تفاصيل الخبر

هل تجاوز لبنان " قطوع "  التصويت ضد روسيا في الامم المتحدة ام ان غضب " القيصر " لم يظهر بعد؟

19/10/2022
هل تجاوز لبنان " قطوع "  التصويت ضد روسيا في الامم المتحدة ام ان غضب " القيصر " لم يظهر بعد؟

من التصويت في الامم المتحدة  على قرار ادانة روسيا

 

 مرة جديدة، مرت العلاقات اللبنانية- الروسية في مرحلة اختبار صعبة ودقيقة في آن منذ ان شنت روسيا حربها على اوكرانيا،  والتي رفضها لبنان انطلاقا من موقف مبدئي  يقوم على ادانة محاولات اي دولة ضم اراضي دولة اخرى بالقوة العسكرية او الاعتداء على سيادة هذه الدولة او تلك،  خصوصا ان لبنان عانى الكثير من مثل هذه الممارسات العدوانية منذ العام 1948 وحتى اليوم. اما الاختبار الذي عاشه لبنان خلال الايام الماضية، فكان من خلال تحديد موقفه في التصويت الذي حصل في الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك على مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة والبانيا لادانة  الاستفتاءات  الروسية التي اجريت في الاراضي الخاضعة للسيطرة الروسية في اوكرانيا اواخر الشهر الماضي. وكان مثل هذا المشروع سقط في مجلس الامن عندما افشل الفيتو الروسي نتيجة التصويت.

فما الذي حصل مع لبنان؟

تقول مصادر ديبلوماسية ان لبنان تعرض لضغوط من واشنطن وعواصم اوروبية اخرى للتصويت ضد قرار ضم روسيا  مناطق اوكرانية الى اراضيها، وحصلت اتصالات كثيرة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله  بو حبيب كي يلتحق لبنان بمركب الرافضين للاستفتاء الروسي. وشغلت السفيرة الاميركية في بيروت" دوروثي شيا "محركاتها وارسلت، من ضمن ما فعلت، رسائل نصية الى اكثر من مرجع رسمي تنصح فيها بــ " احترام مسارات التاريخ وعدم اتخاذ موقف يخالفها. وشمل الضغط البعثات الديبلوماسية اللبنانية في الخارج، لاسيما في نيويورك وواشنطن، وكان الوزير بو حبيب يحيل " الضاغطين" الى رئيس الجمهورية على اساس ان الكلمة  الاخيرة له في هذا المجال. وخلال الاجتماع الثلاثي الذي عقد في قصر بعبدا بين الرئيسين عون وميقاتي والوزير بو حبيب، اثار وزير الخارجية الموضوع بحيث تم عرضه من جوانبه كافة لينتهي الاجتماع بقرار التصويت ضد الخطوة الروسية. وما ان وصلت الى مسامع الديبلوماسية الروسية في بيروت وموسكو ان لبنان فضّل عدم اعتماد النأي بالنفس او التصويت سلبا، حتى توافرت معلومات اضافية ان الولايات المتحدة لا تحبذ اعتماد النأي بالنفس في مسألة حساسة مثل  مسألة غزو روسيا لاوكرانيا، وهي مصرة على ان يكون موقف لبنان مماثلا لمواقف الدول الكبرى، والدول الاوروبية خصوصا. وهكذا ضغط ممثل لبنان في الامم المتحدة على الزر الاخضر خلال التصويت ايذانا برفض الاجراءات الروسية والوقوف الى جانب خصومها.

ردة الفعل الروسية الاولى على الموقف اللبناني كانت من بيروت، لان موسكو التزمت الصمت وامتنعت عن الادلاء باي ردة فعل، فيما تعاطت المصادر الروسية في بيروت مع المسألة بحذر واكتفت مصادر  السفارة الروسية في العاصمة اللبنانية بالقول ان موسكو لن تتدخل مع لبنان نظرا لظروفه الخاصة وليفعل ما يراه مناسبا لمصلحته خصوصا ان موسكو لن تتخذ اي موقف منه. واكدت المصادر ان روسيا تعتبر نفسها دولة صديقة للبنان، لكنها ذكرت بالموقف اللبناني الذي اعقب بدء  العمليات الروسية في اوكرانيا وما احدثه من استياء في موسكو خصوصا انه لا يعكس اجماعا لبنانيا. الا ان مصادر لبنانية معنية استغربت الموقف اللبناني تجاه " دولة صديقة لطالما وقفت الى جانب لبنان في المحافل الدولية، وتشكل اليوم قطبا دوليا يخطب حتى حلفاء اميركا العرب ودها". وسألت: " ماذا سيفعل لبنان حين تقف اميركا كعادتها الى جانب العدو الاسرائيلي ونكون مضطرين الى مساعدة روسيا التي صوتت لمصلحة لبنان في كثير من المناسبات".

لكن مصادر ديبلوماسية لبنانية ذكرت لبنان الذي ادان ضم روسيا لمناطق اوكرانية اتخذ هذا الموقف انسجاما من ادانته لحالات مماثلة من مثل ضم الضفة والجولان واراضي شبعا المحتلة  الى اسرائيل،  كما انه يرفض استخدام  القوة لحل القضايا  العالقة بين  الدولتين، ولذلك كان لا بد من التصويت الى جانب روسيا في قضية مبدئية، فضلا عن ان الظروف التي نشأت بالتزامن مع المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية  الجنوبية  ودور الوساطة الاميركية فيها، حتمت على لبنان ان يسقط  خيار النأي بالنفس ويذهب الى رفض  الاجراء الروسي ضد  اوكرانيا، خصوصا ان لبنان لا يزال بحاجة الى الدعم الاميركي لاستكمال  تنفيذ مفاعيل ترسيم الحدود البحرية. وكذلك للدعم الاوروبي   عموما، والفرنسي خصوصا، فور الانتقال الى مرحلة التنفيذ  العملي  للتنقيب الذي ستتولاه شركة " توتال" الفرنسية، واستطرادا فان لا مصالح لبنانية مع روسيا سياسيا وسقف العلاقة الدولية التي تحتاج الى عدم اعتراض روسي في مجلس الامن هو التمديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب( اليونيفيل) وهو امر تم في نهاية شهر آب ( اغسطس) الماضي ولم تستعمل موسكو حق النقض ضده لانها تدرك اهمية دور " اليونيفيل" على الحدود اللبنانية الجنوبية.

لبنان يعول على " تفهم " روسي لموقفه

في اي حال عوّل لبنان الرسمي على تفهم روسي للاعتبارات اللبنانية التي املت مثل هذا الموقف على رغم ان سلبيته المزدوجة تجاه روسيا في فترة زمنية قصيرة، وتزامن كل ذلك مع توجه روسي لارسال مساعدات غذائية الى لبنان في ظل ازمة الامن الغذائي التي تتهدده. وعليه بدأت اتصالات عاجلة بين بيروت وموسكو للتقليل من شأن الموقف اللبناني ووضعه في اطار " موقف مبدئي" لاسيما وان لبنان يخشى من امكان اجراء اسرائيل استفتاء حول ضم مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلتين  الى اراضيها، وقد سمع سفراء الدول الغربية ودول الاتحاد الاوروبي في وزارة الخارجية انه " لا يمكن من ناحية مبدئية ان توافق على ضم اي بلد اراضي بلد آخر، على خلاف السلوك الغربي المزدوج المعاببير لدى مقاربة قضايا اعتداء دول على دول اخرى. اذ يطبق الصمت حين تكون اسرائيل معتدية، ويهرع العالم لمساندة اوكرانيا". صحيح ان كلاما كهذا لن يبدل في موقف الغرب من ضم الجولان والقدس، لكن اقله، برأي دبلوماسيين لبنانيين " نتصرف بناء على ميزان مصالحنا". وبحسب مصادر، فان موسكو ابدت تفهما لموقف بيروت ولا نية لديها لــ " تكبير" الامر. وقد " تفهم " السفير الروسي في بيروت "الكسندر روداكوف" خصوصية موقف لبنان، وكانت زيارته للسراي  الحكومي  في اليوم التالي لاجتماع بعبدا مقصودة، كما ان تصريحه بعد اللقاء، ردا عما اذا تم البحث في موضوع تصويت لبنان في الامم المتحدة، اتسم بالايجابية، مشيرا الى " اننا عرضنا الامر بشكل عام، ويوجد بيننا تنسيق، ونعرف بان الموقفين الروسي واللبناني كالعادة على الموجة نفسها. وادرجت مصادر دبلوماسية التصريح في سياق " توجيه رسالة الى فريق وزارة الخارجية في موسكو بمنح لبنان معاملة خاصة"، واستثنائه من التقييم الذي تجريه روسيا لمواقف الدول حيال عملياتها العسكرية في اوكرانيا، وتخطي مسألة التصويت وبيان الخارجية اللبنانية الذي دان " الاجتياح الروسي" مع بداية الحرب،، في موقف ذهبت فيه ابعد من دول عربية حليفة لواشنطن، السعودية والامارات اللتين ناتا بنفسيهما  عن الصراع.

واللافت ان في اليوم التالي لزيارة "روداكوف"، اعلن السفير اللبناني لدى موسكو شوقي بو نصار وصول شحنة مساعدات عبارة عن مشتقات نفطية وحبوب الى لبنان في غضون اسابيع. هي ليست المرة الاولى التي يعلن فيها بو نصار عن المساعدات عينها، لذلك وضعت اوساط متابعة تصريحه في خانة ملاقاة حركة روداكوف والتأكيد ان " موقف روسيا لم يتبدل بعد التصويت ضدهاط.

ولعل السؤال الابرز هو هل تجاوز لبنان " قطوع" التصويت ضد روسيا في الامم المتحدة، ام ان لبنان سيدفع اغضاب " القيصر" الروسي مرة ثانية؟