سريعة كانت زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والوفد الوزاري الذي رافقه الى قبرص لتهنئة الرئيس القبرصي الجديد" نيكوس كريستودوليدس "على انتخابه وتسلمه مسؤولياته الدستورية. وسريعة كانت ايضا جولة المحادثات التي عقدت بين الرئيس القبرصي ورئيس الحكومة على رغم ان بين لبنان وقبرص العديد من المواضيع العالقة لعل اهمها اعادة النظر في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص الموقعة العام 2007 والتي لم يبرمها مجلس النواب اللبناني ويتطلع الجانب القبرصي الى تعديلها بعدما حدد لبنان حدوده البحرية الجنوبية. الا انه خلال اللقاء بينه وبين ميقاتي لم يطرح اعادة التفاوض من جديد، لكن الرسالة كانت ان الحكومة الحالية لا تستطيع البت بهذا الموضوع لانها حكومة تصريف اعمال، وان الموضوع يحتاج الى وجود رئيس جمهورية كي يتم ابرام اي معاهدة بين البلدين، علما ان الباب ابقي مفتوحا لامكان عقد لقاء بين وزير الاشغال اللبناني علي حميه ونظيره القبرصي المعني بملف الترسيم. لم يكن خافيا على الجانب اللبناني ان الجانب القبرصي يرغب في ان يتم الاعلان خلال الزيارة عن الانتهاء من المفاوضات في ما خص اتفاقية الترسيم بين لبنان وقبرص على اعتبار انه تم الاتفاق على كافة البنود الواجب تعديلها على متن هذه الاتفاقية خلال الزيارة التي قام بها الوفد القبرصي المختص الى لبنان خلال شهر تشرين الاول( اكتوبر) الماضي قبل اربعة ايام من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. لكن الجانب اللبناني ابلغ القبارصة بانه لن يتم توقيع هذه الاتفاقية خلال الزيارة بحجة ان التقرير الذي صدر عن اللجنة المكلفة بالتحضير والاعداد لمشاريع تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة من الجهتين الغربية والشمالية برئاسة وزير الاشغال اشار الى احقية لبنان بمساحة اضافية وبالتالي اعادة التفاوض مع قبرص بحيث يشمل الترسيم اعتماد خط الوسط مع الظروف الخاصة من حيث التناسب مع اطوال الشواطىء.
ثمة معطيات تقول بان لبنان ليس بحاجة الى معاهدة مع قبرص يتولى التفاوض فيها رئيس الجمهورية وتقر في مجلس النواب، ويمكن بالتالي اعتماد الطريقة نفسها التي اعتمدت لترسيم الحدود البحرية الجنوبية لاسيما وان لبنان يعتبر ان اتفاق الترسيم الموقع مع الجزيرة في العام 2007 كان مجحفا بحقه وتشوبه ثغرات ادت الى خسارة مساحة من المنطقة الاقتصادية الخالصة، وكانت هناك توصية بالطلب الى الجيش اعتماد آلية ترسيم جديدة تأخذ في الاعتبار الخط الوسط مع ما يسمى بـــ " الظروف الخاصة" و" التناسب في اطوال الشواطىء استنادا الى اجتهادات قضائية في قضايا مشابهة في العالم واعداد مشروع مرسوم لتعديل المرسيوم 6433 باعتماد الاحداثيات الجديدة، واعداد اتفاق اطار مع قبرص لادارة الحقوق المشتركة، والطلب الى قبرص اعادة التفاوض على ضوء الاحداثيات الجديدة وتسجيلها لدى الامم المتحدة. وتقول مصادر حكومية معنية ان امام لبنان مرحلة جديدة تخرجه من المأزق الذي حصل في ايام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، كما انه يشكل استدراكا للاستعجال الذي ابدته الحكومة القبرصية بعد توقيع اتفاق الترسيم في الجنوب في تشرين الاول( اكتوبر) الماضي. والموقف اللبناني الذي ابلغ الى قبرص يتلخص بان النقطة الاساس لم تعد كما حصل ايام حكومة الرئيس السنيورة بل هي النقطة 23 التي اعتمدت لترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع اسرائيل، وبالتالي سقطت هذه المعاهدة القبرصية بموجب مفاعيل اتفاق الترسيم مع اسرائيل واعتراف القبارصة بهذه المفاعيل. وتلفت المصادر الحكومية الى ان الاتفاقية مع قبرص لم تصدق وهي غير سارية المفعول، علما ان البند الثاني من المادة الخامسة ينص على انه يصبح هذا الاتفاق ساري المفعول عند تبادل الطرفين وثائق الابرام. وتعلم قبرص- وفق المصادر نفسها- ان لبنان لم يبرم الاتفاقية ولا يمكنها بناء مصالحها على اساس اتفاقية غير نافذة. كذلك لم ترسم قبرص حدودها رسميا مع لبنان، بل عيّنت حدود " بلوكات" النفط التي تدعي ملكيتها وهذا لا يعد ترسيما. علما ان لبنان لن يضر بمصالح قبرص في حال اعادة التفاوض لاني اي تنقيب لم يبدأ في " البلوكات" القبرصية 3و9و13 القريبة من الخط مع لبنان كونها متنازعا عليها مع " جمهورية شمال قبرص التركية". على العكس، فقد اضرت قبرص بمصالح لبنان عندما اعتمدت في ترسيم الحدود مع اسرائيل النقطة رقم 1 بدل النقطة 23 في 17 كانون الاول( ديسمبر) 2010، على رغم تبلغها ان لبنان عدل هذه النقطة قبل خمسة اشهر في 14 تموز ( يوليو)، 2010، ادى ذلك الىى اعتماد اسرائيل النقطة رقم 1 لرسم الخط 1 وضيّع على لبنان مساحة واسعة من مياهه، قبل ان يسترد اتفاق تشرين الاول الماضي معظمها.
ويشير تقرير ديبلوماسي اعد قبيل زيارة ميقاتي والوفد الوزاري الى قبرص الى وجود ملف آخر بين البلدين لا يزال عالقا وهو اتفاقية الاطار المتعلقة بتقاسم الحقول المشتركة والتي ارسل الجانب القبرصي ملاحظاته عليها وهو في انتظار الرد اللبناني عليها. وتقوم هيئة ادارة النفط حاليا بدراسة هذه الملاحظات، علما ان هذه الاتفاقية لا يمكن توقيعها قبل الاتفاق على الحدود البحرية بين البلدين كونها تتعلق بكيفية تقاسم الحقول المشتركة بينهما.