لم يعقد مجلس النواب جلسته هذا الاسبوع لانتخاب رئيس للجمهورية كما درجت العادة منذ انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون، لان الرئيس نبيه بري لم يوجه الدعوة فوفّر على اللبنانيين تعداد جلسة اضافية كانت ستفشل حتما في انتخاب رئيس للجمهورية، كما وفّر " ابو مصطفى" على بعض الكتل التفكير بتوزيع اصواتها كي تصوت بورقة بيضاء او بعبارات تصنف بــ " ورقة ملغاة"، كما وفر على البعض الاخر من الكتل بشكل جديد من الاستعراض... كل هذا " الوفر" مرده الى ان البحث الجدي عن رئيس هو غير متوافر حاليا، ذلك ان الاطراف المتخاصمة لازالوا على مواقفهم، ولا حوار يجمعهم بعدما اجهضت الدعوات التي وجهها الرئيس بري الى لقاء حواري، الا ان الاستحقاق الانتخابي الرئاسي لم يغب عن الاضواء، بل كان حاضرا من خلال حدثين محورها حزب الله، المتهم بتعطيل الجلسات الانتخابية حتى الاتفاق على المرشح الذي يدعمه ولو بصورة غير معلنة، وهو رئيس تيار " المردة" سليمان فرنجية. الحدث الاول للقاء الذي جمع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مع وفد من حزب الله، والثاني الزيارة التي قام بها وفد من الحزب الى رئيس " التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل بعد انقطاع نتج عن تباين حاد في وجهات النظر بين الطرفين حيال المشاركة في جلسات مجلس الوزراء مرتين، اضافة الى شكوى " التيار" من عدم تجاوب الحزب مع توجهات " التيار" الاصلاحية لاسيما لجهة مكافحة الفساد.
اللقاء مع جنبلاط: توافق للخروج من الحلقة المفرغة
في اللقاء مع جنبلاط، الذي ضم المعاون السياسي للامين العام لحزب الله حسين خليل، ومسؤول " وحدة الارتباط والتنسيق" في الحزب وفيق صفا والذي شارك فيه لاول مرة النائب تيمور جنبلاط، بدأ الحديث عن الاوضاع الاقتصادية وضرورة تأمين الحد الادنى من الامن الغذائي للبنانيين خصوصا في ظل الارتفاع المستمر في سعر صرف الدولار والذي تجاوز الخمسين الف ليرة ما ادى الى تدني القدرة الشرائية للعملة الوطنية. بعد ذلك انتقل الحديث الى الاستحقاق الرئاسي وضرورة اخراج الانتخاب من الدوران في حلقة مفرغة بالتوافق على مرشح لا يشكل تحديا للحزب لا بل يطمئنه. وقالت مصادر متابعة ان جنبلاط حرص على ان ينطلق من دعوته للتفاهم على رئيس لا يصنف على خانة التحدي لاي فريق من أن مؤيدي ترشيح النائب ميشال معوض لرئاسة الجمهورية لا يستطيعون تأمين الأكثرية النيابية لضمان فوزه، وأن الأمر نفسه ينسحب على مؤيدي زعيم تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية. ونقلت المصادر عن جنبلاط قوله إن هناك ضرورة أمام هذا الواقع للتلاقي في منتصف الطريق لبلورة موقف موحد يدفع باتجاه وضع حد للمراوحة بانتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً أن الجلسات النيابية المخصصة لانتخابه تحولت إلى مهزلة، وهذا ما يضطرنا لإعادة النظر في مشاركة نواب اللقاء الديمقراطي في الجلسات.وطرح جنبلاط أسماء ثلاثة مرشحين من باب استمزاج رأي الحزب فيهم لا الحصر، وهم: قائد الجيش العماد جوزف عون، والنائب السابق صلاح حنين، والوزير السابق جهاد أزعور. وكان لافتاً أنه لم يعلق عليها لا سلباً ولا إيجاباً، باستثناء قول خليل بأن انتخاب عون في حاجة إلى تعديل للدستور، وهذا يتطلب موافقة أكثرية الثلثين على تعديله.ورأى خليل، كما تقول المصادر، بأن الحزب يدعم ترشيح فرنجية وإن كان لم يطرح موقفه في العلن بصورة رسمية، وقال بأن فرنجية يؤمن بالشراكة ويبدي انفتاحاً على الجميع ويأخذ ويعطي معهم ولديه علاقات خارجية وهو محل تقدير واحترام، ما يعني أن خليل تمهل في إبداء رأيه باقتراح جنبلاط ريثما يضع نصر الله في أجواء اللقاء.واعتبرت المصادر نفسها بأن الحزب يدعم ترشيح فرنجية لاعتقاده بأن الفرصة متاحة لإيصاله إلى سدة رئاسة الجمهورية، وبالتالي ليس في وارد حرق أوراقه بهذه السهولة، وكشفت بأن خليل تطرق إلى علاقة الحزب بزعيم التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل من زاوية أنه اتفق مع نصر الله على مواصلة المشاورات بعد أن افترقا على خلاف حول دعم ترشيح فرنجية، لكن باسيل، كما ينقل عن خليل، بادر إلى خرق الاتفاق بشن حملات إعلامية سرعان ما انضم إليه عدد من النواب المحسوبين عليه بعد أن سبقهم في هذا السياق الرئيس عون، لكن الحزب، وبحسب المصادر، آثر عدم الدخول في سجالات إعلامية وسياسية مع حليفه وكأنه كما ينقل عن خليل، يتبع سياسة الصبر في تعاطيه مع حليفه على امل ان يعيد النظر في مواقفه ويراجع حساباته. وتضيف المعلومات ايضا ان اجتماع جنبلاط ووفد الحزب خرج بتوافق بان من شروط دعم ترشيح اي مرشح للرئاسة لضمان فوزه ان يحظى بتأييد واحدة من الكتلتين المسيحيتين، القوات اللبنانية او التيار الوطني الحر وان كان من المستحسن حصوله على تأييدهما معا. كذلك كان توافق على رفض اي دعوات للتقسيم والفيديرالية التي اخذت تطل برأسها متذرعة باستمرار الشغور في رئاسة الجمهورية. وفي رأي مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي ان جنبلاط ادرك انه لن يحصل على جواب نهائي من وفد" الحزب" وان كانت اشارة الوفد الى تأييد فرنجية لها اكثر من معنى، لكنه استطاع فتح كوّة في هذا الجدار المسدود، على أن يستمر التواصل والتنسيق مع جميع القوى السياسية، لذا، فإن هذه المحاولات قد تكون مدخلاً من أجل خلق آلية يمكن البناء عليها، في ظل غياب الاهتمام الدولي المطلوب، ربطاً بالتطورات الإقليمية والدولية، وخصوصاً الحرب الروسية ـ الأوكرانية وتداعياتها على العالم بأسره. ولكن، خلافاً لما يظن البعض، فإن اللقاء الديموقراطي سيبقى يقترع للنائب معوض إلى حين التوصّل معه ومع الكتل النيابية الحليفة والصديقة على مرشح توافقي باعتبار أنه لا يمكن بعد اليوم السير بهذه المهازل التي شهدتها كل جلسات انتخاب الرئيس، وذلك ما دفع عضو اللقاء الديموقراطي النائب هادي أبو الحسن للقول "إذا بقيت الأمور على ما هي عليه، فسنعلّق مشاركتنا في جلسات انتخاب الرئيس".ويبقى أخيراً، أن لقاء كليمنصو الأخير مع حزب الله ، وإن كان تخطى تنظيم الخلاف ما درج عليه الطرفان منذ أحداث السابع من أيار(مايو) في عام 2008، فإنه لن يؤدي إلى تحالف سياسي في هذه المرحلة، نظراً لأجندة الطرفين المختلفتين، ولا سيما أن بيئة جنبلاط درزياً واشتراكياً لا يمكنها الخروج من العمق العربي والعلاقة مع المملكة العربية السعودية، التي تبقى ضابط الإيقاع في علاقة الاشتراكي مع القوى السيادية، وفي طليعتهم حزب القوات اللبنانية.
وتجدر الاشارة الى انه كان لافتا ان حزب الله لا يصرح عادة بمواقفه ويفضل اعتماد سياسة الكتمان، الا انه هذه المرة خرج عن صمته عبر شاشة " المنار" التي قالت في تقريرها عن اجتماع جنبلاط "والحزب" ان "جنبلاط" طرح اسماء قائد الجيش والوزير السابق جهاد ازعور وصلاح حنين، وان وفد حزب الله لم يعلق لا بالسلب ولا بالايجاب، وهو في المقابل طرح اسما واحدا فقط سليمان فرنجية وعلى هذا الطرح لم يعلق جنبلاط ايضا لا سلبا ولا ايجابا. واضاف تقرير " المنار": عدم تعليق الحزبين على طروحات كل منهما الرئاسية امر متوقع، يدرك كلاهما ان الاتفاق على اسم واحد ليس بالامر السهل، لكنهما ابقيا باب التواصل والحوار الرئاسي بينهما مفتوحا، وبمجرد بحثهما للاسماء نراهم يتابعون الملف الرئاسي كأمرا جديا، فالحوارات الثنائية قد تحدث فرقا، قد تقرب المسافات بين المتباعدين، قد توصل لاحقا الى حوار شامل، وهي بالتأكيد افضل من انتظار خارج لا يزال لبنان خارج دائرة اهتمامه".
... وكسر القطيعة مع باسيل من دون الاتفاق
اما بالنسبة الى لقاء باسيل مع وفد حزب الله والذي اتى بعد قطيعة امتدت بضعة اشهر على خلفية مشاركة الحزب في اجتماعات مجلس الوزراء ومسائل اخرى، فان ابرز ما تحقق هو كسر القطيعة . كذلك شهد اللقاء نقاشا في ملف الحكومة وملف رئاسة الجمهورية، وحرص الجانبان على بث اجواء ايجابية من دون ان يعني الوصول الى اتفاق في المواضيع التي طرحت، علما ان الاتفاق تم على عقد لقاء جديد خلال الاسابيع المقبلة لتبادل الاجوبة حول التساؤلات التي طرحت خلال الاجتماع الذي امتد الى ساعتين ونصف الساعة. ولوحظ انه لم تصدر اي معلومات عن " التيار" حول الاجتماع مع وفد حزب الله، فيما سجلت " تسريبات" لم يؤكدها التيار كما لم ينفها. وفي المعلومات ان باسيل الذي شرح باسهاب اسباب رفض اجتماع الحكومة وهواجس " التيار" لم يحصل على وعد من وفد الحزب بامتناع وزيريه عن المشاركة في اي جلسة يدعو اليها الرئيس نجيب ميقاتي شرط ان تكون المواضيع المدرجة على جدول اعمالها مطابقة لتوصيف الضرورة والحاجة الملحة. اما بالنسبة الى الاستحقاق الرئاسي فشدد باسيل على ضرورة ان يحظى الرئيس العتيد بغطاء تمثيلي مسيحي لان هذا الامر من الثوابت لدى " التيار" وهو غير مستعد للتنازل عنه وتضيف المعلومات انه تم التوسع في شرح وجهات النظر من الجوانب كافة من دون ان ينجح اي طرف في اقناع الاخر بوجهة نظره كاملة. اما الحصيلة العملية فكانت التأكيد على ضرورة وقف التراشق الاعلامي بين الطرفين، لاسيما وان لقاءات اخرى ستعقد وستكون مكثفة، بعد زيارة يقوم بها الوفد الى الرئيس عون في دارته في الرابية لتهنئته بالاعياد. وتحدثت مصادر قريبة من النائب باسيل ان الاجتماع الذي عقد بناء على طلب الحزب، تطرق الى ثلاثة عناوين: الأول استهلك وقتاً طويلاً من الجلسة وتخلله عتاب متبادل حول كيفية إدارة العلاقة في الفترة الماضية، فركز باسيل على أن التيار يأخذ على الحزب عدم احترام مبدأ الشراكة من خلال مشاركته في جلسات الحكومة في غياب مكوّن التيار. وردّ الخليل شارحاً حيثية الموقف الذي دفع الحزب إلى المشاركة في الجلستين، مذكّراً بأنه عرض على التيار المشاركة في متابعة ملفات حيوية والاتفاق على مقاربة موحدة داخل الحكومة. وهنا استفاض باسيل في شرح موقف التيار من دستورية الجلسة وموقفه الداعي إلى اعتماد المراسيم الجوالة.
وتناول الشق الثاني الاستحقاق الرئاسي، فأعاد باسيل شرح تصور التيار القائم على وجود برنامج ومواصفات يجب أن يتم الاتفاق عليها وبالتالي اختيار المرشح المتوافق معها من دون أن يعرض أي اسم، لكنه كرر الدعوة إلى فتح النقاش حول كل الخيارات وعدم حصر الأمر بمرشحين اثنين فقط، من دون أن يسمي مباشرة سليمان فرنجية أو العماد جوزيف عون. ورد الخليل بعرض تصور الحزب للملف الرئاسي شارحاً بشكل دقيق وحاسم تصوره للمواصفات التي يجب أن يتحلى بها الرئيس المقبل، سواء بما خص القضايا الوطنية الكبرى أو القضايا الداخلية ومعالجة الأزمة الاقتصادية. أما الشق الثالث فدار حول العلاقة الثنائية، وقد تم الاتفاق على مغادرة مربع التصعيد في المواقف والابتعاد عن أي نقاش من خلال الإعلام والاتفاق على آليات تسمح بمزيد من التلاقي بين الطرفين بما يحمي التفاهم ويطوره. وقال مطلعون على اللقاء إنه كان أكثر من مجرد كسر للجليد والقطيعة بينهما، وإن "الطرفين ناقشا بعمق، للمرة الأولى منذ الاشتباك العلني بينهما بعد جلسة الحكومة، القضايا الخلافية بشكل صريح". وجرى الاتفاق على عقد اجتماعات متتالية للوصول إلى تفاهمات حول النقاط المختلف حولها والعمل على إعادة تعويم التفاهم بينهما في المرحلة المقبلة. في سياق متصل، علم أن باسيل بدأ منذ نحو شهر برنامج تواصل مع شخصيات ونواب من مناطق الشمال وبيروت، والتقى عدداً كبيراً من النواب السنة، وسيدعو النائب فيصل كرامي إلى غداء قريباً، كما ينوي عقد مزيد من الاجتماعات مع نواب من العاصمة بيروت، في إطار توسيع دائرة التشاور التي يركز فيها على أهمية البحث عن مرشح توافقي، وهو زار جنبلاط بعد لقائه مع وفد الحزب.
في اي حال، والى ان تنجلي الصورة اكثر، يتضح ان حزب الله اطلق حركة جديدة على الساحة السياسية، كما كان اشار االى ذلك امينه العام السيد حسن نصر الله، ايقاعها مختلف هذه المرة، مع تمسكه بمواقفه وبشروطه نفسها، لكنه يسعى الى توسيع هامش التوافق حولها، وقد اختار ان يتعاطى بهدوء مع الملفات مع اشارته الدائمة مع من يلتقيهم ان مرشحه سليمان فرنجية، وهو يسعى لاستقطاب العدد الكافي من الاصوات لانتخابه من خلال تقديمه بانه شخصية توافقية تحتاجها البلاد في هذه الفترة. لكن " تسويق" فرنجية سيأخذ وقتا في ظل المواقف المعلنة والرافضة له من " التيار" وحزب القوات ولا بد ان " يقتنع" احد الحزبين المسيحيين الكبيرين بضرورة تأييد فرنجية حتى تنتهي الازمة الرئاسية ويكون فرنجية الرئيس الرابع عشر للبنان. وفي هذا السياق، كان لافتا كلام المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل الذي قال بعد ساعات من اجتماع وفد حزب الله مع باسيل: " كثير بكير الاعلان عن عدم القدرة على ايصال سليمان فرنجية الى بعبدا. نحن عنا ثقة بالوزير فرنجية.... وباللحظة الذي يعلن فيها ترشيحه نحن معنيين ان يحصل حراك لتأمين اكثرية نيابية له. الاولوية هي خلق مناخ توافقي، الا انه عندما تصبح المعركة معركة اصوات، فان كل فريق سوف يعمل مصلحته. ومين اللي قال ان فرنجية لن يحصل على اصوات من الكتلتين المسيحيتين"؟.