ما يحصل على صعيد زيادة رواتب العاملين في القطاع العام في لبنان. يشابه " لحس المبرد" فبقدر ما ترفع الحكومة المساعدات التي تعطيها للعاملين في القطاع العام والعسكريين، بقدر ما يرتفع سعر صرف الدولار الى حد قد تصبح فيه الزيادات التي قررتها الحكومة قبل اسبوعين" شيح بريح"، كما يقول المثل الشعبي اللبناني، لان القدرة الشرائية لليرة اللبنانية تتراجع يوما بعد يوم، خصوصا بعد حلول التسعير بالدولار للسلع على انواعها محل التسعير بالليرة اللبنانية، مع غياب المراقبة الرسمية على التجار واصحاب السوبرماركت الذي يصح وصفهم بالجشعين الذين اثروا نتيجة تلاعبهم بالاسعار يوما بعد يوم وعدم تقيدهم بالشروط التي تحددها الوزارات المختصة لبيع السلع. ومع القرار الحكومي بزيادة الرواتب اربعة اضعاف عن الراتب الاساسي، تصبح الزيادة عمليا ستة اضعاف لانه سبق للحكومة ان اقرت زيادة شهرين على اساس الراتب، شرط ان تدخل هذه الزيادات، القديمة والجديدة في احتساب تعويضات نهاية الخدمة او اي تقديمات اخرى. كل ذلك كي تعود العجلة الى الدوران في الادارات الرسمية المتوقعة بسبب اضراب العاملين في القطاع العام الذين شلوا عمل الادارات والتدريس وهم يطالبون باحتساب رواتبهم وتعويضاتهم بالدولار او على سعر صيرفة خاص بهم، وليس السعر الرائج والمعتمد حاليا. صحيح ان الانهيار طاول جميع العاملين في الحقل العام، مدنيين وعسكريين ومعهم جميع التقاعدين، لكن الصحيح ايضا ان القدرات المالية للدولة لم تعد كافية لتلبية كل المطالب المرفوعة، ولا شيء يوحي بامكانية تحسين الوضع المالي للدولة على رغم رفع الرسوم على بعض المواد المستوردة، لكن اي زيادة لن تكون كافية لتلبية مطالب نحو 400 الف موظف ومتقاعد جلهم لا وقت ولا قدرة لديهم للعمل في وظائف او مهن اخرى.
وبالعودة الى قرار مجلس الوزراء يتبين ان الزيادة على الرواتب اربعة اضعاف مشروطة بالحضور 14 يوما شهريا الى العمل، وهو امر لن يتحقق اطلاقا، وتعديل بدل النقل الى 450 الف ليرة لكل يوم حضور فعلي، على رغم ان مالية الدولة في عجز دائم ومداخليها لا تفي بما هو مطلوب، ومنافذ سندات الخزينة التي كانت ترتوي منها الدولة في حالات العجز توقفت بعدما ارهقت الودائع وذوبتها ويقول خبراء اقتصاديون ان مكامن الخلل في الخطوة التي لا بد منها، لا تبدأ من عدم قدرة الدولة على إيفاء إلتزاماتها المالية الشهرية للموظفين والمتقاعدين بسبب شح المداخيل فحسب، بل في خطورة اللجوء الى طباعة المزيد من النقد اللبناني، مما يرفع من نسبة التضخم ويعيق خطوات مصرف لبنان الساعي الى "شفط "ما أمكن من الليرات اللبنانية، بما تقدر عليه إحتياطاته "الدولارية" عبر منصة صيرفة، لتجفيف السوق والسيطرة ما أمكن على سعر الصرف.وإذا كانت المساعدة ستكون لفترة محددة وتشمل زيادة 4 رواتب للموظفين في الخدمة الفعلية، و3 رواتب للمتقاعدين على السعر الحقيقي لصيرفة، فإن إجمالي الكلفة محدود بسقف معين بنسبة من الدخل القومي والكتلة النقدية وغيرها حتى لا تقع الدولة في الفخ الذي حصل في سلسلة الرتب والرواتب، علما أن "الزيادات مرهونة بايرادات الدولة وانتظام الموظفين مع مراقبة من التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية".
واللافت ان الزيادة التي اعطيت لا تقل عن 8 ملايين ليرة شهريا، ولا تزيد عن 50 مليون ليرة، كما تقضي بان يعطى العسكريون والمتقاعدون زيادة 3 رواتب شهرية تحتسب مع متممات الراتب، وهذا يعني ان موظفي القطاع العام سيتقاضون بدءا من شهر ايار ( مايو ) المقبل، سبعة رواتب شهريا بدلا من ثلاثة حاليا فيما سيتقاضى المتقاعدون ستة رواتب شهرية بدلا من ثلاثة حاليا. كذلك تشمل الزيادات الاساتذة المتعاقدين والمياومين والفنيين حيث سيرفع بدل الساعة للمتعاقدين من اساتذة الجامعة اللبنانية واساتذة التعليم الرسمي والتعليم المهني وغيرهم. اما بالنسبة الى بدل النقل اليومي فقد تقرر احتساب 450 الف ليرة يوميا اي ما يفوق 5 ليترات حاليا، ولكنه مرهون بحضور الموظف العمل وممارسة عمله بحد ادنى 14 يوم شهريا. وفي حال عدم الحضور يتم حسم كافة الزيادات التي سيتم اقرارها. وأوكلت مهمة المراقبة والتطبيق الى التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية.وتشمل الزيادات كافة موظفي القطاع العام دون استثناء، بمن فيهم موظفو أوجيرو وكهرباء لبنان والضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة والبلديات والمستشفيات الحكومية والقضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية وأساتذة وموظفو وزارة التربية ومؤسسات المياه وغيرهم. وتشمل المياومين والمتعاقدين والفنيين، وبتوزيع عادل وضمن الإمكانيات الممكنة.وفي حين يطالب الموظفون والمتقاعدون بتحديد الرواتب على سعر منصّة صيرفة 28 ألف ليرة، تؤكد مصادر متابعة أن إضافة 3 و4 رواتب توازي قبض رواتبهم الحالية على سعر صيرفة في حدود الـ 40 ألفا
3700 مليارة ليرة الكلفة الشهرية
وتؤكد المصادر الوزارية "بما ان العسكريين في الخدمة الفعلية يتقاضون ومنذ فترة مبلغ 100 دولار نقدي شهريا من جهات مانحة، وهي مستمرة لذا تقرر منحهم 3 رواتب بينما موظفي الادارات العامة لا يتقاضون اي مبلغ من الجهات المانحة. وفور توقف هذا الدعم ترفع الزيادة لاربع رواتب العسكريين في الخدمة الفعلية. وهذا حق لهم".ولكن مصادر وزارية أكدت أن المهم في هذه الزيادات أنه "لن يرافقها ارتفاع في الضرائب والرسوم بل فقط العمل على تحسين الجباية. وربما قد يرفع الدولار الجمركي في مرحلة لاحقة لتأمين الواردات لاستمرارية الزيادة وتحسين قيمتها مستقبلا. وتأثير الدولار الجمركي محدود، إذ أن أكثر من 60% من السلع معفاة من الضريبة الجمركية، مثل المازوت والمواد الغذائية. فالدولار الجمركي يؤثر على أسعار الكماليات والسيارات والإلكترونيات، ولكن لا تأثير على المواد الغذائيّة والاستهلاكية الأساسية".اما عن مصادر تأمين الايرادات، فأكدت المصادر أنه امر ممكن، وإن كانت ايرادات الدولة ترتفع ببطء، متوقعة ان تزداد هذه الايرادات مع عودة موظفي الادارات والموسسات العامة الى العمل لا سيما النافعة، والشوون العقارية وغيرها، اضافة الى أن رفع الدولار الجمركي لـ 60 الف ليرة سيكون له تأثير ايجابي على الواردات، معتبرا ان "نجاح الحكومة في اعطاء الزيادة دون خلق تضخم اضافي، يحتاج الى عودة الموظفين للعمل وتحسين وتفعيل الجباية".ووفق المصادر فإن الكلفة الاجمالية للزيادات تبلغ نحو 3700 مليار ليرة ، اي بارتفاع نحو 133%عن الكلفة الحالية. إذ ان الكلفة الحالية نحو 2900 مليار ليرة شهريا وستصبح نحو 660 مليار ليرة شهريا بعد اقرار الزيادات وبدلات النقل، اي ما يوازي 76 مليون دولار على سعر صيرفة الحالي.
تجدر الاشارة الى ان مجلس الوزراء تجنب اقرار اقتراح تقدم به وزير المال يوسف الخليل لاصدار اوراق نقدية جديدة من فئة الــــ 500 الف ليرة ومليون ليرة، نظرا لانعكاسات مثل هذه الخطوة على الواقع المالي في البلاد، تماما مثل الانعكاسات السلبية لاقرار اي تعديل في سلسلة الرتب والرواتب لان التجربة السابقة في هذا الصعيد كانت كارثة على مالية الدولة خصوصا في غياب اي خطوات اصلاحية. لكن الخوف يبقى من التضخم الذي سوف تحدثه اعطاء 6 رواتب للموظفين ورفع بدل النقل اليومي خصوصا ان امكانية ضبط الوضع الاداري الذي سينشأ بعد هذه الزيادات ليست كبيرة في ظل ادارة مهترئة كما هي حال الادارة اللبنانية الحالية!.