تفاصيل الخبر

بين " قصف" باسيل وثبات فرنجية وتحرك جنبلاط الاستحقاق الرئاسي رهن " بوانتاج" بري

02/02/2023
بين " قصف" باسيل وثبات فرنجية وتحرك جنبلاط الاستحقاق الرئاسي رهن " بوانتاج" بري

الرئيس نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط

 

لولا " النسمة" الايجابية التي ضخها انضمام شركة  " قطر للطاقة" الى ائتلاف شركتي " توتال" الفرنسية، و" ايني" الايطالية وتوقيع الملحقين التعديليين لاتفاقيتي الاستكشاف والانتاج في البلوكين 4و9 في المنطقة الاقتصادية الخالصة في جنوب لبنان، لكان اللبنانيون عاشوا ايام الاسبوع الماضي متوترين وقلقين ازاء ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية وتعذر الوصول الى اي حلول عملية لضبط تدهور العملة الوطنية، وعدم حصول اي تطور ايجابي يزيد انتاج الكهرباء وايصالها الى المستهلكين... كل ذلك اضافة الى بقاء مصير الاستحقاق الرئاسي في عالم الغيب بعد تعذر الاتفاق على الرئيس العتيد للبلاد ما دفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الى عدم الدعوة الى اي جلسة انتخابية جديدة مع تنامي الدعوات الى وقف هذه " المهزلة" التي كانت تتكرر كل يوم خميس من دون نتيجة، واعلانه انه يتجه الى عدم الدعوة الى جلسة جديدة ما لم يتوافر الاتفاق بين الكتل النيابية المتباعدة حيال هذا الملف الحساس. وهكذا بدا مرة جديدة ان ثمة عقبات كبيرة تحول دون الاتفاق بين الكتل، فيما تتصاعد الاصوات المطالبة بعقد جلسات انتخابية متواصلة الى حين تأمين انتخاب الرئيس، وهو امر لا يزال الرئيس بري ومعه حزب الله وتكتل لبنان القوي وعدد من النواب المستقلين، غير متحمسين للتجاوب معه حتى اشعار آخر ما ابقى حالة المراوحة سيدة الموقف ومعها السؤال الكبير: الى اين؟.

ويجمع المتابعون للتحركات الرئاسية على القول بوجود عاملين اثنين جعلا الكلام عن الاستحقاق الرئاسي يقفز الى الواجهة، الاول كانت له مفاعيل سلبية برزت بعد المواقف التي اطلقها رئيس " تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل صوب خلالها في عدة اتجاهات، فيما ترك العامل الثاني الباب مفتوحا على امكانية تحريك الملف الرئاسي من خلال التحرك الذي قام به رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط  الذي اقترح سلة اسماء بدأت بثلاثة ثم اصبحت اربعة داعيا الى الاتفاق على احدها من دون ان يعلن تمسكه هو بواحد من الاربعة . قد يعتبر البعض تحرك جنبلاط اتى ردا على العراقيل التي وضعها باسيل في درب الاستحقاق، لكن الواقع ان جنبلاط كان بدأ تحركه قبل الكلمة " النارية" للنائب باسيل التي حركت ردود فعل سلبية في اكثر من اتجاه، علما ان الاتجاه الاهم والاكثر دقة هو التصويب على حزب الله ، فالنائب باسيل اخرج الى العلن، مرة اخرى، خلافه مع حزب الله الذي بدا متمسكا بترشيح زعيم تيار " المردة" سليمان فرنجية خلافا لموقف باسيل غير المؤيد لفرنجية الذي كان زار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في بكركي قبل يومين من كلمة باسيل، حيث اكد الزعيم الزغرتاوي بانه ماض في المعركة الرئاسية- وان لم يعلن ترشيحه رسميا بعد- متحدثا بوضوح عن قدرته على الحصول على 65 صوتا نيابيا وربما اكثر عندما تفرز المواقف ومعها الاصوات. وفي رأي فرنجية انه ليس مرشح حزب الله( وقد قال ذلك مرتين من بكركي) وانه قادر على ان يكون رئيسا توافقيا مقبولا من الجميع، ورجلا اصلاحيا في اكثر من اتجاه.

قصف "باسيلي" في كل اتجاه!

وبدا واضحا ان كلام فرنجية، المعلن وغير المعلن، والذي تردد صداه في المحافل السياسية، ازعج باسيل الذي شعر ان حليفه حزب الله ماض بدعم فرنجية وان لم يعلن ذلك، وان هذا الخيار بدأ يلقى تجاوبا في الافق النيابي اللبناني، وان كان الحديث عن " تقدم" اسم قائد الجيش العماد جوزف عون طغى في الايام الماضية على نطاق اعلامي واسع. لذلك تحدث باسيل " من دون كفوف" مقاربا كل عناوين الساعة تحت هاشتاغ «لوحدنا» مرفقة مع شعار "التيار". وأبرز ما قاله تمحور حول علاقته مع حزب الله،  حيث خاطبه كحليف ونبّه من وجود كثر ينتظرون نهاية التفاهم. لم يكن خطابه فك تحالف بل أعطى فرصة جديدة للتفاهم على قاعدة إحترام الشراكة والمقصود منها عملية إختيار الرئيس، والإلتزام بالإصلاح "الشراكة سلاحنا وما منتخلّى عنها". التفاهم هو لخدمة الشراكة "وهيك بتكون الشراكة ضمانة التفاهم، بس ما بتكون ضحيّة للحفاظ عليه"،  مبدياً الإستعداد لعقد  تفاهم جديد مع  حزب الله  ومع أي مكوّن سياسي حول بناء الدولة بالشراكة شرط تنفيذه. فهل يعني ذلك نهاية التفاهم القديم خاصة مع تلويحه "نحنا ضحّينا عن قناعة لنحافظ على التفاهم. ولمّا الحكي بالغرف المغلقة ما بيوصّل لنتيجة منضطر نحكي للإعلام من حرصنا عليه، ولأن جمهورنا حقّه علينا أن يعرف"، ليكمل متوجهاً لحليفه المتمسك بمرشح يحمي ظهر المقاومة... "للأسف، يبدو ما اقتنعت معنا المقاومة انّو يلّي بيحميها من الغدر هو التفاف كل الناس حولها مش بس بيئتها، هو المشروع مش بس الشخص، هو الدولة مش بس رئيسها".وفي الموضوع المسيحي دعا كل القوى المسيحية إلى الإتفاق على مرشح وتحمل المسؤولية وقطع الطريق على محاولة فرض اسم المرشح، مقدماً مواصفات الرئيس المقبل والتي لا تنطبق حكماً على سليمان فرنجية أو قائد الجيش صوب على ترشيح فرنجية بينما قطع الطريق نهائياً على العماد عون واتهمه بمصادرة صلاحيات وزير الدفاع وصولاً إلى الحديث بقضايا مالية وشبهات داخل المؤسسة العسكرية.أعلن الاستعداد لاحقاً لدرس "الموافقة على أي مرشّح بيوصل شرط، انّو قبل انتخابه، الكتل المؤيّدة له تنفّذ مطالب اصلاحية ما بتتعلّق بالتيار ولا بمحاصصة، بل فيها خير لكل اللبنانيين، وأبرزها قانون اللامركزية وقانون استعادة الأموال المحوّلة وغيرها"، وإلا "رح فكّر جدياً بالترشّح لرئاسة الجمهورية بغض النظر عن الخسارة والربح"ن » وفي حال "رُفضت كل مساعينا وتأكّدت نوايا الإقصاء، منروح على الممانعة السياسية الشرسة ضد كل المنظومة والنظام".وبدا واضحاً من كل الخطاب أن المقصود الأول هو  حزب الله  في محاولة لوضع النقاط على الحروف في العلاقة من دون أن ينسى تذكيره بتغليب علاقته مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على غيرها، وإطلاق يده لعقد جلسات للحكومة بينما هو لم يتوقف عن محاولات كسر باسيل وضمن هذا الإطار يندرج التوقيع مع الشركة القطرية للتنقيب عن النفط في السراي الحكومي علماً أن الحفل كان يجب أن يتم في وزارة الطاقة حسب باسيل الذي وجه الدعوة للتلاقي، من دون أن يفوته التذكير بمسؤولية بكركي في جمع الكلمة ليؤكد أنّه "ضرب جنون، وطني وسياسي، التفكير بانتخاب رئيس جمهورية من دون المسيحيين"،  قاصداً "الثنائي الشيعي" على وجه التحديد. في تفسيرها تعتبر مصادر "التيار" أنّ ما قاله باسيل رسالة موجهة إلى حزب الله ليعيد حساباته في العلاقة مع «التيار» إن من ناحية التفاهم أو التمسك بمرشح يعاكس رغبة المسيحيين، وللمسيحيين ومن بينهم "القوات اللبنانية" للإتفاق في استحقاق مسيحي قبل أي إعتبار آخر.

 

ارقام فرنجية الـــ 65 واقع او تمنيات؟

وتقول مصادر متابعة ان " خطورة" مواقف باسيل تكمن في انها صدرت بعد مضي ايام قليلة على اجتماعه على مدى اربع ساعات بوفد حزب الله الذي جاء الى سن الفيل في محاولة لفتح صفحة تفاهم جديدة مع باسيل، لكن الخلاف استمر على ما يبدو في ما خص خيارات الاستحقاق الرئاسي. ولعل ما ينبغي التوقف عنده هو ان مواقف باسيل المستجدة جاءت بعد تسريب قوى " الثامن من آذار" معلومات عن امكانية السير بترشيح رئيس تيار " المردة" من دون موافقة الكتلتين المسيحيتين الاكبر، اي " التيار الوطني الحر" وحزب " القوات اللبنانية"، في حال نجح بتأمين 65 صوتا داعما له، وبالتالي هو كان يريد، بشكل اساسي، قطع الطريق امام هذا الخيار، بالرغم من انه يتطلب مجموعة من المعطيات التي لا تزال غير متوفرة، عبر طرح شعار " لوحدنا" الذي يؤكد ان كل الخيارات امامه مفتوحة. وتلفت مصادر سياسية متابعة، الى ان نجاح سيناريو انتخاب فرنجية بــ 65 صوتا يتطلب امرين اساسيين: الاول هو تغطية الكتلتين المسيحيتين له عبر تأمين النصاب، الذي يتطلب حضور 86 نائبا لجلسة الانتخاب، اما الثاني فهو اقناع رئيس " الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط بدعم هذا الخيار، على ان يتم بعد ذلك العمل على توفير دعم عدد من النواب السنة والمسيحيين الاخرين له، الامر الذي، على ما يبدو، لا يزال بعيدا عن المنال، بحسب ما توحي مواقف جنبلاط، مع العلم ان مصادر قريبة من فرنجية تحدثت ان بامكان زعيم " المردة" تأمين 15 صوتا مسيحيا لرئاسته ما يبقي الميثاقية مصانة في الاصوات، كما في النصاب، وفي المردة، تضيف المصادر، لدى فرنجية 4 نواب مسيحيين في كتلته، ونائبين مسيحيين واحد في كتلة الرئيس بري هو ميشال موسى، وآخر في كتلة نواب عكار هو سجيع عطية، ويضاف اليهم نواب " الطاشناق" الثلاثة فيصبح العدد 9 ثم هناك نائبين من " اللقاء الديمقراطي" ( اذا كما قرر جنبلاط تأييد فرنجية) هما راجي السعد وغسان سكاف، ومع النائب جان طالوزيان يصبح العدد 15 نائبا مسيحيا مع امكانية حصول " تمرد" في صفوف نواب " تكتل لبنان القوي" وحسب تقديرات المصادر نفسها فان فرنجية يمكن ان يصحل على 54 صوتا، بينها اصوات 27 نائبا شيعيا و 19 نائبا سنيا منهم حلفاء " الثنائي الشيعي" اضافة الى كتلة الاعتدال والنائب فيصل كرامي، و6 نواب دروز من كتلة جنبلاط  وفضلا عن نائبين  علويين، لترسوا تقديرات فريق فرنجية على 69 صوتا، وهذه الحسابات جعلت فرنجية يبلغ البطريرك الراعي انه قادر على تأمين 65 صوتا واكثر من دون اصوات نواب "  القوات اللبنانية" وغالبية اصوات نواب " التيار الوطني الحر"

 

مبادرة جنبلاط ومروحة الاسماء

في المقابل، تقول مصادر متابعة ان تأييد نواب جنبلاط لفرنجية غير محسوم، وان كان " صديق" جنبلاط الرئيس نبيه بري يدفع في هذا الاتجاه. لذلك تحرك جنبلاط في اكثر من اتجاه حيث التقى باسيل ووفد حزب الله واوفد وائل ابو فاعور الى معراب، وزار عين التينة وكانت له لقاءات مع ديبلوماسيين عرب واجانب ظلت بعيدة عن الاضواء واوفد نجله تيمور الى بكركي وحزب الكتائب، وطرح اسماء قائد الجيش وجهاد ازعور وصلاح حنين وشبلي الملاط ومي الريحاني خالطا بذلك الاوراق بعضها ببعض مع التسليم بسحب اسم النائب ميشال معوض من الميدان " لاننا وصلنا معه الى افق شبه مسدود"، كما صرح الزعيم الدرزي في اكثر من مكان ومناسبة، علما انه حاول من خلال طرحه الثلاثي عون-ازعور-حنين، ارضاء غالبية القوى السياسية الفاعلة، فهو سمى ازعور ارضاء لباسيل الذي سماه ايضا في اللائحة التي قدمها للبطريرك الراعي، كما طرح جنبلاط اسم صلاح حنين للتجاوب مع عدد سن " النواب" " التغييريين" الذين سموا النائب السابق عن دائرة بعبدا، اما اسم العماد عون فطرحه لانه يعتبر ان قائد الجيش يحظى بدعم خارجي ويمكن ان يمتد الى الداخل بعدما قال جعجع انه لا يمانه بانتخابه رئيسا وتوفير الغطــــاء المسيحي له لان نواب " لبنان القوي" و" المردة" لن يصوتوا له حكما، لكن جنبلاط حرص على ابلاغ كل من التقاهم ان باب اسماء المرشحين مفتوح على ان يكون الاسم توافقيا ويلقى دعما مسيحيا مقبولا. وتحدثت مصادر قريبة من جنبلاط ان  " الحطة ب" التي اطلقها تتركز على محورين، الاول اقناع " الثنائي الشيعي" باستحالة انتخاب فرنجية و" فرضه" على القوى المسيحية ما يوجب " سحب" اليد منه" والانتقال الى مرحلة جديدة، وجنبلاط يقاطع في ذلك مع " التيار" الذي يصر رئيسه على " شطب" فرنجية من لائحة المرشحين قبل الدخول في نقاش حول اي اسم آخر. اما المحور الثاني فهو التسويق للاسماء التي يرددها ويزيد عليها من حين الى آخر ولفتت المصادر الى ان جنبلاط " يراهن" على ان اقناع بري بالتخلي عن دعم فرنجية قد يكون اسهل من اقناع الحزب لان " ابو مصطفى" يوصف بانه " اكثر براغماتية" في مقاربة للملفات السياسية الحساسة في البلاد، لاسيما بعدنا برز تخوف جدي لدى رئيس الاشتراكي من " الخطاب التقسيمي" الذي تردد صداه في مواقف رئيس " القوات" الذي قيل انه فاتح ديبلوماسيين عربـــا واجــــانب بــ "استحالة" استمرار الوضع على ما هو عليه حاليــــا من " هيمنة" لحزب الله على الواقع اللبناني وانه لا بد من خطوات قد تكون موجعة بادىء الامر، لكنها " ستريح" البلاد في النهاية.

في غضون ذلك، اتجهت الانظار الى عين التينة لمعرفة ردة فعل الرئيس بري على اقتراحات جنبلاط وعلى ما آلت اليه الاتصالات الجارية في ضوء المواقف التي تصدر وتضع الاستحقاق الرئاسي على "كف عفريت". وفي هذا السياق قالت مصادر مطلعة على اجواء عين التينة ان بري لم يكن " مرتاحا" حيال دعوة جنبلاط الى ترشيح قائد الجيش والتخلي عن ترشيح فرنجية. وجرى تداول معلومات امس عن ان رئيس المجلس بدأ بالفعل عملية استطلاع اراء الكتل النيابية وتثبيت "البوانتاج" لفرنجية وامكان الذهاب الى مجلس النواب باكثرية الــــ65 صوتا مع نصاب الثلثين. واشارت المعلومات الى ان تحديد موعد الجلسة المقبلة لانتخاب رئيس ينتظر انتهاء عملية الاستطلاع التي يجريها بري حول امكان الذهاب الى المجلس والتصويت للمرشحين، فاذا لم ينسحب اي مرشح لمصلحة آخر تستمر الجلسات الى حين انتخاب رئيس بـــ 65 صوتا.

والسؤال، هل من امل باتفاق يليه انتخاب؟ القريبون من مسار الاتصالات يتحدثون عن صعوبات عدة تعترض طريق الاتفاق، فكيف الانتخاب.... وعليه فالانتظار يبقى سيد الموقف!