عكس من يتوقع ان يعلن حزب الله اسم مرشحه لرئاسة الجمهورية بشكل رسمي وعلني... ان ينتظر الى اشعار آخر! بهذه العبارة اجاب مسؤول رفيع في الحزب الاسبوع الماضي، شخصية سياسية- اعلامية زارته في اطار جولاتها على بعض المراجع السياسية لاستطلاع " حقيقة" موقفها من الاستحقاق الرئاسي، لكنها لم تحصل على جواب واضح ونهائي وان كانت كل الدلائل تشير الى ان حزب الله يدعم ترشيح رئيس تيار " المردة" سليمان فرنجية و" يتمنى" ان يقتنع رئيس " التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل بذلك الدعم و" يثني" عليه كي يصار الى الاعلان رسميا عن " هوية" مرشح حزب الله لرئاسة الجمهورية. اما لماذا يتريث الحزب في اعلان اسم مرشحه ويتعمد الاقتراع بورقة بيضاء مع حليفه الاساسي الرئيس نبيه بري ونوابه، وحليفه الاخر النائب باسيل ونوابه وبعض النواب " القريبين" من الحزب او من الاصدقاء والموزعين في عدد من الدوائر الانتخابية شمالا وبقاعا وجبلا؟ تقول مصادر متابعة ان لا جواب واضحا لدى مسؤولين في حزب الله، بل على السائل ان " يستنتج" الاسباب التي تبقى عرضة للاخذ والرد والتبدل والتعديل حتى الربع الساعـــــة الاخيرة، وفي الانتظار يكتفي الحزب بتحديد " مواصفات" الرئيس التي يقدمها على انها من الشروط الاستباقية لاي مرشح محتمل....
تعددت الاستنتاجات ... والنتيجة واحدة
من اولى " الاستنتاجات" التي يخرج بها السائلون عن اسباب امتناع الحزب حتى الان عن اعلان اسم مرشحه، عدم الرغبة في تسمية هذا الشخص او ذاك بانه " مرشح تحد" او " مرشح مواجهة" في مقابل المرشح المعلن حتى الان على الاقل النائب ميشال معوض، ذلك انه عندما يتبنى الحزب مرشحا ما، فان كل خصومه السياسيين سيصبون جام غضبهم على هذا المرشح ويطلقون النار السياسي عليه على انه مرشح " خط الممانعة"، و" مرشح ايران" وغير ذلك من الصفات التي يمكن ان تحول دون ان يكون هذا المرشح في لحظة من اللحظات مرشحا توافقيا. ثاني هذه الاستنتاجات ان الحزب يدرك ان الفريق الاخر لم يحسم امره بعد في تحديد مرشحه. صحيح ان غالبية هذا الفريق لا تزال تسمي حتى الان النائب معوض، لكن الصحيح ايضا وجود كتل لمستقلين و" تغييريين" لم يضع نوابها اسم معوض في الصندوق، بل اسماء آخرين او صفات. لذلك فان حزب الله لا يبدو مستعجلا في انتظار " جلاء الصورة" عند اعضاء الفريق الاخر حتى " ينزل" هو الى الساحة علانية مع اسم مرشحه. الاستنتاج الثالث، وهو الاكثر وضوحا في احاديث المسؤولين في الحزب، انه لن يكون في وارد اعلان مرشحه كي لا يظهر بمظهر المتبني لمرشح مسيحي ماروني قبل ان يعلن " اهل البيت" موافقتهم عليه بحيث تتأمن الارضية المناسبة لذلك انتخابيا، خصوصا ان النائب باسيل لم يتوقف عن اعلان رفضه المطلق لترشيح فرنجية، اي انه عمليا يرفض انتخاب حليف الحليف، فكيف للحزب اذ ذاك ان يستبق الاعلان عن مرشحه قبل اتفاق " اهل البيت" على المرشح. وفي هذا الاطار ثمة من يتحدث ان داخل قيادة حارة حريك عن وجود وجهتي نظر حيال موضوع عقدة فرنجية- باسيل، الأولى وتقول بتجاوز باسيل والتفاوض مع الآخرين لتأمين عبور المرشح إلى بعبدا أي أن يكون انتخاب فرنجية على حساب العلاقة مع باسيل، والثانية تنصح بالتمسك بفرنجية وباسيل ورفض انتخاب الأول من خارج إرادة الأخير. يريد "الحزب" أن يربح باسيل وفرنجية ولا يريد ربح فرنجية على حساب العلاقة مع باسيل، وهذه هي المعادلة التي يقتنع بها رئيس "تيار المردة" بالنظر الى حيثية رئيس "التيار الوطنيّ الحرّ" النيابية وموقعه مسيحياً وترؤسه تكتلاً نيابياً يحتاجه فرنجية في الحكم، لا أن يتحول الى كتلة مسيحية معارضة في مواجهته. ولا يخفي الحزب انه منزعج من هجوم باسيل على رئيس مجلس النواب نبيه بري وعلى فرنجية، وشظايا نيرانه لا توفر "الحزب" وتؤذي "التيار" الذي كان يسعى إلى تصحيح علاقته مع الآخرين انطلاقاً من عين التينة ولكنه لا يملك حيال ذلك إلّا السعي إلى التهدئة. يجد له مصلحة في إقناع باسيل بفرنجية ولا يريد الاساءة للعلاقة معه رغم نظرتهما المختلفة للملف الرئاسي. فإذا كان «حزب الله» يرغب في فرنجية لقربه من بري وعلاقته مع سوريا ولأنّه مرشح لا يستفز السعودية ويعزز الهدنة معها ومع السنة ويحمي له سلاحه وينهي التوتر بالملف المالي والإقتصادي، فإن "التيار"يمضي في رفضه، والعلاقة حالياً بين الحليفين مقطوعة حول الملف الرئاسي. ولذا يمكن إعتبار أن الكباش غير المعلن حول الرئاسة هو بين حزب الله وباسيل، أي بين الحليفين وقد كان مطلب باسيل منه واضحاً: اسحبوا ترشيح فرنجية وأنا لست مرشحاً فلنتحاور على خيار ثالث. ويشكل رفض باسيل عقبة رئيسية تؤخّر تبني ترشيح فرنجية علناً. والاستنتاج الرابع الذي يلاحظه السائلون أن المشهد الإقليمي المتعلق بالموقف السعودي لم يتوضح بعد. حالياً لا تواصل سعودياً مع حزب الله ولم يفتح باب المقايضة بين الرئاستين الأولى والثالثة. الإتكال هنا على الفرنسيين في تدوير الزوايا. وثمة قائل ان القصد من عدم المجاهرة بالتسمية مرهون بجلاء الصورة تماما، فربما يلمس فرنجية ان حظوظ انتخابه باتت ضعيفة فيتراجع. لكن هناك من يقول ان حزب الله وكما تعامل مع ترشيح عون برفض " الخطة ب" ولو افتراضيا، فهو يرفض " الخطة ب" وهو حين يتبنى ترشيح فرنجية فسيمضي به حتى النهاية. من هنا فان كل ما يقال عن وجود " اسم آخر" لدى الحزب" ينام عليه الى الوقت المناسب، لا يعتبر كلاما جديا لان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليس من " هواة" التلاعب مع الحلفاء فكيف اذا كان احد هؤلاء هو سليمان فرنجية الذي " سلف" الحزب مواقف اساسية منذ العام 1990 حين سلك خيار المقاومة عندما لمس ان عمه المرحوم روبير فرنجية بدأ يميل نحو " النزعات التحررية" التي كان يقودها " الجنرال" ميشال عون يوم كان رئيسا لحكومة العسكريين واعلن " حرب التحرير" ضد الوجود السوري في لبنان. ومنذ ذلك الحين لم يبدل فرنجية موقفه حيال الحزب وقدم الكثير من " التضحيات خصوصا في الانتخابات الرئاسية العام 2006 حين حظي بموافقة الرئيس سعد الحريري وفرنسا والسعودية. اضافة الى موافقة داخلية واسعة، لكنه امتنع عن النزول مع نوابه الى ساحة النجمة وقاطع الجلسات وبينها جلسة كان يمكن ان يخرج منها- لو حضر- رئيس للجمهورية.
الحزب يواصل مساعيه" الحميدة"
في أي حال، يستمر حزب الله في التريث عن اعلان مرشحه لكنه ليس في وارد التفريط بعلاقته مع حليفيه المسيحيين الثنائي باسيل – فرنجية، لذلك سوف يستمر الحزب في بذل اقصى طاقته للتوفيق رئاسيا بين " الحليفين" وجمعهما تحت سقف واحد هو سقف " المصلحة المشتركة للخط الاستراتيجي الواحد" على رغم الهجمات غير المرتدة التي يشنها باسيل من حين الى آخر ضد فرنجية والتي لم يقابلها زعيم " المردة" بالمثل، بل آثر تجاوزها وعدم الدخول في سجال مع باسيل، وهو ما كان موضع تقدير كبير لدى " السيد" وقيادة المقاومة التي تعتزم العمل على تقريب وجهات النظر، واذا ما فشلت واستنفدت كل جهدها و " مونتها" على الرجلين، لن تخوض معركة رئيس لا يرضى به الطرفان أي ان لا مرشح يدعمه الحزب ( وبالتالي الرئيس بري) لا يكون وليد توافق بين باسيل وفرنجية اذا تعذر ان يكون الاخير رئيسا لالف سبب وسبب. والمعلوم ان حزب الله يعتمد سياسة " النفس الطويل" ما يعني ان البحث عن بديل عن فرنجية لن يكون قريبا لان الاحتمالات كثيرة والابواب مفتوحة. ويقول احد القياديين البارزين في حزب الله ان زيارة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا الى قائد الجيش العماد جوزف عون قبل ايام لا تندرج في اطار الاستحقاق الرئاسي. ويوضح هذا القيادي انّ صفا لم يبحث بتاتاً مع العماد عون في موقف الحزب من احتمال ان يكون اسمه مطروحاً لتولّي الرئاسة. وانّ الغاية الأساسية من اللقاء تمثلت في إزالة أي التباسات ربما تكون قد ترتبت على تفسيرات معينة أُعطيت للخطاب الاخير للسيد نصرالله في ذكرى "يوم الشهيد"، لاسيما في الشق المتعلق بالجيش، والذي اعتبره البعض موجّهاً ضد العماد عون، وتحديداً عندما شدّد السيد نصرالله على أنّ المطلوب هو رئيس "ليس إذا صرخوا عليه في السفارة الأميركية أو الخارجية الأميركية أو القيادة الأميركية الوسطى فضلاً عن الذين أعلى منهم، يبدأ بالرجف والخوف". واكّد صفا لعون، أنّ هذا الجزء من الخطاب لم يكن يستهدفه او يقصده شخصياً، مشيراً الى انّ قيادة الحزب حريصة على استمرار العلاقة الجيدة مع المؤسسة العسكرية وهي تثق فيها، كما شرح الأمين العام في الخطاب بقوله: "انّ الأميركيين يدعمون الجيش اللبناني لأنّهم يعتبرونه مؤهلاً لمواجهة المقاومة والقضاء عليها، وطبعاً الجيش قيادةً وضباطاً ورتباء وجنوداً يرفضون هذه الفكرة وهذا الموقف بالمطلق حالياً وسابقاً، نحن ليس لدينا أي شكوك أو اوهام في هذا الموضوع". ويلفت العارفون، الى أنّ "حرص الحزب على العلاقة الوطيدة مع الجيش شيء وحسابات انتخابات رئاسة الجمهورية شيء آخر، ولذلك لم يحصل خلال لقاء صفا - عون اي تداول في الملف الرئاسي، وبعد الاجتماع كما قبله، لا يزال سليمان فرنجية المرشح الوحيد الذي يدعمه الحزب، وليس هناك اسم آخر لديه حاليا". من دون ان يعلن ذلك رسميا للاسباب الواردة اعلاه.