بين قصر بعبدا والسراي الحكومي طلائع مواجهة.... لكن هذه المرة ليست المواجهة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي لم يعد موجودا في رحاب القصر وبين الرئيس نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الاعمال الذي سقط تكليفه بانتهاء ولاية الرئيس الذي كلفه، بل بين المدير العام للرئاسة انطوان شقير والامين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، وهي مواجهة كان يمكن ان تكون صامتة بحيث يمكن للرئيس ميقاتي ان يعالجها باسلوبه المميز في الاستيعاب وتدوير الزوايا، لو لم تظهر المواجهة عبر وسائل الاعلام على نحو طرحت فيه اكثر من علامة استفهام حول مصير التعاون الذي يفترض ان يقوم بين موظفين كبيرين يفترض ان يتكاملا في عملهما لا ان يتباعدا. وكي لا يتحول الصراع الذي لم يعد خافيا على احد، الى مادة استهلاكية جديدة لوسائل الاعلام و " المصطادين في الماء العكر"، يتوقع ان يبادر الرئيس ميقاتي الى وضع النقاط على الحروف انطلاقا من كونه اصبح الرئيس الاداري المباشر للمدير العام لرئاسة الجمهورية، فضلا عن مسؤوليته المباشرة على الامين العام لمجلس الوزراء.
واذا كان وجود رئيس الجمهورية خلال الاعوام الماضية شكل ضابط ايقاع لاداء كل من شقير ومكيه وفقا للاصول، الا ان غياب الرئيس حرك الخلافات التي ظلت طي الكتمان. بدأت القصة عندما اعلن شقير امام الصحافيين بعد اقفال الجناح الرئاسي وانزال العلم مع بدء ولاية الفراغ الرئاسي، انه استنادا الى المرسوم الاشتراعي الرقم 111/1959 فان المديرية العامة لرئاسة الجمهورية تعد على رأس الاجهزة المركزية للدولة كونها مرتبطة بالرئيس مباشرة، وعليه ستبقى كمؤسسة قائمة تعمل ولديها دورها، مضيفا انه في حالة الشغور الرئاسي، فان صلاحيات رئيس الجمهورية تناط بمجلس الوزراء استنادا الى الدستور، وبما ان المديرية تشكل الجهاز التنفيذي لرئيس الجمهورية، فستصبح بدورها الجهاز التنفيذي لمجلس الوزراء. وعن مشاركة المدير العام لرئاسة الجمهورية في جلسات مجلس الوزراء في حال انعقاده، اوضح شقير ان حضوره هذه الجلسات هو لاستمرارية العمل الاداري في المديرية العامة ومن اجل الا يكون لديها اي نقص، وان تكون على معرفة بما يتم التوصل اليه في الملفات الادارية، لافتا الى انه متى انتخب رئيس للجمهورية فسيتابع ما تم اقراره، وعليه تكون المديرية العامة لرئاسة الجمهورية الجهاز الذي يتابع.
ويبدو ان هذا الكلام لم ينزل بردا وسلاما على الامين العام لمجلس الوزراء القاضي مكية الذي سارع الى الرد غير المباشر عبر احد المواقع الالكترونية بلسان استاذ السياسات والتحديث الاداري في الجامعة اللبنانية الدكتور برهان الخطيب الذي اعتبر ان ملاك الجهاز البشري للمديرية العامة لرئاسة الجمهورية محدود، وهو جهاز يعاون الرئاسة في تأدية مهامها. اما المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء فتبرز في كونها تتخطى بالمهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقها نطاق مهام مديرية عامة عادية وصلاحياتها، وهي المحور الأساس الذي تتقاطع وتلتقي فيه وظائف التنسيق والاتصال بين الادارات والمؤسسات العامة. وانطلاقاً من ذلك، فإن شقير أعطى لنفسه وللمديرية العامة لرئاسة الجمهورية صلاحيات ليست منوطة بها خصوصاً لناحية منحها دور الجهاز التنفيذي لمجلس الوزراء، وهو أمر مخالف للقوانين لاسيما المرسوم الاشتراعي رقم 111 الصادر عام 1959 والذي ينص على أن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية هي جهاز يُعاون الرئيس في تأدية مهامه حصراً وليس جهازاً وفق الهيكلية التنظيمية للأمانة العامة لرئاسة الجمهورية يقوم بتحضير وإعداد جدول أعمال مجلس الوزراء الذي ليست له أي علاقة به. فالمسؤول عن أعمال مجلس الوزراء هو المديرية العامة لرئاسة المجلس كما نصت المادة 1 من المرسوم الاشتراعي رقم 111، ولا يمكن إسنادها الى المديرية العامة لرئاسة الجمهورية. وبحسب الخطيب، فإن حضور المدير العام للرئاسة جلسات مجلس الوزراء وإن كان بوجود رئيس الجمهورية، ليس من ضمن القوانين والأنظمة لأنه لا توجد أي صلاحية للمدير العام لرئاسة الجمهورية في هذا الاطار بل دوره محصور فقط بمعاونة الرئيس في تأدية مهامه. لذا، فإن الحضور يكون بناء على طلب من رئيس الجمهورية وهو ليس ضرورياً على عكس المدير العام لمجلس الوزراء الذي لديه دور قانوني وأساس في متابعة جلسات مجلس الوزراء لجهة كتابة المحاضر وتحضير القرارات الناتجة عنها. فهيكلية الأمانة العامة لمجلس الوزراء تتضمن فرعاً للشؤون الوزارية وهو على مستوى فئة أولى ويضم ثلاثة مصالح على مستوى الفئة الثانية تشمل: مصلحة متابعة تنفيذ القرارات، مصلحة أعمال مجلس الوزراء، والشؤون المشتركة مع مجلس النواب، وذلك وفقاً للمرسوم رقم 10618 تاريخ21/8/1975، والمرسوم رقم 13292 تاريخ 27/10/1998، والمتعلق بتعديل ملاك المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء. في المقابل، لم يُظهر القرار رقم 46 تاريخ 28/11/1998 المتعلق بتنظيم المديرية العامة لرئاسة الجمهورية أي وحدة تتولى مهاماً مرتبطة بأعمال مجلس الوزراء. وفي رأي الخطيب ان لدى شقير نية بمحاولته نسب صلاحيات الى إدارته لا سند قانونياً لها، آخذاً من انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء حجة لاعتبار المديرية جهازاً تنفيذياً لمجلس الوزراء، مؤكداً أن هذه المقاربة ليست صحيحة، لأن هذا الدور حصري للمديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء، مع الأخذ في الاعتبار أن المدير العام لرئاسة الجمهورية يتبع إدارياً بجميع أعماله الى رئيس مجلس الوزراء بسبب عدم وجود أي سلطة تنفيذية وإدارية لرئيس الجمهورية. لذلك يُلاحظ أن رئيس الحكومة يُفوض بعض صلاحياته المرتبطة بالمديرية العامة لرئاسة الجمهورية الى مديرها العام. ورأى الخطيب أن "كلام الدكتور شقير سيُسهم في خلق نوع من الازدواج في الصلاحيات مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء".
تزامن مع " مبادرة" حكومية لشقير ولدت ميتة!
هذا الرد غير المباشر على شقير لقي صمتا في دوائر المديرية العامة لرئاسة الجمهورية التي وان كانت لم تتفاعل معه اعلاميا، اي انها تفاعلت معه اداريا وقانونيا عن طريق اعداد دراسة قانونية تواجه بها هذا الموقف المستجد، في وقت كانت فيه الانظار متجهة الى ما سيكون عليه موقف الرئيس ميقاتي الذي يبدي حرصا غير مسبوق على عدم حصول اي اشكالية يمكن ان يستغلها الفريق المعارض له لاسيما " التيار الوطني الحر" ورئيسه جبران باسيل، لاتهامه بتغييب رئاسة الجمهورية، من الموقع الاول في الدولة ولو من الزاوية الادارية غير السياسية خصوصا انه خلال فترة الشغور الرئاسي الذي حصل بعد نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان شارك المدير العام للرئاسة، وهو نفسه حاليا ايضا، في جلسات مجلس الوزراء التي كانت تنعقد في السراي الكبير، وفي الاجتماعات الوزارية التي كانت تعقد لتسيير شؤون الدولة، ما اوجد سابقة، لان هذا الامر لم يعتمد خلال الشغور الذي حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود يوم كان الرئيس فؤاد السنيورة يرأس الحكومة التي انتقلت اليها صلاحيات رئيس الجمهورية استنادا الى الدستور، لان حكومة السنيورة كان يعتبرها الرئيس لحود وفريق " 8 آذار" حكومة " بتراء" وغير ميثاقية لخروج الوزراء الشيعة منها بالتزامن مع الحصار الذي اقامته قوى " 8 آذار" على السراي من جهة ساحة رياض الصلح والشوارع المتفرعة عنها.
وتوقفت مصادر متابعة عند تزامن المواجهة غير المعلنة رسميا بين شقير ومكية، مع اسئلة عدة طرحت حول ما اعلنه شقير ايضا في اليوم نفسه لاقفال الجناح الرئاسي في قصر بعبدا، عن " المبادرة الشخصية" التي قام بها في اليوم الاخير لولاية الرئيس عون، مع الرئيس ميقاتي قبيل سفره الى الجزائر على رأس وفد لبنان الى القمة العربية والتي حاول من خلالها الحصول على موافقة الرئيس ميقاتي على اصدار مرسوم بتشكيل حكومة جديدة هي نفسها الحكومة القائمة حاليا من دون اي تغيير، لكن الرئيس ميقاتي رفض الموافقة على ما نقله اليه شقير من اقتراح بعدما ابلغه بان هذا التشكيل لن يقترن بمنح نواب " التيار الوطني الحر" الثقة للحكومة الجديدة- القديمة. ومن الاسئلة التي طرحتها اوساط سياسية متابعة كيف يمكن لمدير عام رئاسة الجمهورية القيام بمهمّة سياسية الطابع تتعلق بتشكيل الحكومة؟ وفي حال اعتبار الامر بمثابة وساطة، كيف يمكنه القيام بها من تلقاء نفسه ومن دون تنسيق مع رئيس الجمهورية الذي يتبع له ولم يكلّفه، ومن دون التنسيق مع ايضاً مع الجهات السّياسية المعنيّة وفي مقدمها التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل الذي بدا واضحاً في الجلسة النّيابية امس عدم وجود أيّ كيمياء بينه وبين ميقاتي؟ مع العلم ان ولاية عون كانت لا تزال مستمرّة حين التقى شقير بميقاتي، اي انه كان رئيساً فعلياً للجمهوريّة. فضلا عن ان الرئيس عون وجه رسالته الى مجلس النواب يوم الاحد الفائت، وضّمنها ما تضمنته من كلام وتجاوزات اقترفها رئيس الحكومة المكلّف، فكيف يتوجّه شقير بعدها وبأقل من 24 ساعة للقيام بهذه المبادرة، ومن يضمن له انها ستحظى بموافقة وتوقيع رئيس الجمهوريّة اولاً، والقوى السياسية المعنية ثانياً؟!. كذلك لماذا تدخل شقير دون غيره من الوسطاء العاملين على الخط الحكومي، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم؟ وهل كان يعلم سلفاً نتيجة مبادرته؟ ولماذا قام بها في هذه الحالة؟. و لماذا لم يطرح شقير مبادرته هذه في الوقت الكافي الذي كان سائداً، حين كان لا يزال هناك رئيساً للجمهورية، وفي وقت كانت سخونة المفاوضات كفيلة بتأمين النجاح اللازم لهذه المبادرة، او على الاقل تعزيز فرص نجاحها بشكل اكبر بكثير من طرحها في الوقت القاتل ومن دون تأمين دعم سياسي لها، ومن دون غطاء رسمي لمن يطرحها؟!. في أي حال هذه المبادرة ولدت ميتة اذا كانت ظروفها وفق ما قاله شقير عنها، ولم يكن من الممكن السير بها او حصولها على الاوكسجين اللازم لتحيا، في ظلّ غياب موافقة رئيس الجمهورية (في حينه) والقوى السّياسية التي يقع على عاتقها تسهيل التشكيل المحصور اصلاً بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، ولكن لهذه القوى دورها الاساسي في التأليف، وقد ثبت بما لايقبل الشك انه من دون موافقتها، لا تبصر الحكومة النور.