من غير الواضح ما اذا كان اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي برئيس " تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل في منزل رجل الاعمال علاء خواجه، قد نجح في تذليل عقدة مستعصية تتعلق برفض ميقاتي طرح باسيل بان يوقع وزراء الحكومة الـــ 23 مع رئيس الحكومة على كل المراسيم التي تصدر عن حكومة تصريف الاعمال كما كان الحال في زمن حكومة الرئيس تمام سلام، او اللجوء الى بدعة " المراسيم الجوالة" مع التواقيع الـــ 24، ذلك ان المعلومات التي رشحت عن اجتماع ميقاتي – باسيل اشارت الى استمرار التباين في وجهات النظر بين الرجلين وان كان اتفقا بصورة غير مباشرة على " هدنة" اعلامية وسياسية اقله خلال فترة الاعياد. وعليه فان مفاعيل وترددات جلسة 5 كانون الاول( ديسمبر) لحكومة تصريف الاعمال لا تزال مستمرة على اكثر من خط، والتطور الابرز كان من خلال تغيير وزير الدفاع موريس سليم صيغة التواقيع على مرسوم رفعته اليه الامانة العامة لمجلس الوزراء في شأن المساعدات للعسكريين، واعتماده صيغة الـــ 24 وزيرا، ما دفع رئاسة الحكومة ان تعلن عبر وسائل الاعلام انها طلبت من الوزير التوقيع على المرسوم بالصيغة التي اعدتها الامانة العامة. وهكذا انتقل الجدل " المرئي" حول التواقيع الــ 24، الى جدل " منظور" مع غياب اي تفسير واحد للنصوص الدستورية التي ترعى آلية اتخاذ مجلس الوزراء لقراراته في ظل حكومة تصريف الاعمال، ذلك ان الدستور الذي نص على انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعا في حال خلو سدة الرئاسة لاي حلة كانت، لم يبين كيفية ممارسة مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة مكتفيا باناطة هذه السلطة بمجلس الوزراء من دون تعيين بقية التفاصيل مما اوجد ارباكا في التطبيق عندما يكون مجلس الوزراء غير متجانس وتغلب الخصومة والمنازعة بين اعضائه.
والواقع ان التجارب السابقة في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية بعد الطائف لم تكن موحدة ولا متشابهة ما يزيد الامور تعقيدا مع غياب معيار واحد يصار الى اعتماده. ففي حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي وصفت بــ " الحكومة البتراء" لم تتم اثارة مسألة تواقيع الوزراء خلال فترة الشغور بعد انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود لانها كانت حكومة متجانسة بين اعضائها بعد استقالة الوزراء الشيعة والوزير يعقوب الصراف تضامنا مع زملائه الشيعة. اما في حكومة الرئيس تمام سلام التي تولت صلاحيات الرئيس ميشال سليمان بعد انتهاء ولايته، فتم اعتماد قاعدة توقيع الوزراء الـــ 24 ( بمن فيهم رئيس الحكومة) على المراسيم اذا ارادوا ذلك او يكتفي بغالبية الثلثين علما ان القرارات كانت تصدر بموافقة جميع الوزراء وكان حصل خلاف بين الرئيس سلام وعدد من الوزراء حول هذه المسألة انتهى باعتماد صيغة الـــ 24 او من يرغب من الوزراء شرط موافقة مجلس الوزراء قبل اعداد المراسيم. اما مع حكومة الرئيس ميقاتي فقد برزت مشكلتان، الاولى حول انعقاد حكومة تصرف الاعمال بصيغة مجلس الوزراء، والثانية مسألة توقيع المراسيم من جميع الوزراء خصوصا بعد التبديل الذي احدثه وزير الدفاع في صيغة المرسوم الذي ارسلته الامانة العامة والذي اعد تنفيذا لقرار مجلس الوزراء. وفي هذا السياق برزت وجهات نظر عدة منها من يؤيد نظرية التواقيع الـــ 24، ومنها من يعارضها. وحسب استاذ القانون الدستوري عصام اسماعيل ان المبدأ المقرر في المادة 28 من مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء ينص على أن قرارات مجلس الوزراء ملزمة لجميع أعضاء الحكومة وفقاً لمبدأ التضامن الوزاري. وعلى الوزير المختصّ تبعاً لذلك الالتزام بتوقيع مشاريع المراسيم تنفيذاً لهذه القرارات".ويُذكر أن سابقة شهدتها الحكومة عندما رفض وزير العمل شربل نحاس التوقيع على مشروع مرسوم تولّى التوقيع وزير العمل بالوكالة نقولا فتوش، وبسبب أزمة الامتناع عن التوقيع استقال الوزير نحاس. ويوضح إسماعيل "إلا أن هذا النص يفترض أن يكون الوزير الممتنع عن التوقيع ممارساً صلاحياته الدستورية أي حاضراً للجلسة التي وافق في خلالها مجلس الوزراء على مشروع المرسوم، وأبدى ملاحظاته عملاً بالمادة 12 من مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء التي تعطي الكلام في البداية للوزير المختص".ويعرض إسماعيل لموقف المجلس الدستوري من حضور الوزير جلسات مجلس الوزراء، ولا سيما القرار الصادر في 22 تموز(يوليو) 2020 ليؤكد أنه "إذا أصرّ وزير الدفاع على عدم التوقيع بسبب عدم حضوره الجلسة ولا مناقشته مشروع المرسوم المطروح، فإنه ليس أمام رئيس مجلس الوزراء أي وسيلة لإلزامه بالتوقيع".وبناءً على ذلك فإن مصير المراسيم إذا أصر الوزير أو وزراء آخرون على عدم التوقيع عليها سيبقى غامضاً.الا ان ثمة من رأى ان الحل موجود من خلال اعتبار الوزير الممعني- وهنا وزير الدفاع- غائبا ويمكن ان يحل مكانه في التوقيع الوزير بالوكالة حسب مرسوم توزيع الحقائب الوزارية على الوزراء بالوكالة. لكن هذا الرأي لا يزال قيد الدرس قبل اعتماده.
وزير العدل: مراسيم جوالة او 24 توقيعا
في المقابل يرى وزير العدل القاضي هنري خوري من وجهة نظر قانونية أنّ عقد جلسة للحكومة "تجاوز للدستور وهذا كارثة"، ويقول "هناك أصول وقواعد دستورية ملزمة تتعلق بانعقاد جلسة مجلس الوزراء لحكومة مستقيلة، وقرارات لمجلس شورى الدولة بهذا الخصوص لا يمكن التغاضي عنها".
ويضيف "كما في اجتماع اللقاء الوزاري التشاوري كذلك في اجتماع اللجنة الوزارية قلت الموقف ذاته والذي سبق وأبلغته لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي. حين تستقيل الحكومة أو تعتبر مستقيلة فهي لا تتمتع بمسؤوليات سياسية لا تجاه البرلمان ولا تجاه أي جهة أخرى، وعملها يقتصر على تصريف أعمال يومية عادية لا تستوجب إجتماعاً لمجلس الوزراء". فكيف بالحري و"نحن أمام واقعين، غياب رئيس الجمهورية، وحكومة مستقيلة لا تتمتع بصفة حكومة كاملة الصلاحية". ويضيف "اذا أرادت الحكومة القيام بأعمال تتجاوز الأعمال العادية تصبح حكومة مسؤولة في وقت هي حكومة غير مسؤولة. لهذا السبب ينص الدستور على عدم اجتماعها إلا وقت الضرورات القصوى التي تفرضها ظروف إستثنائية كاملة". ويحدد الأعمال العادية على أنها " تلك القرارات اليومية الروتينية والتي يوقعها الوزير ببساطة بعد الإطلاع عليها"، أما الأعمال الملحة "فتخرج عن نطاق الأعمال العادية ولا يمكن اتخاذها إلا في حالات الطوارئ وتبقى خاضعة للرقابة القضائية لمجلس شورى الدولة لأن لا رقابة برلمانية"، على أن "هذه الأعمال المهمة هي تلك التي تتطلب توافقاً بشأنها وإلا تجاوزنا نص الدستور وخالفنا التوزان القائم للتعاون بين السلطات". خوري يعارض قول ميقاتي بعدم دستورية المراسيم الجوالة ويراها حلاً دستورياً لعمل الحكومة ويصر على أنّ جدول قرارات الحكومة يجب أن يقترن بتوقيع 24 وزيراً وإلا كانت عرضة للطعن أمام مجلس شورى الدولة، ويضيف "بحسب البند السادس من المادة 64 من الدستور الذي يُحدد جدول الأعمال بعد اطلاع رئيس الجمهورية عليه والذي له الحق في التباحث مع رئيس الحكومة ولا يكتفي رئيس الحكومة بتبليغ رئيس الجمهورية بشأنه، ومن يحل مكان رئيس الجمهورية هم الوزراء الـ24 مجتمعين»، محيلاً الخلاف إلى الإجتهاد الصادر عن مجلس شورى الدولة والذي يتحدث عن أن مسؤولية الحكومة تنتهي حين تستقيل، وحيث أن زوال المسؤولية هو الذي يحدد نطاق الأعمال العادية التي يوكل إلى الوزارة المستقيلة تصريفها. إذاً فإن السماح بتجاوز نطاق هذه الأعمال يؤدي الى قيام حكومة غير مسؤولة بأعمال تخضع للمسؤولية مع ما يترتب على هذا التجاوز من مخالفة أعمال الدستور وقاعدة نظام الحكم الذي يعتمده ".وبرأيه "كان يمكن تلافي عقد الجلسة الحكومية من خلال المراسيم الجوالة، لأنّ الإنعقاد مرهون بالحالات الإستثنائية كالحرب والزلزال وما شابه". ويؤكد الوزير خوري ان "رئيس الحكومة لا يقبل بتوقيع الـ24 وزيراً. خلافا للمادة 65 من الدستور التي تتحدث عن إناطة صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة بمجلس الوزراء أي الوزراء الـ 24 والمادة 781 موجبات وعقود تنص على انّه إذا عيّن عدة وكلاء بوكالة واحدة ولأجل مسألة واحدة فلا يجوز أن يعملوا منفردين إلّا بترخيص صريح بهذا الشأن ولا يمكن لممثل واحد منهم أن يقوم بعمل إداري في غياب الآخر وإن كان من المستحيل على الغائب أن يعاونه في هذا العمل. لكن مثل هذا الواقع سبق واعتمدته حكومة تمام سلام وصدر تعميم عنه في العام 2016 رقم 20 يكرر ضرورة إتباع الأصول والقواعد الدستورية المتعلقة بالحالات الطارئة المبررة لإنعقاد مجلس الوزراء في حالة الحكومة المستقيلة".
ميقاتي يرفض صيغة الـــ 24 وزيرا
في مقابل كل هذا الجدال والمواقف المتناقضة لا يبدو الرئيس ميقاتي في وارد القبول بتواقيع الوزراء الـــ 24 او بالمراسيم الجوالة، ومصادره تشدد على أن "الأزمة الحالية أزمة سياسية وليست أزمة دستورية طالما الدستور واضح ولا يتحدث بتاتاً عن وجوب توقيع كل الوزراء على المراسيم في حالة الشغور الرئاسي أو غيره"، لافتة إلى أن "المرسوم الصادر بخصوص المساعدات الاجتماعية للعسكريين تم بحسن نية من ميقاتي بعدما لحظت الموازنة التي أقرها مجلس النواب هذه المساعدات، لكن كان هناك ثغرة مرتبطة بالتمويل". وتضيف المصادر "رفض وزير الدفاع التوقيع على هذا المرسوم سيحرم العسكريين من مساعدات كانوا بأمس الحاجة إليها عشية الأعياد"، معتبرة أن "ما يحصل أبعد من موضوع مرسوم إنما يهدف إلى شل عمل الحكومة. هي كما قلنا أزمة سياسية لا دستورية يحاولون إعطاءها طابعاً دستورياً لإضفاء نوع من الشرعية عليها".وتنتقد المصادر الدعوة لاعتماد المراسيم الجوالة التي اعتمدت في فترة الحرب حين كانت المناطق منقطعة عن بعضها البعض، مؤكدة أن "ميقاتي يتقيد تماماً بالدستور ولا يعنيه إلا مصلحة الناس والبلد، وأبعد ما يكون عن سياسة التحدي والنكايات".ويشدد رئيس مؤسسة "جوستيسيا" الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص، على أن مجلس الوزراء بحالته الحالية يجب أن يجتمع وجوباً وليس جوازاً عند حصول طارئ ما، حيث يناقش بنوداً بالحد الأدنى الضروري لا يمكن تأجيلها للحكومة المقبلة تحت طائلة إلحاق الضرر بالمرفق العام أو شل الخدمات العامة بالبلاد، لافتاً قي تصريح لـ"الشرق الأوسط" إلى أنه "متى حصل الاجتماع واتخذ قرار ما، المرسوم يخضع للمادة 65 من الدستور بحيث يتم التوافق أو التصويت بالأكثرية". ويضيف: "ما درجت عليه حكومة تمام سلام لجهة وجوب توقيع كل الوزراء على مرسوم ما، لا ينشئ عرفاً، فما حصل بذلك الوقت تم من باب عدم التعسف في ممارسة صلاحيات الرئيس. لكن بنهاية المطاف الضمانة التوافقية يجب ألا تعطل العمل الدستوري والمؤسساتي طالما نحن بصدد مراسيم ضرورية". ولا يؤيد مرقص المراسيم الجوالة؛ "لأنها استحضار لاستثناء جرى خلال الحرب ولا يستقيم حاضراً؛ لأنه لا يجوز حرمان الوزراء من حق المناقشة، وبالتالي المعارضة أو التحفظ على قرار ما".