ليس سرا ان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مستاء مما آل اليه الاستحقاق الرئاسي من شغور في موقع الرئاسة الاولى بعد تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون على رغم الدعوات المتكررة التي كان اطلقها في عظات الاحد وخارج اطار العظات من اجل انجاز هذا الاستحقاق. وليس سرا ان البطريرك " منزعج جدا" من مواقف القيادات المسيحية عموما، والمارونية خصوصا التي تتباعد بعضها عن البعض الاخر يوما بعد يوم وتشتد المواجهات الكلامية في ما بينها ما يجعل انجاز الانتخابات الرئاسية بعيد المنال في الظرف الراهن على الاقل. وعلى رغم ان المرشحين المحتملين " والطبيعيين" يتوافدون الى بكركي ..... الا ان البطريرك يحرص في كل مرة تزوره شخصية هي " مشروع رئيس" على القول بان بكركي على مسافة واحدة من الجميع وهي لا تتبنى اي من المرشحين لاسيما اولئك الذي يعمدون الى الادلاء بتصاريح من بكركي للايحاء بوجود دعم بطريركي لهم- صحيح ان البطريرك لطالما حذر من الشغور الرئاسي وانعكاساته السلبية، الا انه في المقابل لم يتردد في ابلاغ زواره، اللبنانيين والعرب والاجانب، بانه ينبغي العمل على تأمين التوافق على شخصية مسيحية اولا، على ان يوافق عليها الاخرون من منطلق ان الرئيس يحتاج الى توافق مسيحي ووطني. اما اذا تعذر الوصول الى مثل هذا التوافق، فلتكن الكلمة الاخيرة لصندوقة الاقتراع في مجلس النواب بحيث يمارس النواب حقهم الدستوري في انتخاب من ينال اكثرية الاصوات على مراعاة مبدأ الميثاقية الذي هو الاساس في خطوة كتلك المتعلقة بانتخاب رئيس للبلاد. لذلك رفع البطريرك لاءات ثلاث، الاولى لا لتسليم حكومة تصريف الاعمال صلاحيات رئاسة الجمهورية، ولا للسير بمرشحين استفزازيين، ولا لاطالة الفراغ الرئاسي خوفا من ان تتداخل الامور وتتعقد العملية الانتخابية اكثر فاكثر وتدخل البلاد في متاهات خطرة جدا لان تداعيات الفراغ كبيرة ومعقدة. ووفق المعلومات، فان بكركي ايضا مستاءة من المماطلة في تمييع الاستحقاق، ومن أداء القيادات المسيحية المتناحرة، والتنافس الجاري بينهم على السلطة والمكاسب السياسية، وبرأي المقربين من بكركي، ان الذي يسأل عن ضياع صلاحيات الرئاسة الأولى والمتخوف من سطو الحكومة على صلاحيات الرئاسة، ان يبادر لانتخاب رئيس للجمهورية، ويضع الخلافات جانبا، ومع ذلك يقول المقربون، لا نية لبكركي او رغبة بدعوة القيادات المسيحية الى طاولة حوار في ظل الانقسامات والاصطفافات الحادة، فالانقسامات المسيحية عميقة، ولن يتسنى لأي طاولة ان تصلح ما أفسدته السياسية بين قيادات الطائفة. ويسجل العارفون، استياء الراعي من الانقسامات والمناورات التي ينفذها المرشحون في مرحلة التسابق نحو كرسي الرئاسة الأولى، فبدل تحسين الظروف مع الدخول في الفراغ الخطر المفتوح على كل الاحتمالات والاختبارات، يزداد التشرذم المسيحي حول السباق نحو بعبدا، ويُنقل عن المطلعين على الحركة الرئاسية، ان أحدا من القيادات المارونية ليس في وارد التراجع، وهذا ما يقلق بكركي التي تتخوف من استمرار التشرذم المسيحي وعودة الانقسامات العمودية، التي أدت في الماضي الى أحداث دموية، قبل ان تطوى الصفحة السوداء وتحصل المصالحات بين التيار و"القوات" في تفاهم معراب، وبين سليمان فرنجية وسمير جعجع لاحقا.
المؤتمر الدولي اذا تعذر الاتفاق
وتؤكد مصادر الصرح البطريركي الماروني ان كل ما يحصل حاليا يندرج في اطار " حرق" الاسماء، ذلك انه في حين يطرح احد الفرقاء اسما معينا يرفضه الفريق الاخر فقط لانه لم يصدر عنه، لذلك امتنعت بكركي- لهذا السبب ولغيره من الاسباب- عن الاعلان عن تأييدها لهذا الاسم او ذاك، والتزمت الحياد في اختيار المرشحين وان كان من بينهم من تجد فيه بكركي قدرة وكفاءة على تحمل المسؤولية الدقيقة والصعبة في هذه المرحلة. وتضيف المصادر ان الاهتمام البطريركي بالاستحقاق الرئاسي الذي له الاولوية راهنا، لا يلغي اهمية مطالبة البطريرك بانعقاد مؤتمر دولي من اجل لبنان خصوصا اذا ما تعرقلت عملية انتخاب الرئيس وامتدت الازمة اشهرا كما سبق ان حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان لان الواقع الر اهن يؤكد ان الاستحقاق الرئاسي هو استحقاق داخلي، لكن له امتداداته الخارجية بدليل المواقف التي تصدر عن مسؤولين عربا ودوليين، فضلا عن المعلومات التي تؤكد حصول لقاءات خارج لبنان مع مرشحين محتملين او " طبيعيين" ظلت بعيدة عن الاضواء ولم تعرف بحصولها الا قلة قليلة من الشخصيات اللبنانية. من هنا يبقى المؤتمر الدولي من اجل لبنان، كما تقترحه بكركي، فرصة ليس لتحديد هوية الرئيس العتيد، لتسهيل عملية انتخابه من خلال التوافق على ازالة العراقيل التي يمكن ان تعترض توافق اللبنانيين على اسم الرئيس، خصوصا ان الانتخابات الرئاسية السابقة ما كانت لتحصل لولا توافر دعم خارجي لاجرائها نظرا لارتباط بعض الكتل النيابية بــ " توجيهات" خارجية.
وردا على القائلين بان ثمة عقبات تحول دون انعقاد المؤتمر الدولي من اجل لبنان، يقول الوزير السابق سجعان قزي المقرب من البطريركية المارونية إنه "لو اعتبرنا أن فكرة المؤتمر الدولي أمامها عقبات، فأي فكرة أخرى تعتبر مسهّلة؟ هناك وضع في لبنان أشبه بامتناع عن الوصول إلى حلول، بدليل عدم انتخاب رئيس للجمهورية وغياب حكومة كاملة الصلاحيّة. وثمة عناصر غير متوفّرة لانعقاد مؤتمر لبنانيّ داخليّ لجهة وضع جدول أعمال يتداول في القضايا التي يشكو منها الشعب بدلاً من التشاور في ملف الكهرباء فحسب وتجاهل موضوع سلاح "#حزب الله" مثلاً. ويتمثل المعطى الآخر في عدم قدرة الوصول إلى اتفاق داخلي. وبات من الطبيعيّ وسط هذه الظروف أن يطرح البطريرك الراعي انعقاد مؤتمر دوليّ خاص بلبنان برعاية الأمم المتحدة، وهو دعا إليه برعاية الهيئة الدولية العالمية التي تجمع دول العالم بكامل أطيافها. وهي دعوة خيّرة يراد منها الخير ولا يجوز عرقلتها".ويلفت قزّي إلى أنّ "المؤتمر الدولي يُعقد لحظة تختمر اللحظة الدولية ويقرأ المجتمع الدولي والدول الفاعلة في الأمم المتحدة بأنها ساعة فرض حلّ للقضية اللبنانية، في وقت يصبح كلّ ما يظهر أنه مستحيلٌ راهناً، من الممكن السهل الوصول إليه غداً. ولا بدّ أن تأتي ساعة المؤتمر الدولي لأن الوضع اللبناني ذاهب إلى التفكّك الكليّ. وليس من الضروري أن يكون البديل انتخاب رئيس للجمهورية بل إعادة النظر في التكوين اللبناني من الناحية الجغرافية، وما يبرّر ذلك الحاجة إلى وجود إدارات تومّن المأكل والمشرب للناس. وفي حرب السنتين اضطر كلّ فريق للاستيراد والتصدير تأميناً لحاجة المجتمع"، مضيفاً أنه "في المقابل، يساهم الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية بالمبادرة للدعوة إلى هيئة حوار وطني. ولا يبدو أنّه في الإمكان قياس حجم الشغور الرئاسيّ قبل بروز مجموعة تطوّرات إقليمية ودولية بدءاً من معرفة مصير اتفاق فيينا إلى الانتخابات النصفية الأميركية، مروراً بكيفية تعامل الحكومة الإسرائيلية الجديدة مع اتفاقية الترسيم البحري وصولاً إلى معرفة إذا كان "حزب الله" مستعداً للدخول في الصيغة اللبنانية التقليدية".