مع نهاية شهر شباط( فبراير) الجاري، وبداية شهر آذار (مارس) المقبل، يدخل الشغور الرئاسي في لبنان شهره الخامس مع غياب اي مؤشر يدل على امكانية الوصول الى انجاز الاستحقاق الرئاسي في وقت قريب، لا بل على العكس، كل المعطيات تدل على ان لا امكانية راهنا لانتخاب رئيس الجمهورية مع استمرار المواقف السياسية على حالها وعدم حصول اي تقدم على صعيد الاتصالات الجارية، منها ما هو بعيد عن الاضواء ومنها ما هو معلن، اضافة الى ان الاجتماع الخماسي في باريس لم يحمل اي جديد بل بقي، كما هو معلوم في العموميات وتحديد المواصفات. كل ذلك يجري والبلاد امام واقع مؤسساتي دستوري مقلق: لا رئيس للجمهورية في المدى المنظور، ومجلس نيابي دخل مرحلة التعطيل هو ايضا بعد رفض كتلتين مسيحيتين كبيرتين" القوات اللبنانية" و" تكتل لبنان القوي" المشاركة في اي جلسة تشريعية قبل انتخاب رئيس الجمهورية، وانضم الى الكتلتين في هذا الموقف، تكتلات نيابية صغيرة عدديا، اضافة الى عدد من النواب المستقلين، اما بالنسبـــــة الى مؤسسة مجلس الوزراء فهي تعاني من " انقباض" في عقد الاجتماعات لان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي " يعد للعشرة" قبل الدعوة الى اي جلسة لمجلس الوزراء وعليه عرض جدول الاعمال مسبقا على 23 وزيرا لابداء الرأي، ويواجه دائما بالرفض من وزراء "تكتل لبنان القوي" على اساس ان رئيس التكتل النائب جبران باسيل يصف الحكومة باللادستورية واللاميثاقية والبتراء، ويدفع وزراء التكتل الى التغيب عن الجلسات. وهكذا بين مجلس دخل ايضا نفق التعطيل التشريعي، وبين حكومة تقف على " رجل ونصف" تواجه البلاد المزيد من التراجع وترتفع وتيرة المعاناة عند اللبنانيين ومعها اصوات المجتمعين على الاوضاع الاقتصادية المتردية والتي زادت سوءا مع اقفال المصارف ابوابها نتيجة الاضراب الذي اعلنته جمعية المصارف في لبنان احتجاجا على الملاحقات القضائية التي تقودها المدعية العامة في جبل لبنان القاضي غادة عون.
المطران بو نجم في مهمات استطلاعية
ومع ازدياد التباعد بين " التيار الوطني الحر" وحزب الله والوصول بالعلاقة بين الطرفين الى طريق يبدو انه صار شبه مسدود: توقفت الاتصالات التي كانت تمت بين الجانبين قبل اسابيع وصارت المواقف الصادرة عنهما تؤشر الى ان الهوة تزداد اتساعا، في وقت لا يزال فيه زعيم تيار " المردة" سليمان فرنجية المرشح غير المعلن رسميا لـــ " الثنائي الشيعي" ولعدد من النواب الحلفاء وسط معارضة عنيفة من النائب باسيل، وغير معلنة من " القوات اللبنانية"، ورفض من دون حدة من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ونوابه. وهكذا تبدو الامور جامدة مع تعثر انعقاد " اللقاء المسيحي" الذي قيل ان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يعمل له، لكن في الواقع اختار سيد بكركي طريقة اخرى لــ " جس نبض" القيادات المسيحية بعدما سمع ردود فعل مباشرة وغير مباشرة احاطت تحركه من اجل " اللقاء المسيحي" بالاحباط المسبق حتى قبل ان يحصل ويفشل، من هنا اتخذت الحركة التي يقوم بها راعي أبرشيّة أنطلياس المارونية المطران أنطوان بو نجم مكلفا من البطريرك الراعي بعدا جديدا لجهة تجاوز الاتجاه لعقد لقاء للنواب المسيحيين والبحث في اتجاه جديد لجمع القيادات المسيحية. وقد كثف المطران بو نجم تحركه ليشمل رؤساء الأحزاب والزعماء وشخصيات مسيحية مستقلة والتقى رئيس حزب "القوات اللبنانية " سمير جعجع ووصف اللقاء بـ"الجيد"، اذ تم البحث في مسائل كثيرة. ودعا الجميع، ولا سيما المسيحيين، الى "الصوم والصلاة عن نية لبنان باعتبار ان الشرَّ كبيرٌ في هذا البلد واذكّر ان يسوع المسيح قال لنا إن هذا النوع من الشياطين لا يخرج الا من خلال الصوم والصلاة، انطلاقا من هنا نشدد على هذا النداء".كما التقى رئيس "حركة الاستقلال" النائب ميشال معوض الذي اكد ان " اللقاء كان مثمراً وجرى خلاله نقاش معمق حول التداعيات المدمرة للفراغ الرئاسي، ولانحلال الدولة وفقدان السيادة، وللانهيار الاقتصادي-الاجتماعي-المالي الشامل. وتمحور النقاش حول خريطة طريق سيادية إصلاحية للخروج من هذا النفق المظلم".وبحسب المعطيات التي تؤكدها مصادر بكركي فإنّ الحراك الذي كُلّف به المطران بو نجم عبارة عن محاولة إضافية من المحاولات الهادفة إلى تفعيل التشاور بين الجهات المعنية، حيث ينطلق المسعى البطريركي من محاولة تفعيل التوافق بين المكونات المسيحية. وتشير المعلومات إلى بحث صيغ ومقترحات متنوعة لبلورة المراحل المقبلة من المسعى مع تراجع مؤشّر فكرة انعقاد اجتماع يضمّ 64 نائباً.
ويتأكد حتى اللحظة استمرار استمزاج الآراء من خلال جولة المطران أبو نجم بهدف الوصول إلى أرضية حول نقاط مشتركة ووحدة موقف لناحية عناوين أساسية متعلّقة بالاستحقاق الرئاسي بين التكتلات المسيحية، ما يشكّل خطوة أولى في اتجاه امكان التوصل إلى توافق لبنانيّ عام مع الاشارة إلى أن الاشكالية الرئاسية ليست مسيحية". وتلفت مصادر الصرح البطريركي إلى أنه ليس من المنتظر أو المطلوب في المقصد من حراك بكركي التوصل إلى أصوات موحّدة بين الأحزاب المسيحية لمرشّح واحد، بل الوصول إلى وحدة موقف لناحية أهمية الاستحقاق الرئاسي. وتعمل البطريركية المارونية مسيحياً ووطنياً مع التأكيد على دور الصرح العابر للطوائف والمناطق. ويبقى الأساس في حلحلة حال المراوحة القائمة في ما يخصّ الاستحقاق، وسط إصرار تقوده بكركي للانتقال إلى حلول تنهي الأوضاع المزرية التي وصلت إليها البلاد.
وبدا واضحا من لقاءات المطران بو نجم انه يعمل بصمت رافضاً التحدث، وخطه الهاتفي مقفل دائماً امام الصحافيين، كما تفضّل مصادر بكركي عدم تسريب اي خبر عن تلك اللقاءات قبل إتمامها، وفق ما اشارت .
لكن ووفق المعلومات فإن نتيجة المهمة لم تحقق بعد ما تبغيه بكركي، والمطران بو نجم، لانّ الصعوبات ما زالت تطوقها، ولا شيء ايجابياً برز بعد، اذ ليس من السهل تلاقي كل هؤلاء المتخاصمين، الذين باتوا كالاضداد، وفق وصف مصدر نيابي معارض. وتؤكد المعلومات أن المطران بو نجم لم يطرح مبادرة أو أسماء خلال لقاءاته، بل جس نبض وأسئلة وأجوبة أكثر من مبادرة تحمل أسماء واضحة، بل يقوم بجوجلة لتوجهات المرجعيات المسيحية لنقلها إلى البطريرك الراعي ليبني عليها خطوته المقبلة أكانت حواراً ثنائياً مع كل قطب أو جمع الأقطاب أو ممثلين عنهم
لائحة باسيل تنتظر تبدلا في موقف " الحزب"
في اي حال، كل اللقاءات التي عقدها المطران ابو نجم وينوي عقدها في الاتي من الايام يفترض ان تظهر صورة حقيقية لمواقف القيادات المسيحية وان كانت الاشارات التي برزت الاسبوع الماضي لم تكن مشجعة. ذلك ان الزعيم الزغرتاوي سليمان فرنجية متمسك بحقه في الترشح وبــــان حظـــــوظه ما تزال قائمة، والنـــــائب باسيل مصر على رفضـــه دعم اي من " النقيضين" فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون لا بل هو يربط اي تواصل مع حليفه حزب الله بالتخلي عن دعم فرنجية ليقدم بعد ذلك لقيادة الحزب لائحة باسماء اشخاص يعتبر انهم من المؤهلين للموقع الرئاسي الاول. وفي هذا السياق قالت مصادر مطلعة ان باسيل يتحدث امام زواره ان اللائحة التي اعدها تضم اكثر من خمسة اسماء لشخصيات يعتبر انها " جدية وقادرة على تحمل المسؤولية" ويؤكد انها لا تمت الى " التيار الوطني الحر" بصلة حزبية بل هي على مسافة واحدة من جميع الاطراف بحيث لن يكون هناك اي سبب لاي طرف كان بان يضع " فيتو" على احد الاسماء المسجلة في لائحة باسيل والتي يرفض الكشف عنها قبل ان يعلن حزب الله تخليه عن دعم زعيم " المردة" بحيث يكون البحث اذ ذاك " جديا" اكثر مما هو اليوم اذ لا فرص واضحة للتباحث والنقاش. ويتحدث مطلعون على موقف فرنجية عن جلسات مطولة ومغلقة عقدت بين الرئيس بري وفرنجية تبعها اجتماع بين فرنجية والمعاون السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل تم فيها البحث في الاستحقاق الرئاسي، وسمع زعيم " المردة" تأكيدا من " الثنائي الشيعي" على دعم ترشيحه مع نقاش حول مواقف الكتل الاخرى، لكن من دون الاتفاق على موعد لاعلان فرنجية ترشيحه رسميا، على ان يتم العمل على تعزيز المساعي الهادفة الى خرق جدار التحفظ المسيحي على فرنجية. وينقل احد النواب المستقلين عن الرئيس بري قوله انه لا يزال عند موقفه بدعم فرنجية وان لا "خطة ب" بديلة بعد في ذهنه. ويضيف النائب نفسه ان بري استبعد امكانية تعديل الدستور لتأمين انتخاب قائد الجيش في ظل الاشتباك الدستوري والقانوني الحاصل من فترة، في ظل وضع المجلس النيابي الحالي لا يمكن فتح الابواب امام مسألة اجراء تعديل دستورية في مجلس النواب يكون سبيلا لتأمين الاسباب والموجبات اللادستورية والقانونية لوصول العماد عون اذ لا يمكن تأمين نصاب ثلثي اعضاء المجلس المطلوب لامرار التعديل الدستورية اللازم، فيما ليست هناك ظروف طارئة وضاغطة تساعد على اتباع الطريقة عينها التي املت على مجلس النواب في العام 2008 انتخاب الرئيس ميشال سليمان الذي كان قائدا للجيش في الخدمة الفعلية. ويقول النائب نفسه ان الانطباع الذي تكون لديه بعد لقائه الرئيس بري ان " الثنائي الشيعي" ما زال متمسكا والى اجل غير مسمى بخياره الرئاسي!
ولعل ما يجعل مهمة المطران بو نجم غير مضمونة النتائج من سربته مصادر " القوات اللبنانية" عن اجتماعه مع جعجع عن ان شرطه للسير في اقتراح انعقاد لقاء يضم القيادات المسيحية هو ان تكون نتائج اي اجتماع من هذا النوع مضمونة مسبقا عوضا عن الالتقاء لمجرد " الصورة التذكارية" ما يضر بالقوى المسيحية ولا يفيد الاستحقاق الرئاسي ويؤدي الى اتخاذ خطوة من دون نتائج ملموسة. وسيكون لاي لقاء ممكن بين الاقطاب المسيحيين شروطه المتعلقة من ضمان نجاحه او الاستعاضة عن فكرة مماثلة خصوصا ان اقتراح عقد اجتماع بحضور 64 نائبا مسيحيا سقط من دون نتائج ملموسة، وسيكون لاي لقاء ممكن بين الاقطاب المسيحيين شروطه المنطلقة من ضمان نجاحه او الاستعاضة عن فكرة مماثلة خصوصا ان اقتراح عقد اجتماع بحضور 64 نائبا مسيحيا سقط وليس موضع تداول مطلقا.
وتتحدث مصادر " القوات" عن اهمية الالتزام بنتائج اي اجتماع ممكن لناحية انتخاب رئيس سيادي بالحد المعقول واصلاحي بالحد الواسع، و" القوات" تواصل مشاوراتها للوصول الى قواسم مشتركة بين مجموعة من الافرقاء النيابيين بما يشمل تكتلات معارضة. وتضيف المصادر نفسها ان " القوات" التي تلتقي مع " التيار الوطني الحر" لجهة رفض انتخاب المرشح الذي يدعم الحزب وصوله الى قصر بعبدا، اي رئيس " المردة" لكن لا يمكن ان تلتقي مع " التيار" على مرشح يطرحه او تدعمه او محسوب عليه، علما ان المؤهلات السيادية الاصلاحية لاي مرشح تبقى هي الاساس بالنسبة الى " القوات" التي ابلغت المطران بو نجم انها مستمرة بدعم ترشيح النائب معوض الذي يتمتع بمؤهلات سيادية واصلاحية. لكن القوات، حسب المصادر نفسها، تعول على دور للبطريرك الراعي للبحث في سبل الحل مع بقية الافرقاء ونقل وجهة نظر معراب ما يسهل تأسيس ارضية رئاسية مع جميع الاقطاب المسيحيين.
في اي حال، ليس من الواضح بعد ما ستؤول اليه حركة بكركي في ما خص الاستحقاق الرئاسي، علما ان الذين التقوا البطريرك الاحد الماضي لاحظوا انه " غير مرتاح" وعكس ذلك في العظة التي القاها في قداس المرفع وبداية الصوم عند المسيحيين الذين يتبعون الطقس الغربي، وهو المح الى " الالغام" التي يتحرك بينها بسبب مواقف القيادات المارونية التي لا تقل خطورة عن " عوائق" تضعها قيادات اسلامية " تمون" على بعض الزعماء الموارنة.. حتى لا يقال اكثر من " المونة"!