صحيح ان رئيس تيار " المردة" سليمان فرنجية لم يعلن ترشيحه في الاطلالة التلفزيونية مع الزميل جورج صليبي لان لا شيء في الدستور يلزم بالترشيح المسبق للمنصب الرئاسي الاول في البلاد، لكن الصحيح ايضا ان كل ما اورده فرنجية في تلك المقابلة كان ترشيحا غير مباشر لاسيما وانه خاطب بكلامه الداخل والخارج على حد سواء، وردّ بوضوح من دون مواربة على سلسلة التساؤلات التي كانت تثار ولا تزال حول النهج الذي سيعتمده في ما لو وصل الى قصر بعبدا، وفي الكثير مما قال " ضمانات" وان كان " ابو طوني" يفضل يسميها كذلك لئلا يلزم نفسه بامور قد لا يكون قادرا على الوفاء بها. غير ان فرنجية ورغم رسائل المودة الى المملكة العربية السعودية، تعرض في اليوم التالي وحتى الساعة لحملة اعلامية واسعة ركزت على ان موقف الرياض منه لا يزال سلبيا ولن يحصل بالتالي على " درع التثبيت" السعودي الذي يؤمن وصوله آمنا الى قصر بعبدا، علما ان فرنجية كان واضحا جدا في قوله انه لن يذهب الى جلسة انتخابية يتحدى فيها السعودية، مستذكرا ان موقفه من السعودية " تاريخي ومعروف ولم يمر بأي مرحلة سيئة"، لافتا الى ان التفاهمات في المنطقــــة ستنعكس ايجابا على لبنان. ولعــــل ما " استفز" المعارضين قول فرنجية بانه "يملك شيئا لا يملكه كثيرون وهو ثقة حزب الله وثقة الرئيس السوري بشار الاسد وانا استطيع ان افعل معهما ما لا يستطيع ان يفعله آخرون". وفيما اعلن استعداده للحوار مع من يرغب من الزعماء الموارنة مثل رئيس " القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس " التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، اقترح ان يكون مكان اللقاء في بكركي.
كل الاشارات الايجابية التي وردت في حديث فرنجية قوبلت من المعارضين له بالرفض وان تفاوتت ردود الفعل الرافضة، وصولا الى حد قول البعض ان فرنسا " تنصلت" من فرنجية على رغم اصرار " الثنائي الشيعي" على دعمه بدليل ان الرئيس الفرنسي" ايمانويل ماكرون" لم يتصل بفرنجية كما فعل سلفه "فرنسوا هولاند" في العام 2015 حين اتصل بفرنجية و" بارك" له ترشحه قبل ان يقلب "تفاهم معراب" الصورة ويحمل العماد ميشال عون الى قصر بعبدا. وذهب هؤلاء الى الجزم بان" ماكرون "لن يكرر " خطأ "هولاند "مستشهدين بما اعلنته الناطقة باسم الخارجية الفرنسية" آن-كلير لوجاندر " عن ان باريس ليس لديها مرشح للرئاسة. فهل فعلا تخلت فرنسا عن دعم فرنجية ام ان الكلام الديبلوماسي الفرنسي لا يعكس حقيقة الموقف الرئاسي الفرنسي، وبالتالي هل من توزيع ادوار داخل الادارة الفرنسية حفاظا على " خط الرجعة" في ما لو تعثرت مسيرة انتخاب زعيم " المردة"؟. عن هذه التساؤلات وغيرها تكشف مصادر مطلعة على الموقف الفرنسي عن وجود موقفين داخل الادارة الفرنسية، الاول- وهو الاكثر رجاحة، يؤيد فرنجية ويدعم انتخابه رئيسا للجمهورية لانه قادر على تحقيق انجازات اكثر من غيره، والموقف الثاني يرى ان باريس لا يجوز ان تلتزم مع مرشح لا يلقى تأييدا واسعا من اللبنانيين عموما ومن المسيحيين خصوصا، وبالتالي من الافضل اعادة النظر في هذا التوجه خصوصا ان لا قرارا نهائيا بعد لدى السعوديين، فيما تبدو الولايات المتحدة الاميركية وكأنها لم تحسم امرهــــا بعد حيــــال الاستحقاق اللبناني او هي حسمتـــــه وتنتظر تلاشي المــــوقف الفرنسي " للانقضاض" عليه وفرض المرشح الذي يؤيد الجناح الامني في الادارة الاميركية وصوله الى قصر بعبدا، اي العماد جوزف عون، فيما لم يحسم فريق الرئيس الأميركي" جو بايدن "موقفه بعد لايجاد معايير يلتقي عليها الجميع وهو امر غير متوافر وغير ممكن في الوقت الراهن على الاقل. الا ان المعطيات تشير الى ان فرنجية لا يزال المرشح الاوفر حظا في الحسابات الفرنسية وسيبقى كذلك الى ان تتوافر معطيات تخالف هذا التوجه. ويلتقي " الثنائي الشيعي" مع الرأي الذي يقول ان باريس لا تزال تدعم فرنجية، وان كلام الناطقة باسم الخارجية لا يتجاوز كونه من النوع الديبلوماسي الذي يفتقد الى الدلالة السياسية. ووجد " الثنائي"، كما تقول مصادره، ان التصريح الفرنسي لا يتضمن اي اشارة سلبية تجاه فرنجية مع العلم انها ابقت الباب مفتوحا على مختلف المستجدات بما يعني انها مستعدة للتعاون مع الرئيس المقبل سواء كان فرنجية او غيره. وتعتبر مصادر " الثنائي" ان باريس، وان لم تعلن رسميا تأييدها لفرنجية، الا انها تعتبره المرشح الجدي الوحيد الذي يحظى بدعم كتل نيابية وازنة، وهو قادر على استقطاب المزيد من النواب من خلال تجربته السياسية ومواقفه السيادية.
وذهبت مصادر متابعة الى حد التساؤل عن السبب الذي يجعل القوى المسيحية لا تقرأ جيدا الموقف الفرنسي لاسيما وانها على علم بتفاصيله من السفيرة الفرنسية في بيروت "آن غرييو" او من خلال الاتصال المباشر في العاصمة الفرنسية وهذه التفاصيل تتحدث عن " التسوية" التي تشير الى معادلة فرنجية- نواف او تمام سلام التي تعمل باريس على التوصل اليها خصوصا ان المسؤولين الفرنسيين لم يسمعوا مباشرة رفضا سعوديا لفرنجية لان الرياض ركزت في كل اتصالاتها مع باريس على الحصول على ضمانات متعلقة برئيس الحكومة وظروف عمله وممارسة صلاحياته وان لا تتم الاطاحة به ساعة يشاء الطرف الاخر، اضافة الى نقاط جوهرية اخرى. وعليه، تضيف المصادر نفسها، ان عدم تجاوب القيادات المسيحية المعارضة مع دعوة فرنجية الى الحوار الثنائي لان الحوار الجماعي- يمكن ان يكون " فخا"، سوف ينعكس سلبا على مسار الاستحقاق الرئاسي ويؤخر انجازه ويبقي البلاد غارقة في دوامة الفراغ. وفي هذا السياق قال مصدر في " التيار الوطني الحر" ان اي لقاء بين فرنجية وباسيل لن يبدّل من موقف "التيار" من موضوع الرئاسة، مفضلا حوارا اوسع يجب ان يستأنف بين الكتل النيابية المعنية بالاستحقاق الرئاسي للخروج من الجمود القاتل من دون استعمال اساليب التهديد والتهويل بالفراغ الطويل. اما حزب الكتائب فان مصدرا فيه كشف عن ان لقاءات عدة عقدت في الماضي ولم تعط نتيجة. ويلتقي مصدر في " القوات اللبنانية" مع الكتائب في عدم الاتكال على مثل هذه الحوارات مع التأكيد ان لا اشكالات بين فرنجية و" القوات"، لكن المشكلة تكمن في كون فرنجية جزءا من خط ممانع وحليف مع حزب الله منذ اكثر من 30 سنة وبالتالي لا يمكن ان يكون مرشحا توافقيا.