تواصل قيادة الجيش المساعدة الشهرية للعسكريين، ضباطا ورتباء وافرادا بمعدل مئة دولار توزع على الجميع دون استثناء اذا لم يكن شهريا احيانا لعدم توافر المال، فان التوزيع يحصل في الشهر الذي يلي عن شهرين. ولعل بهذه الطريقة امنت قيادة الجيش بعض المساعدات للعسكريين تعويضا على تدني قيمة رواتبهم نتيجة ارتفاع سعر الدولار قياسا الى الليرة اللبنانية. وتؤمن قيادة الجيش الدولارات من مصدرين، الاول من دولة قطر التي قدمت مبلغا اجماليا بقيمة 60 مليون دولار لهذه الغاية، والولايات المتحدة الاميركية التي باشرت الى دفع المساعدات المالية، ثم توقفت في انتظار انتهاء الاجراءات المالية في الخزانة الأميركية،الا ان المساعدة الاميركية رافقتها ضجة اذ ترددت معلومات عن ان الاميركيين طلبوا من قيادة الجيش تزويدهم لوائح باسماء الضباط والرتباء والافراد والمتعاقدين المدنيين في الجيش لاتخاذ ترتيبات اتفاق صرف المساعدة النقدية. وثمة من يتحدث عن روايتين، الاولى تقول بان وزير الدفاع موريس سليم وقع في 20 ايار (مايو) 2022، اي قبل اعتبار الحكومة مستقيلة، تفاهما مع السفيرة الاميركية في بيروت" دوروثي شيا "لمنح افراد الجيش مساعدة مالية تقدر بمئة دولار تصرف شهريا لكل فرد، وطلب الاميركيون ان تعتمد " وسائل شفافة وواضحة" لعملية الصرف مقترحين ان تكون وجهة الصرف عبر مكتب الامم المتحدة وان مجموع المبلغ يصل الى 50 مليون دولار. وبرر الاميركيون طلبهم بان التشريعات الاميركية تمنع المؤسسات الاميركية تقديم اي مساعدة نقدية لاي جيش اجنبي، وفي المرحلة الاخيرة يتم صرف المبلغ من خلال النظام المصرفي اللبناني. وبموجب التفاهم، ينبغي على قيادة الجيش تزويد الجانب الأميركي ببيانات واضحة حول الأفراد المستفيدين، ما أدى إلى نقاش داخلي حول المطالب الأميركية، انتهى بتأكيد اليرزة أنها ليست في وارد تزويد أحد بأي معطيات من هذا النوع. وسرعان ما حُسم النقاش بطرح اعتماد الآلية نفسها التي تم التوصل إليها مع الدوحة، بعد مشاورات سياسية، لتنظيم عملية المساعدة المالية القطرية تولى قائد الجيش تنفيذها. وتقضي الآلية بتزويد المصرف المركزي القطري بأرقام الحسابات المصرفية للمستفيدين من أفراد المؤسسة العسكرية، على أن تُحوّل الأموال إليهم بواسطة مصرف لبنان من خلال المصارف الأخرى المتعاملة معه. وكان الهدف من هذه الآلية تسييل الأموال بطريقة آمنة، وإخراج قيادة الجيش من أي مسؤولية قد تترتب نتيجة أي خطأ.
اما الرواية الثانية، تؤكد توقيع التفاهم المشترك في 20 أيار(مايو) 2022، لكنها تنفي وجود أي طلب أميركي للوائح بالأسماء، مشيرة إلى الاتفاق على فتح حساب باسم مكتب الامم المتحدة لخدمات المشاريع( UNOPS) في مصرف لبنان، على ان يتولى احد المصارف الاجنبية ارسال الاموال بحيث تنحصر مهمة المصرف المركزي بعملية صرف الاموال وتوزيعها على المستفيدين بناء على حساباتهم المصرفية، ويقتصر دور المؤسسة العسكرية على التأكد من حصول عملية الصرف. وتقول مصادر متابعة انه يمكن للولايات المتحدة الاميركية ان تحصل بسهولة، اذا ما ارادت، على المعلومات المتعلقة بأسماء المستفيدين من أفراد المؤسسة العسكرية أو غيرهم، سواء من خلال النظام المصرفي اللبناني أو شركات التحويل، وفق تشريعات أقرها مجلس النواب اللبناني من بينها القانون رقم 44 (مكافحة تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب) الصادر عام 2015 الذي يمكّن الدوائر المالية الأميركية من الدخول إلى عمق النظام المصرفي ومراقبته والتدخل فيه وإلزامه بالتعاون!
كل تلك الاجراءات والمساعدة الاميركية لم تصل بعد وقيل انها عالقة تماماً كحال كل المساعدات التي وعدت الولايات المتحدة لبنان بها، كاستجرار الكهرباء من الأردن وشحن الغاز من مصر. ويُعزى ذلك إلى تحقيقات تجريها أجهزة الأمم المتحدة حول «عمليات فساد مالي» في مشاريع استلمها مكتب UNOPS، ما أدى إلى تجميد الولايات المتحدة تعاملها مع المكتب، بالتالي التريث في بدء صرف المساعدة للجيش. فيما تؤكد معلومات اخرى توقف النقاش في الأمر منذ مدة بين الجانبين الأميركي واللبناني، فيما يقترب برنامج المساعدة القطرية من نهايته. ويسود اعتقاد بإمكان تمديد هذا البرنامج للتعويض عن تأخر وصول المساعدة الأميركية، طالما أن المسارين متلازمان نتيجة تفاهمات مشتركة، في حين تشير معلومات أخرى إلى احتمال اللجوء إلى خدمات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) الذي يتولى منذ سنوات تقديم معونات مالية إلى النازحين السوريين المقيمين على الأراضي اللبنانية.
10370 جمعية في لبنان اعمالها بلا رقابة
والواقع ان مسألة المساعدات الاميركية لعسكريي الجيش مثلا مثل سائر المساعدات المادية التي تصل الى اشخاص يعملون في القطاع العام، طرحت سلسلة تساؤلات حول شفافية الطريقة التي تعتمد لتوزيع هذه المساعدات ومدى وصولها فعلا الى المعنيين بها او وصولها ناقصة. كما تطرح " فلسفة" المساعدات المادية في حد ذاتها ومدى تجردها من اي خلفيات سياسية لاسيما وانه اتضح بعد حادثة تفجير مرفأ بيروت، ان المنظمات الاهلية ( NGO’S) التي " فرخّت" كالفطر تحت عناوين انسانية واجتماعية، كانت في معظمها واجهات لجهات لها اجندتها السياسية في البلاد بدليل ان بعضها " اختفى" اسمه من التداول ولم يعد له اي وجود على الساحة، ومنها من " نشط" جدا خلال " احداث 17 تشرين الاول (اكتوبر) 2019" في تنظيم تظاهرات واحتجاجات ومسيرات وغيرها من المواقف الشعبية، ثم سرعان ما تراجع منسوب نشاطه تدريجا من دون ان يتضح مصير الاموال التي رصدت وكيف تم صرفها وبموجب اي معايير تم تطبيقها لتوزيع المساعدات المادية المباشرة التي صرفت بالدولار الاميركي. ولم تتمكن وزارة الشؤون الاجتماعية من رصد عمل هذه المنظمات كما تقاعست وزارة الداخلية والبلديات في تقديم " الداتا" العائدة لهذه الجمعيات على رغم ان " العلم والخبر" الذي يعتبر بمثابة ترخيص لعمل هذه الجمعيات، يصدر عن وزير الداخلية والبلديات(بسام مولوي) وبتوقيعه. والملاحظ ان اعداد الجريدة الرسمية لا تخلو اسبوعيا من نحو 10 او 15 " علم وخبر"، ما يعني ان الترخيص ما زال مستمرا الامر الذي سيعقد الامور اكثر لان بلدا مثل لبنان بمساحته القصيرة وكثافة سكانه لا يتحمل الكم الهائل من الجمعيات التي لا تبغي الربح والمعفاة كما هو معروف من العديد من الرسوم.
ويستدل من تقرير اعدته " الدولية للمعلومات" ان عدد الجمعيات الاهلية المرخصة يبلغ 10370 جمعية. وتبلغ 7032 جمعية تأسست في الاعوام العشرين الماضية. وبعد العام 2014 اخذ العدد بالارتفاع التدريجي فبلغ 521 جمعية في العام 2016، و612 جمعية في العام 2007، وهذا الارتفاع ارتبط بحرب تموز(يوليو) العام 2006 حيث تدفقت المساعدات على لبنان ووزعت كالعادة بطريقة عشوائية ما سبب حينذاك خلافا بين الرئيس اميل لحود ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي لم يتجاوب مع طلب لحود نشر لوائح مفصلة بالمساعدات والجهات المستفيدة منها عملا بمبدأ الشفافية ولقطع الطريق عن اي تأويل او تحامل وتجدر الاشارة الى انه في سنة 2008 بلغ عدد الجمعيات 612 وفي العام 2009 كان العدد 494 وفي 2010 بلغ 530، وفي 2011 كان العدد 435 وارتفع الى 456 في العام 2012 ليتراجع الى 273 في العام 2013 ليصعد من جديد في 2014 الى 335 وكذلك في 2015 الى 382 وفي العام 2016 تم الترخيص لـــ 316 جمعية، وفي 2017 رخص لـــ 442 جمعية، وفي 2018 لـــ 358 جمعية، وفي 2019 لــ 338 جمعية، وفي 2022 لـــ 251 جمعية ثم ارتفع من جديد عدد الجمعيات المرخصة في العام 2021 الى 321 جمعية وحتى نهاية شهر تمـــوز ( يوليو) من العام 2022 بلغ العدد 94 جمعية والحبل على الجرار. يذكر ان هذه الجمعيات تضع في طلبات التراخيص الكثير من الاهداف لكن في الواقع لا تنجز منها الا الشيء القليل ولا تلقى اي محاسبة او مراجعة من وزارة الداخلية التي اناط بها القانون من خلال المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين مهمة قبول طلبات انشاء الجمعيات على اختلافها والتدقيق في ما اذا كانت تستوفي الشروط والمستندات المطلوبة. وتكتفي هذه المديرية برقابة شكلية ما جعل عمل هذه الجمعيات خارج اي رقابة فعلية فانحرف معظمها عن الاهداف المحددة وتحول الى خدمة اهداف ومصالح حزبية او طائفية او فردية شخصية خلافا لــ " العلم والخبر" المعطى لها.