تفاصيل الخبر

" الخوف " على الطائف الغى عشاء السفيرة السويسرية لكن الدعوة الى الحوار في جنيف لا تزال قائمة

26/10/2022
" الخوف " على الطائف الغى عشاء السفيرة السويسرية  لكن الدعوة الى الحوار في جنيف لا تزال قائمة

السفيرة السويسرية في لبنان" ماريون كروبسكي"

 

كان الخبر قبل اشهر ان فرنسا تنوي استضافة حوار بين الاطراف اللبنانيين استكمالا للتحرك الذي كان قام به الرئيس الفرنسي" ايمانويل ماكرون "منذ زيارته بيروت الاول من ايلول ( سبتمبر) 2020 وذلك على غرار جلسات  " العصف الفكري" التي كانت عقدت قبل سنوات في " لاسال سان كلو"،  ثم تراجع الحديث عن الاستضافة الفرنسية لتحل مكانها دعوات سويسرية من منظمة" HUMANITARIAN DIALOGUE"  التي تتخذ من جنيف  مقرا لها وتحظى برعاية وزارة الخارجية السويسرية. وبالفعل وجهت الدعوات الى الاقطاب اللبنانيين وفقا لتحضيرات كانت جرت قبل الانتخابات النيابية  وسمى هؤلاء الاقطاب ممثليهم الى اللقاء الحواري بمعدل ممثلين اثنين عن كل قطب مدعو من دون ان يتم تحديد موعد نهائي، لكن من حيث المبدأ بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في 31 تشرين الاول ( اكتوبر) 2022. والواقع ان صعوبات عدة واجهت الدعوات لاسيما لجهة تمثيل بعض الطوائف والاحزاب والتكتلات، والابرز في هذا السياق كان التمثيل السني في غياب ممثل واحد واساسي للمكون السني بعد انكفاء الرئيس سعد الحريري عن الساحة السياسية ما قبل الانتخابات النيابية. والمشاركة  السنية اساسية وتحتاج الى جهة تمثيلية، خصوصا ان ما سيجري تناوله يدخل في صلب الاهتمامات هذا المكون وهواجسه حيال اتفاق الطائف وعدم تقبل المساس ببنوده لان مؤيدي الاتفاق يرددون ان المشكلات  لا تكمن في نصوص الاتفاق الذي تحول الى دستور، انما تكمن في عدم تطبيقه.

وتحضيرا للمشاركة في الحوار في جنيف، وجهت السفيرة السويسرية في بيروت" ماريون كروبسكي "الدعوة الى عشاء في السفارة السويسرية لممثلي عدد من القيادات من الصف الثاني المدعوين الى الحوار، ورافقت الدعوة " تسريبات" من هنا وهناك بان الهدف من العشاء هو الاتفاق على المواضيع والعناوين للحوار الموعود، فضلا عن تهيئة الاجواء بين المدعوين ليؤتي الحوار ثماره، الا ان ما قيل عن ان الموضوع الابرز هو الطائف، حرك السفير السعودي في بيروت وليد البخاري الذي ضغط على عدد من المشاركين فصدرت اعتذارات من اكثر من جهة ورافقتها تصريحات ومواقف، جعلت السفارة السويسرية تعيد النظر في دعوة العشاء من دون ان تلغي العمل من اجل انعقاد اللقاء الحواري في جنيف. وفي هذا السياق تقول مصادر ديبلوماسية ان السفيرة السويسرية في بيروت تعرضت لضغوط من جهات عدة ومنها بعض السفراء الذين حركهم السفير السعودي لالغاء الحراك السويسري، علما ان هذا الحراك لم يكن بقرار سويسري فقط، بل توافرت له الرعاية المباشرة من الفرنسيين والاميركيين على حد سواء. واوضحت السفارة السويسرية في معرض اعلانها عن تأجيل العشاء ان المنظمة السويسرية " مركز الحوار الانساني"  تواصلت مع جميع الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية، لتحضير مناقشات تشاوريّة وليس مؤتمر حوار، في ظلّ احترام تام لاتفاق الطائف والدستور اللبناني». وكان واضحاً انّ السفارة حرصت في البيان الصادر عنها على تطمين القلقين وتأكيد احترام الطائف، لمنع تأويل وظيفة العشاء ولتبرئته من التهمة التي وُجّهت اليه في خصوص انّه كان يستهدف وثيقة الوفاق الوطني، ولكن العارفين يؤكّدون انّ رفض عدد من الجهات الداخلية والاقليمية فتح المجال امام أي محاولة لمناقشة تعديل الدستور والطائف، هو الذي نسف مشروع العشاء، من دون أن يسعفه، لأنّ منظّمه طرف حيادي كسويسرا الخبيرة في رعاية الحوارات اللبنانية منذ ايام استضافة زعماء الحرب في جنيف ولوزان.

 

وهناك من يعتبر انّ التغريدة اللافتة التي نشرها السفير السعودي وليد البخاري عبر حسابه على "تويتر" لم تكن "بريئة" في توقيتها ومحتواها، إذ أتت بعد شيوع خبر تنظيم السفارة السويسرية للعشاء، متضمنة الآتي:

"وثيقة الوفاق الوطني عقد ملزم لإرساء ركائز الكيان اللبناني التعددي، والبديل عنه لن يكون ميثاقاً آخر بل تفكيكاً لعقد العيشِ المشترك، وزوال الوطنِ الموحّد، واستبداله بكيانات لا تشبه لبنان الرسالة".

 

لقد بدا واضحاً انّ البخاري تعمّد من خلال تلك التغريدة توجيه رسالة واضحة لمن يهمه الأمر، بأنّ وثيقة الطائف خط أحمر، وانّ البديل عنها تفكّك لبنان. وأبعد من ذلك، ربطت إحدى الشخصيات التي دُعيت الى العشاء بين اعتذار البعض عن تلبية الدعوة وبين موقف السعودية المعترض على أي بحث في تعديل الاتفاق الذي يحمل اسم إحدى مدنها.

 

ووفق رأي تلك الشخصية، فإنّ ردّ الفعل السلبي لحزب "القوات اللبنانية" وبعض النواب التغييريين السنّة على الدعوة السويسرية، لا يمكن فصله عن التغريدة ودلالاتها. اما بالنسبة الى موقف حزب الله  قد اكد المطلعون انّ «الحزب» تجاوب مع الدعوة التي تلقّاها من السفارة للمشاركة في مأدبة العشاء، وهو كان سيتمثل بعضو "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب علي فياض، "انطلاقاً من الانفتاح المبدئي على اي حوار وطني". ويلفت القريبون من "الحزب" إلى انّ المراد من هذا اللقاء برعاية سويسرية، التداول في الأزمات التي يمرّ فيها لبنان سياسياً واقتصادياً، ومتطلبات الخروج منها،  وبالتالي هو لا يضمر استهداف الطائف، خصوصاً انّ طابعه في الأساس تشاوري - بروتوكولي، وليس اكثر .

 

وعُلم انّ السفارة السويسرية تواصلت لاحقاً مع فياض، وأبلغت اليه انّ العشاء أُرجئ، الّا انّها شدّدت على أنّ مشروع الحوار لم يُلغ بل لا يزال مستمراً.

 

شروحات سويسرية عن الهدف من الدعوة الحوارية

وفي هذا الاطار، شرحت مصادر سويسرية مسؤولة الغاية من المبادرة التي اطلقتها للحوار بين الافرقاء اللبنانيين بالتعاون والتنسيق مع منظمة" HUMANITARIAN DIALOGUE"، فاشارت الى ان اللقاء كان سيعقد في مطلع شهر تشرين الثاني( نوفمبر) المقبل، وان الهدف من هذه الدعوة كون لبنان يشكل اولوية لادارة الامن الانساني في الخارجية السويسرية وان الهدف من مبادرة اطلاق الحوار بين الفرقاء اللبنانيين ليس فقط تأمين ارضية " محايدة" للتواصل، بل ايضا اطلاق مسار يؤمن على المدى القصير معالجة القضايا الخلافية القائمة، وعلى المدى الابعد النظر في تحديث العقد الاجتماعي اللبناني" SOCIAL CONTRACT "عبر تطوير بعض جوانب النظام من دون الوقوع في اعادة النظر به برمته، مما يفتح مجالا للتدخلات الخارجية المستفيضة. علما ان هذه المبادرة تبقى واقعية في مقاصدها وملكا للفرقاء اللبنانيين حيث يحدد هؤلاء ما يتفقون على انجازه عبرها. وتبقى التجربة السويسرية في بعض المجالات مثالا يمكن الافادة منه ( كونها تعتمد النظام التوافقي / التعددي). وستعتمد المبادرة منهجية عمل عبر مجموعات مصغرة وفق المواضيع التي تجري معالجتها وسبق لاحد الفرقاء اللبنانيين المطلعين على هذا المشروع، ان اشار الى ان المحاور الثلاث التي تم تحديدها عند استطلاع آراء المشاركين هي اتفاق الطائف، السياسة الخارجية، والازمة الاقتصادية. واضافت المصادر السويسرية ان هذه المبادرة الحوارية لم تأت بطلب من جهة خارجية بل هي مشروع سويسري صرف، ينطلق من تقدير مفاده بان اللبنانيين بحاجة الى مساحة تلاق بناءة لحل مشاكلهم فيما بينهم، وان سويسرا تنظر في افكار لجعل نشاطها السياسي ذات اثر ايجابي في لبنان استنادا الى خبرتها في مجال حل النزاعات. وسيكون الاجتماع الاول للمشاركين بهذا الحوار في مدينة جنيف باستضافة من مؤسسة HUMANITARIAN DIALOGUE"، على ان تليه لقاءات اخرى في لبنان، حيث لن يكون المسار خارجيا فقط،  على غرار لقاءات حوار عقدت في السابق بين اللبنانيين وعلى وقع ازمات كبيرة، بل هو اساسا ملك للبنانيين.

واوضحت المصادر نفسها ان فرنسا لم تعارض هذا التوجه علما ان واشنطن احيطت علما به كذلك بعض الدول الاقليمية التي تعلم بالمبادرة. واشارت المصادر الى ان الموعد المقرر للاجتماع الاول للمشاركين بهذه المبادرة الحوارية هو بعد انقضاء المهلة الدستورية لانتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان ( عندما بدأت هذه المبادرة بالتبلور كان الهدف انتظار اتمام الانتخابات التشريعية اللبنانية)، وانه في حال عدم التوصل الى انتخاب رئيس خلال هذه المهلة، يمكن ان تصبح هذه المبادرة محط تساؤلات حيث من المتوقع ان يرخي الوضع السياسي المستجد في لبنان بظلاله عليها.