستور البلاد، مع التمسك بضرورة تطبيقها بكل مندرجاتها. ويؤمن بضرورة الحوار الداخلي انطلاقاً من ثوابت ومسلّمات ومواصفات لا أسماء، لكنه في الوقت عينه يؤمن بأن الحوار حول المسائل الشائكة التي تثقل على اللبنانيين يجب أن يكون بعد إنجاز انتخاب الرئيس لا قبلهو.لا يؤمن الفاتيكان بمنطق رئيس التحدّي على أي ضفة كانت ومن أي جانب طُرح، بل يدعو الى رئيس توافقي قادر على أن يجمع البلاد والقوى السياسية على الإصلاحات المطلوبة في مختلف المجالات.وتؤدّي الديبلوماسية البابوية دورها بهدوء وصمت ولكن فاعل في اتجاه المجتمع الدولي لحثّه على مقاربة الملف اللبناني. في هذا المعنى، لم تكن تلك الديبلوماسية بعيدة عن الاجتماع الخماسي في باريس أو عن الحراك في اتجاه الغرب والولايات المتحدة الدول الخليج. يعكس الفاتيكان خشيته من حركة الهجرة الكبيرة التي يقوم بها الشعب اللبناني، من دون أن يتوقف عند الخلفية الطائفية. الأرقام المتوافرة في حوزته وتشير الى مغادرة نحو ٣٠٠ ألف من مختلف الطوائف تثير لديه القلق من إفراغ البلد من طاقاته البشرية. لا يوافق الفاتيكان على الطروحات الداخلية المتناقضة ما بين دعاة المثالثة أو دعاة الفيديرالية، إذ يعتبر أن الطرحين يهدفان الى تغيير النظام وتغيير الدستور. من هنا تمسكه بالعنوانين اللذين ينقضان تلك الطروحات: العيش المشترك والطائف.

 

معلوم أن التنسيق والتناغم بين الفاتيكان وبكركي ضروري وملح في ظل ما تردّد عن تباين في نظرة كل طرف الى المقاربة الرئاسية، حيث تنظر بكركي على أنها شأن مسيحي فيما يتمسّك الفاتيكان بالتعامل مع هذا الاستحقاق على أنه وطني ويعني كل اللبنانيين وكل القوى وكل الطوائف من منطلق أن رئيس الجمهورية هو رئيس كل البلاد وكل اللبنانيين!