ما شهدته الحدود الجنوبية الاسبوع الماضي من مواجهة بين ضابط من الجيش اللبناني على رأس قوى من الجيش، وبين دورية اسرائيلية تجاوزت " الخط الازرق" وزرعت وتدا حديديا ثم تراجعت بعد اصرار الضابط اللبناني وهو برتبة رائد، لا يمكن ادراجه في خانة التصعيد الاسرائيلي المعتاد على الجبهة الجنوبية وان كان شكل خطوة مستجدة بعد ترسيم الحدود البحرية الجنوبية وكأنه يمهد للبحث في مفاوضات لترسيم بري ايضا. فالوتد الذي اراد الاسرائيليون زرعه في احدى نقاط " الخط الازرق" في محيط بلدة عيتا الشعب المتنازع عليها منذ انسحاب الاسرائيليين في العام 2000، لم يكن الاول منذ التحرير ذلك ان التقارير سجلت عشرات الحوادث التصادمية لحادثة عيتا الشعب وكان ابرزها حادثة شجرة العديسة في قضاء مرجعيون حين تصدت آنذاك دورية من الجيش اللبناني بالنار لوحدة عسكرية اسرائيلية كانت تحمي جرافة مكلفة ازالة شجرة زيتون معمرة في تلك البقعة الحدودية تعود ملكيتها الى لبنان وفق احداثيات الجيش. في حينه خسر الاسرائيليون عدد من القتلى والجرحى واصبحت الحادثة علافة فارقة يستند اليها الجانب اللبناني ليقدمها كفعل دفاعي عن حقه وسيادته. وتظهر الاحصاءات ان ثمة 135 حادثا مماثلا سجلت منذ ايار ( مايو) العام 2000 الى الامس القريب، وفي كل مرة كانت قوة " اليونيفيل" تفصل بين الجيشين اللبناني والاسرائيلي... وتكتب تقريرا عما حصل!
وحادثة زرع الوتد في محيط عيتا الشعب، تضاف اليها حادثة في حولا حيث استطاع شاب لبناني انتزاع مخزن رصاص من بندقية جندي اسرائيلي، ترى فيهما اوساط متابعة تراجعا في " هيبة" الاسرائيليين وتسليما من قبلهم بان ممارساتهم على الحدود اللبنانية لن تمر بعد اليوم مرور الكرام وان الرد اللبناني، سواء كان من الجيش او من المدنيين، لن يتأخر خصوصا ان ما كان يعرف بــ " عقدة الخوف" من القوات الاسرائيلية قد زال وهو تطور مهم في منطقة شهدت طوال اعوام عدة اعتداءات اسرائيلية لم تلقى الرد المناسب عليها الا من خلال المقاومة، في حين ان ردة فعل الجيش لم تكن في حينه على مستوى آمال الجنوبيين. اما اليوم فالصورة اختلفت ولكن ليس الى حد البحث في ايجاد "حل" لوضع المقاومة في الجنوب لان مثل هذا الموضوع غير قابل للبحث حاليا ولا يمكن طرحه لاعتبارات عسكرية وسياسية عدة وبالتالي ستبقى في وضعها الحالي، ما يعني استطرادا ان معادلة " الجيش والشعب والمقاومة" عادت الى الحياة من جديد رغم وجود محاولات عدة لابعادها عن الواقع الذي يعيشه الجنوب خصوصا، ولبنان عموما. وفي هذا السياق، يقول متابعون للوضع الجنوبي ان الملاحظ بعد الترسيم البحري للحدود الجنوبية ازدادت نسبة الامان على طول الحدود البحرية ويتجول الفريقان اللبناني والاسرائيلي من دون خوف، حتى ان اقتراب احدهما من الاخر، كما حصل في عيتا الشعب، لم يحدث مواجهة عسكرية بل تمت معالجة الموقف بعد اصرار الضابط اللبناني وفق معيار عدم خرق الاستقرار على طول الحدود. كذلك فان اقدام مواطن لبناني على نزع مخزن رصاص من بندقية اسرائيلي يعني ان الاحتكاك كان لصيقا، ومع ذلك تمت معالجة الحادثة من دون اراقة دماء.
اتصالات اميركية لتحريك الترسيم البري
الا ان ما هو ابعد مما يحصل ميدانيا، هو ما يدور في المحافل من معطيات عن ان الحوادث على طول " الخط الازرق" التي تفتعلها اسرائيل، تهدف الى تحريك ملف الترسيم البري بعد انجاز الترسيم البحري. وفي هذا الاطار افادت مصادر متابعة ان الاميركيين عادوا الى طرح ملف الترسيم البري، وقد فاتح منذ مدة مسؤول اميركي القيادة العسكرية اللبنانية في هذا الموضوع، فراجعت القيادة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالأمر للوقوف على موقف لبنان الرسمي والعودة بجواب واضح على محاولة جسّ النبض الأميركية. في هذا الإطار تضاربت المعلومات حول الردّ اللبناني بين من قال إنّ رئيس الحكومة لم يمانع المبدأ، وإنّه على سبيل المحاولة طلب من الجيش إعادة فتح الملفّ، وقد تبلّغ الجانب الأميركي وجود مرونة تجاه الملفّ. لكنّ معلومات أخرى قالت إنّ ميقاتي اعتبر أنّ الظروف الراهنة غير سانحة لإثارة الموضوع للنقاش حالياً في لبنان.
وأكّدت مصادر مطّلعة على أجواء السراي أنّ الموضوع تمّ طرحه، لكن لا شيء جدّيّ ولا نهائي بعد، مذكِّرةً برفض الوسيط الأميركي "آموس هوكشتاين "التطرّق إليه سابقاً خشية تعكير صفو الاتفاق على الترسيم البحري. وعلم أنّ وفد لبنان العسكري في اللجنة الثلاثية المشتركة على الحدود لم يتبلّغ بأيّ جديد يتعلّق بالحدود البرية. وتقول المصادر نفسها ان ثمة علامات استفهام تُطرَح عن مغزى الخطوة الأميركية في ظرف عصيب كالذي يرزح تحته لبنان. وهل المطلوب المزيد من الضغط لإجبار لبنان على تقديم تنازلات معيّنة في الترسيم البرّي لإغلاق موضوع الحدود اللبنانية مع إسرائيل نهائياً، وضمان أمنها على الحدود البرّية والبحرية معاً؟ وهل الهدف من الانتهاكات الإسرائيلية المتكرّرة على الحدود الدفع بهذا الاتجاه وإعطاء ورقة إيجابية لحكومة"بنيامين نتانياهو" التي تواجه حركة احتجاجات غير مسبوقة في الداخل الإسرائيلي؟ أم المطلوب الشروع في الترسيم البرّي تمهيداً للوصول إلى الغاية الأميركية التي تتمثّل في فتح ملفّ ترسيم الحدود البرّيّة مع سورية أيضاً؟.
ويتحدث احد الذين رافقوا المفاوضات لترسيم الحدود البحرية عما رافق تلك الفترة من اخذ ورد قارب من موضوع الترسيم البري لاسيما وان لبنان كان مصرا في البداية على تلازم الترسيمين لكن مع تقدم المفاوضات، ابلغ" هوكشتاين " لبنان ضرورة الفصل بين الترسيمين وقال يومها في حديث صحافي إنّ "ما تحتاج إليه لتنفيذ أحدهما لا ينطبق على الآخر. فلا يجب أن يكونا مجتمعَين. ولقد أصررت على فصلهما كي لا يؤثّر أحدهما على الآخر". وخلال اجتماع "هوكشتاين" مع الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري و تجيب ميقاتي في بعبدا فاتحه ميقاتي بإمكانية إنجاز الترسيم البرّي لتكتمل حلقة الترسيم دفعة واحدة، فكان جوابه أنّه في لبنان لأجل الترسيم البحري، وأمّا الترسيم البرّي فله تفاصيلة الخاصة المنفصلة.ولفت مصدر معنيّ مباشرة بملفّ الترسيم البحري إلى أنّ الوسيط الأميركي كان مدركاً خلال المفاوضات أنّ الترسيم البرّي يمكن أن يشكّل ذريعة لإسرائيل لتعطيل الترسيم البحري. وقال المصدر "توجد في الترسيم البرّي الكثير من النقاط المستعصية التي لا يمكن بتّ أمرها بسهولة في ظلّ حكومة تصريف الأعمال اللبنانية برئاسة ميقاتي وحكومة " نتانياهو" في إسرائيل التي تواجه ظروفاً بالغة التعقيد في الداخل. وأيّ حراك في هذا الاتجاه سيكون ضربة في المجهول". وجزم المصدر أنّه من المؤكّد أنّ أمراً كهذا لن يحظى بموافقة حزب الله.وفي المعلومات ان الجانب اللبناني ابلغ الجانب الاميركي ان لا مجال لاثارة موضوع الترسيم البري في ظل الشغور الرئاسي وحكومة تصريف الاعمال، لاسيما وان صلاحيات رئيس الجمهورية في موضوع ابرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية محسومة ولا جدال فيها، وطالما ان لا رئيس في بعبدا، فان ملف الترسيم البري سيبقى مقفلا!