تلقى الوسط الرسمي بارتياح خبر عودة سوريا الى حضن جامعة الدول العربية بعد تعليق عضويتها في العام 2011 بسبب الحرب فيها، ليس فقط لان لبنان كان دعا الى تحقيق هذه العودة بلسان الرئيس السابق ميشال عون ثم وزراء الخارجية الذين تناوبوا على قصر بسترس المهدم، بل لوجود امل في ان تكون هذه العودة عاملا مسهلا لعودة النازحين السوريين الموجودين في لبنان الى بلادهم، علما ان مثل هذه العودة لن تشمل نحو مليوني سوري يقيمون في لبنان حاليا، لكنها تفتح الباب ربما امام عودة متدرجة. وفي هذا السياق تقول مصادر حكومية ان لبنان يأمل في ان يكون لموقفه المؤيد لهذه العودة داخل مجلس جامعة الدول العربية يوم الاحد الماضي، وقبله في المحافل الدولية والاقليمية كافة، الاثر الايجابي لدى المسؤولين السوريين فيعملون على تقديم كل التسهيلات اللازمة للبدء بالعودة الامنة والطوعية للنازحين بحيث لا توضع العراقيل امام المجموعات الراغبة بالعودة، وان تقدم لهم التسهيلات الضرورية بعد وصولهم الى ارضهم. الا ان المصادر نفسها التي تضع هذا الطلب في بــــاب " الامل" و" الرغبة"، ترى ان اي مشاركة سورية فعالة ومضمونة لعودة النازحين لا بد ان تكون ثمرة تواصل لبناني- سوري رسمي مباشر على مستوى وزاري وليس فقط على مستوى امني، وبالتالي فان مثل هذا التواصل سيكون ممكنا بعد القرار العربي الذي اسقط كل التحفظات التي وضعتها الدول العربية على عودة سوريا والتي كانت تحرج لبنان كلما اراد ان يعيد الحرارة الى قنوات التواصل بين البلدين. صحيح ان الاتصال الذي حصل بعد الزلزال الذي ضرب جزءا من الاراضي السورية بين رئيسي حكومتي البلدين ثم زيارة وفد وزاري رفيع المستوى الى العاصمة السورية، ساهما في تحريك الاتصالات من جديد بين البلدين. لكن الصحيح ايضا ان دمشق تريد ان يعطى هذا التواصل طابعا دائما ولا يقتصر على المناسبات ولو كانت حزينة. لذلك، ترى مصادر متابعة ان دمشق الممتنة للموقف اللبناني في جامعة الدول العربية، سوف تنتظر مبادرة لبنانية تفعّل فكرة عودة العلاقات بقوة ويمكن ان تساعد فعليا في الحلول المقترحة لتنظيم رحلات عودة آمنة للنازحين السوريين الى بلادهم.
المواجهة مع المنظمات الدولية مستمرة
ويأتي القرار العربي بعودة سوريا الى جامعة الدول العربية، في وقت تتسارع فيه وتيرة المواقف اللبنانية الهادفة الى تنظيم اوضاع النازحين السوريين لتحقيق العودة الامنة والطوعية وسط صعوبات يواجهها لبنان من المجتمع الدولي الذي لا يبدي اي حماسة فعلية للمساعدة في تحقيق هذه العودة لا بل يعرقلها بالتنسيق مع منظمات الامم المتحدة العاملة في لبنان والتي يشكل تصرفها المعرقل ايضا رجع صدى للموقف الدولي الداعي الى عدم حصول العودة وانتظار الحل السياسي الذي يخشى لبنان ان يطول كما حصل بالنسبة الى الحل " السياسي" للقضية الفلسطينية، والحل " السياسي" لتقسيم قبرص. واتى تغييب لبنان عن اللقاء الوزاري الخماسي الاخير الذي عقد في عمان واقتصار المشاركة على وزراء خارجية مصر والسعودية والاردن وسوريا والعراق ليزيد المخاوف اللبنانية مما يمكن ان يشكل " ابعادا" للبنان عن اي حل يتناول عودة النازحين خصوصا ان البيان الختامي للاجتماع تحدث عن ضرورة عودة النازحين لكنه لم يشر الى اي آلية عملية يمكن ان تحقق هذه الخطوة. لقد تجاهل المجتمعون في عمان صرخات لبنان بشأن مخاطر النزوح السوري على مختلف قطاعاته لاسيما وان الارقام تدل الى تغيير ديمغرافي وشيك الحصول لان اعداد النازحين، حسب المدير العام السابق للامن العام بلغت مليونين و80 الف نازخ ما يعني ان اعداد السوريين باتت تفوق نصف اللبنانيين البالغ عددهم 4 ملايين شخص..... " والخير على قدام"! ومع ذلك يجد لبنان نفسه وحيدا في المواجهة مع منظمات الامم المتحدة والمجتمع الدولي ويحاول من هذا المأزق الضاغط عليه بقوة، لاسيما وان المفوضية السامية للاجئين التابعة للامم المتحدة" UNHCR" لا تزال ترفض تسليم الحكومة اللبنانية " الداتا" الموجودة لديها عن اعداد النازحين الذين في حساب المفوضية يبلغ 805326 نازخا، وذلك على رغم الطلب الرسمي الذي قدم اليها والذي منح المفوضية اسبوع لتنفيذ الطلب اللبناني. وتبرز صعوبة الوصول الى احصاء دقيق لعدد النازحين من خلال وجود ثلاثة انواع من التسجيل يعرضها لبنان وهي المسجلون فعليا لدى المفوضية، والفئة الثانية ليست مسجلة ولا مدونة لكنها موجودة على الاراضي اللبنانية. اما الفئة الثالثة فهي تلك التي رصد الامن العام دخولها الاراضي اللبنانية اما بصورة نظامية او غير شرعية، علما ان الداخلين غير الشرعيين يصعب عمليا تحديد اعدادهم لانهم انتشروا في الاراضي اللبنانية وليس في مخيمات النزوح، وهذا ما دفع وزارة الداخلية والبلديات للطلب الى سائر البلديات والمحافظات والقائمقاميات اجراء مسح دقيق في كل بلد لتحديد عدد النازحين، وظروف دخولهم وهل هم مسجلون كنازحين لدى المنظمات الدولية ويتقاضون تعويضات شهرية من دون انقطاع، وغيرها من المعلومات التي يمكن ان تفيد في تكوين احصاء دقيق عن النازحين الموجودين على الاراضي اللبنانية. ويقول مصدر رسمي لبناني ان التضارب في الارقام لا يعني ان اعداد النازحين الى انخفاض على الرغم من تنظيم رحلات عودة طوعية شملت نحو نصف مليون نازح، فضلا عن حالات عودة فردية، لكن في المقابل هناك مجموعات جديدة دخلت البلاد خلسة، فضلا عن وجود "نازحين" يخرجون ثم يدخلون من جديد تحت عنوان صفة النزوح ومنهم نحو 37 الف نازح سوري زاروا بلادهم في عطلة عيد الفطر ثم عادوا الى لبنان. في هذه الاثناء، تتجه الأنظار الى مؤتمر بروكسل المقرّر عقده منتصف الشهر المقبل وستكون قضيّة النزوح السوري على جدول أعماله، ومن المفترض أن يعيد لبنان رفع الصوت بهدف تخليصه من أعباء وتداعيات ملف النزوح السوري. في وقت تستمر الوزارات المعنية بقضية النزوح متابعة جمع المعطيات والتدقيق في تفاصيل ذلك الملف، وفي السياق يؤكد وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور حجار أنه انطلاقاً من كون وزارته المعنيّة بملف النزوح فإنه يتابع الملف بدقة وعلى مدار الساعة، ويتابع "ننتظر تسلم الداتا من مفوّضية اللاجئين لتبيان الأعداد المسجلة لديهم ونحن نتطلع أيضاً الى تغيير موقف المفوضية والمجتمع الدولي من قضية النزوح الى لبنان بعد سنوات من إدارة الظهر للبنان ولمعاناته على الرغم من رفع الصوت في كل المناسبات وفي كل المحافل الدولية للتحذير من تبعات تحميل لبنان ذلك العبء الكبير".ويأمل حجار استجابة دولية مع مطالب لبنان ولا سيما أن هناك من بدأ يعيد النظر في المواقف السابقة. في المقابل هناك من ينظر بتشاؤم إلى ملف النازحين وفق قناعة مفادها أن لا أحد يعير الاهتمام للبنان في هذه الفترة والعالم لديه مشاغل أخرى ولبنان في آخر جدول اهتماماته، ولذلك على اللبنانيين حل مشاكلهم بأنفسهم، وجلّ ما يهمّ أوروبا عدم وصول النازحين والمهاجرين غير الشرعيين الى سواحلها انطلاقاً من لبنان، مع الإشارة الى أن دولاً أوروبية مثل إيطاليا واليونان أبلغت بيروت أنها لن تسمح بدخول المهاجرين أراضيها وأنه يجب أخذ ذلك التحذير على محمل الجد. أمّا داخلياً فيبدو أن بعض الوزارات التي دخلت حديثاً على خط ملف النزوح باتت تبالغ في مواقفها بعد سنوات من إدارة الظهر لذلك الملف انطلاقاً من اعتبارات تتصل بالانتماء الطائفي والسياسي للوزراء في تلك الوزارة وتضارب الموقف مع رئاسة الجمهورية بشأن ملف النزوح وتداعياته.