تفاصيل الخبر

حادثة العاقبية: تداعيات سلبية اذا لم تكشف الملابسات ويسلم مطلقو النار على الدورية الايرلندية

22/12/2022
حادثة العاقبية: تداعيات سلبية اذا لم تكشف الملابسات ويسلم مطلقو النار على الدورية الايرلندية

مسرح الحادث والسيارة المصابة

ما حصل في بلدة العاقبية في جنوب لبنان الاسبوع الماضي بين مجموعة من اهالي البلدة وقافلة من سيارتين عسكريتين ايرلنديتين من القوة الدولية العاملة في الجنوب( اليونيفيل) والذي ادى الى مقتل جندي ايرلندي وجرح ثلاثة من رفاقه، لا يمكن فصله عن الاجواء الضاغطة القائمة بين اهالي عدد من البلدات الجنوبية والقوة الدولية على خلفية سلسلة حوادث وقعت في منطقة عمليات " اليونيفيل" او خارجها ظلت في نطاق " الاحتكاكات" ولم يحصل فيها اطلاق نار مباشر على دورية دولية كما حصل في بلدة العاقبية تلك الليلة. ولعل ما زاد " الضغط" في العلاقة بين الاهالي والجنود الدوليين التعديل الذي حصل على قرار التمديد للقوة الدولية الذي اتخذه مجلس الامن الدولي في اواخر شهر آب ( اغسطس) الماضي والذي اجاز فيه لهذه القوات بحرية التحرك في منطقة انتشارها والقيام بدوريات مع وحدات من الجيش اللبناني او من دونها، الامر الذي اعتبره حزب الله تجاوزا لما هو متفقا مع الدولة اللبنانية وذهب الى حد طرح تساؤلات عن الجهات الداخلية التي تقف وراء هذا " التواطؤ" في تعديل القرار الذي يصدر روتينيا كل سنة من دون تعديل، فكيف مرّ التعديل في التمديد الاخير ولاي غاية. واذا كان الجواب معروفا الى حد ما عن سبب التعديل، وهو اعطاء صلاحيات لــ " اليونيفيل" تضمن حرية تحركها بعد المضايقات التي تعرضت لها من حين الى آخر واعاقت عملها في تنفيذ القرار 1701، فان الواضح ان ما حصل في بلدة العاقبية ستكون له تداعيات بدأت طلائعها من خلال ردود الفعل المحلية والاقليمية والدولية، وسوف تتصاعد الى ان يصل موعد التمديد المقبل حيث سيكون من الصعب اقناع اعضاء مجلس الامن بالاستمرار في قبول الصيغ " السهلة" التي كانت توضع لمشروع القرار بقلم فرنسي سرعان ما يحظى بتأييد الدول الاعضاء ما يؤمن مرور التمديد بسلاســـة. 

في اي حال لن يكون من السهل التنبؤ بما ستؤول اليه التحقيقات التي تجريها السلطات اللبنانية والقيادة الدولية والدولة الايرلندية التي اوفدت لجنة تحقيق خاصة بالحادث استمعت وحدها، دون الجانب اللبناني، الى افادات الجرحى حول ملابسات ما حصل، لاسيما وان الدورية الايرلندية كانت في منطقة خارج منطقة العمليات الدولية وفي طريقها الى بيروت ودخلت احياء داخلية بدلا من ان تواصل سيرها على الاوتو ستراد الدولي، وهو المسار الطبيعي للقوافل الدولية عندما تتحرك من منطقة العمليات الدولية الى خارجها او الى بيروت كما كان حال الدورية المستهدفة، وعلى رغم كثرة الروايات التي ترددت حول الحادث، وافادات عدد من الشهود والمعطيات التي توافرت لدى " اليونيفيل"، فان باب التوقعات والتحليلات سرعان ما فتح على مصراعيه ولم يبق محلل سياسي و ممن يسمون انفسهم بــ " الخبراء" الا وادلى بدلوه حول الحادثة وملابساتها لاسيما طرح علامات الاستفهام حول خروج سيارة من السيارتين عن الخط ودخولها احياء بلدة العاقبية حيث كان " شبان" البلدة يتابعون احدى مباريات كأس العالم في كرة القدم وقالوا انهم " استفزوا" بتحرك الدولية داخل بلدتهم، وكان ما كان، الا ان اللغز بقي في الاسباب التي دفعت الى طلاق النار في اتجاه الدورية ما ادى الى مقتل السائق وانقلاب السيارة العسكرية بعد اصطدامها بحائط ما ادى جرح ثلاثة من رفاقه اصابة احدهم خطرة ما استوجب نقله الى ايرلندا للعلاج، اضافة الى الهوية السياسية لمطلق- او مطلقي- النار، علما ان هذه المنطقة، اسوة بغيرها من البلدات على طول الخط الساحلي، تحت نظر حزب الله وحركة " امل"، الامر الذي جعل اصابع الاتهام توجه الى عناصر من هذين التنظيمين، مع ترجيح صوب حزب الله المعتبر الضامن لامن تلك المنطقة وصاحب الكلمة الفصل ما جعل الانظار تتركز عليه اسوة في كل مرة حتى غدا مثل " شماعة" تعلق عليه كافة الاحداث الامنية في الجنوب ولاسيما " الصدامات" مع " اليونيفيل".

التحقيق الشفاف ضرورة للمعالجة

وبين ردود فعل داخلية تصعيدية، وردة فعل اممية وايرلندية متوازنة ومبررة، كان القاسم المشترك ضرورة اجراء تحقيق شفاف وتحديد المسؤولية وتسليم الفاعل او الفاعلين، وهو امر قد يجد طريقا الى التجاوب لاسيما وانه كان يمكن لمطلقي النار الا يصوبوا بالمباشر على اعلى السيارة ما ادى الى اصابة السائق برصاصة من الخلف، ويكتفوا باطلاق النار ارهابا او على اطارات السيارة لتعطيلها، الا ان التصويب المباشر جعل منسوب الظنون يرتفع ومعه الشكوك بان وراء الاكمة ما وراءها وان المجموعة التي تصدت للعسكريين الايرلنديين كانت تعرف ماذا تفعل، ولم يكن بالتالي تحركها عفويا وان كان اتى نتيجة دخول الالية العسكرية الايرلندية بالخطأ الى احياء البلدة الداخلية. لكن ثمة مراجع ترى بان الوصول الى نهاية مضمونة في التحقيق قد يأخذ وقتا طويلا على رغم تأكيدات الرئيس نجيب ميقاتي لدى زيارته مقر القيادة الدولية في الناقورة وكذلك زيارة وزير الدفاع موريس سليم الى مقر الكتيبة الايرلندية العاملة في " اليونيفيل" ومستشفى حمود حيث كان يعالج الجنود، بان التحقيق سيأخذ مجراه وان عقوبات ستنزل بالمرتكبين وغيرها من الوعود التي تطلق في مثل هذه الحوادث من دون ان يعني انها ستنفذ كاملة او بسرعة. واذا كان حزب الله نأى بنفسه عن الحادثة نافيا اي دور له فيها سوى اغاثة المصابين وتأمين سلامتهم قبل ان يحضر الجيش الى البلدة ويضع يده على التحقيق، فان اصابع الاتهام في الداخل والخارج على السواء ذهبت في اتجاه حزب الله في الحالتين، الاولى سيناريو الحادثة بحد ذاته، والثانية قدرته على تسليم المرتكبين الى العدالة لان المنطقة تقع تحت نفوذه الامني والسياسي والمرجعي. وتشير المعلومات المتوافرة ان الحزب ابدى كل رغبة في التعاون لجلاء ملابسات الحادثة، مع التشديد على ضرورة استمرار حسن العلاقة بين الاهالي و" اليونيفيل".

 

توقيت ملتبس للحادث

وترى مصادر متابعة ان خطورة هذا الحادث تكمن في نقاط عدة لعل ابرزها وقوعه بعد اشهر قليلة من التمديد لــ " اليونيفيل" الذي تم هذه السنة في ظروف مختلفة عن السابق، ما يعطي الحجة للمعترضين على وجود مقاتلي حزب الله داخل منطقة العمليات الدولية خلافا لمندرجات القرار 1701، خصوصا ان الشكوى استمرت من وجود " مسلحين" داخل المنطقة الدولية، وكذلك وضع مستوعبات في عدد من نقاط ما يعرف بــ " الخط الازرق" ، واقامة حقول تدريب، وكل هذه المخالفات موثقة بالصورة والصوت لعمل الامم المتحدة والسلطة اللبنانية التي لم تحرك ساكنا لرفع مخيمات التدريب على الاقل. كذلك تكمن خطورة ما حصل في كون الحادثة وقعت بعد الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية برعاية اميركية والذي اشاع اجواء هادئة في المنطقة الحدودية انعكس ايجابا على الداخل اللبناني، ما يدعو الى الظن بان ثمة من يحاول اعادة عقارب الساعة الى الوراء واحداث توترات في المنطقة الجنوبية توطئة لاحداث اكثر اهمية تطيح بالاستقرار القائم فيها. وفي رأي المصادر نفسها ان عدم معالجة ما حصل على نحو جدي وصارم، سيزيد من خطورة الحادثة ويعمم مفاعيلها السلبية على نطاق واسع ما يشكل خطرا على العلاقة بين الاهالي والقوات الدولية بصرف النظر عن الدول التي تنتمي اليها. ولعل هذا التخوف هو الذي دفع الى توجيه دعوات اوروبية الى حزب الله لوقف " التحريض" على " اليونيفيل" الذي سبق التمديد لها واستمر بعد صدور القرار الذي منح " اليونيفيل" الحق في حرية التحرك وتسيير دوريات من دون مواكبة الجيش اللبناني وقوبل يومها بانزعاج من حزب الله على اساس ان التعديل الذي ادخل على قرار التمديد سيؤدي الى تغيير في قواعد الاشتباك.

وفي هذا السياق، يكشف مصدر ديبلوماسي أن الوحدات العاملة في نطاق القوات الدولية، بصرف النظر عن الدول التابعة لها أكانت أوروبية أم آسيوية، تتصرف حسب الأصول مع الجنوبيين، وتحديداً لدى مرورهم أمام الحواجز التابعة لها، ويؤكد أنها تتقيّد بآداب السلوك المنصوص عليها في الكتيّب الذي وُزّع على عناصرها، بما فيها كيفية التعاطي مع النساء. ويسأل: من المستفيد من وراء شحن نفوس الجنوبيين ضد القوات الدولية، خصوصاً لدى تسييرها للدوريات، ويعمل على تعبئتها تارة تحت ستار تجاوزها للخطوط الحمر المرسومة لها في منع دخولها للأحياء السكنية، وتارة أخرى بقيام عناصرها بالتقاط الصور المشبوهة، وهذا ما أدى إلى افتعال أجواء غير مريحة في تعاطيها مع الأهالي وإلصاق التُّهم بها؟

كما يسأل عن الجدوى من إصدار أحكام مسبقة على بعض الوحدات في القوات الدولية تحت عنوان أنها تعمل لصالح إسرائيل بتجميعها للمعلومات الأمنية، وكأن تل أبيب تفتقد إلى التقنيات التي تُستخدم عادة في رصدها لما يحصل في منطقة جنوب الليطاني، وليس لديها من طائرات الاستطلاع والمسيّرات لالتقاط الصور وتحليلها. وفي هذا السياق يتوقف المصدر نفسه أمام الأسباب التي تدفع باتجاه تبدُّل العلاقة بين القوات الدولية وبعض «الأهالي» إلى رفع منسوب الاحتقان والتحريض، بخلاف ما كانت عليه منذ وصولها إلى لبنان وتمركزها في الجزء الحدودي الأكبر للبنان الذي احتلته إسرائيل في اجتياحها الأول للجنوب.

اسئلة حزب الله للقيادة الدولية

     في المقابل تطرح مصادر حزب الله سلسلة اسئلة حول ملابسات ما حصل لاسيما وان الساحل الممتد من الاوزاعي الى الناقورة يخضع لمراقبة الحزب في سياق التحسب لاي اعتداء او خرق اسرائيلي وان " اليونيفيل" تعرف هذا الواقع وتدرك حساسية هذا الخط. وتضيف المصادر نفسها ان التحقيق الذي يجريه الحزب يدور حول مجموعة اسئلة طرحها على قيادة " اليونيفيل" ومنها ما هو المبرّر او التفسير لخروج المركبة الدولية عن الاوتوستراد الأساسي على نَحو غير مألوف، وسلوكها الخط البحري القديم الذي لم يعد يستعمله سوى أبناء المنطقة المحليين؟ ولماذا لم يتم أصلاً تنسيق الانتقال من الجنوب الى بيروت مع الجيش وفق العرف السائد؟ واذا كان الجنود قد ضلّوا طريقهم، لماذا لم يستدركوا الأمر باكراً ويعيدوا تصويب اتجاههم في الدقائق الأولى التي أعقَبت تغيير مسارهم عوضاً عن التوغّل في منطقة ليس معهودا ان تمر فيها «اليونيفيل»؟ وألم يكن ممكناً ان تتوقف "المركبة الضالّة" في مكانها للتواصل مع الناقورة او مع الجيش من أجل مساعدتها بدل التصرف بتوتر انعكسَ هلعاً في صفوف المواطنين الذين كانوا موجودين آنذاك؟ ثم أين كانت المركبة الثانية وكيف تصرفت بعد انفصال المركبة الأخرى عنها علماً انّ المسافة الفاصلة بينهما ليست طويلة ويُفترض انهما على تواصل مستمر؟.

 

في اي حال، وصول التحقيق الجاري الى نهايات واضحة حول اسباب ما حصل وظروفه، هو الذي يخفف من سلبية الحادثة وتداعياتها، اما التعاطي مع هذا الملف بعدم مسؤولية فانه سيؤدي الى تداعيات سلبية يدفع ثمنها لبنان مرة اخرى، وربما يؤدي الى بداية انسحاب وحدات دولية من الجنوب، وهنا يكمن سر حادثة العاقبية!