يلتقي اكثر من محلل سياسي على القول بان الرئيس نبيه بري اصاب، عند اعلانه دعم ترشيح رئيس تيار " المردة" سليمان فرنجية، عصفورين بحجر واحد، ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون وترشيح رئيس "حركة الاستقلال" النائب ميشال معوض، وهو بهذه الخطوة عبّر عن موقف حزب الله في ما خص مسألة ترشيح العماد عون لان الحزب ليس في وارد الاعلان عن موقفه من ترشيح قائد الجيش نظرا لطبيعة العلاقة التي تربط الحزب بالمؤسسة العسكرية ولعدم الرغبة في ان يكون موقف الحزب اذا ما اعلن، سببا لحصول نفور بين الجانبين يمكن ان يترك مضاعفات على الوضع الامني الهش. ولعل الموقف الذي اعلنه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر االله بتأييد ترشيح فرنجية من دون الاشارة في اطلالتين متتاليتين الى كون قائد الجيش مرشحا، الدليل الكافي على ان الحزب ليس في وارد دعم العماد عون في الاستحقاق الرئاسي لاسباب عدة اختصرها الرئيس بري بالتحجج بضرورة تعديل الدستور للتمكن من انتخاب قائد الجيش وهذا التعديل صعب في الواقع الحالي للكتل النيابية من جهة وعدم وجود رئيس جمهورية وتعثر انعقاد مجلس الوزراء من جهة ثانية، ومن خلال موقف بري، الذي يلتقي مع موقف حزب الله و" التيار الوطني الحر" و"تيار المردة" وعدد من النواب المستقلين " والتغييريين" يبدو ان بقاء العماد عون على لائحة المرشحين الاوفر حظا بات يحتاج الى مقاربات اخرى للملف الرئاسي تختلف عن المقاربات الراهنة والتي لا توحي بامكانية الوصول الى نتيجة عملية سريعة في ما خص الاستحقاق الرئاسي الراهن.
ويرى متابعون ان الرئيس بري ليس في وارد تقديم " خدمة" للنائب جبران باسيل الذي يرفض هو الاخر ترشيح العماد عون، الا ان موقفه يبدو موقفا مبدئيا لاسيما وان العلاقة جيدة بينه وبين قائد الجيش وهذا تقليد درج عليه بري مع قادة الجيش الذين تعاقبوا على هذا الموقع منذ ان اصبح بري رئيسا لمجلس النواب منهيا بذلك خلافا قاسيا مع المؤسسة العسكرية ادى الى انقسامها منذ احداث 6 شباط ( فبراير ) 1984 . ويضيف هؤلاء ان العماد عون تصرف مع الرئيس بري، كما تصرف مع سائر المسؤولين الاخرين لجهة اعتماده استراتيجية تقوم على " التحرر" من التدخلات والطلبات الحزبية في المؤسسة العسكرية وخصوصا في ما يتعلق بالتشكيلات. ويتحدث قريبون من اليرزة عن ان قائد الجيش لم يراجع عين التينة او اي مسؤول في حركة " امل" او غيرها في المناقلات المرتبطة بالضباط الشيعة، وهو راعى في كل ما اتخذه من قرارات خصوصية الوضع الشيعي ولاسيما اوضاع الضباط الشيعة لاسيما اولئك الذين تعرف القيادة علاقتهم بالكامل مع الرئيس بري. في المقابل لم يتجاوب بري مع رغبة قائد الجيش في حل ازمة ترقية الضباط من رتبة عقيد الى رتبة عميد المجمدة منذ سنوات ما حرم الكثيرون من الضباط حقوقهم في الترقية واستطرادا تعويضاتهم في التقاعد. ويفسر المطلعون الوضع بان " مشكلة" الرئيس بري مع قائد الجيش، هي علاقة بري بسليمان فرنجية وارتياح " بيئة بري" بالتعامل السياسي مع فرنجية اكثر بكثير من التعامل مع قائد الجيش في ما لو انتخب احدهما رئيسا للجمهورية. ويبدو ان هذا الخيار يشارك فيه حزب الله ايضا الذي يعبر بصمت عن انزعاجه من قرب العماد عون الى الاميركيين والتعاون معهم من دون حدود ويذكر كثيرون ان الرئيس بري كان يرغب في انتخاب القائد السابق للجميش العماد جان قهوجي رئيسا للجمهورية بدلا من الرئيس ميشال عون، وكان مستعدا على السير بالمعادلة التي سار بها عندما سهل انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية خلال فترة الفراغ. لكن هؤلاء يقولون ان ما كان يمكن ان يطبقه بري على العماد قهوجي، لم يعتمده على العماد جوزف عون لانه يرغب هذه المرة بان يكون فرنجية هو الرئيس الرابع عشر للجمهورية.
جنبلاط انكفأ اختياريا
ولعل اكثر من ادرك ما يريده بري كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي سبق ان قدم ثلاثة اسماء في طليعتها اسم قائد الجيش ، ثم الوزير السابق جهاد ازعور والنائب السابق صلاح حنين، لكن الزعيم الدرزي عندما شعر ان " صديقه" الرئيس بري ليس في وارد السير باي من الاسماء الثلاثة، قرر الانكفاء الاختياري عن اي تحرك يتصل بالاستحقاق الرئاسي بعدما كان اطلق سلسلة مبادرات وحرك ماكينته بين المقرات السياسية وطرح افكاره " عن حسن نية"- كما يقول مصدر نيابي اشتراكي- علما انه سبق وابلغ الرئيس بري بان حراكه لن يصل يوما من الايام الى حد الاصطدام بحزب الله على خلفية التباين على انتخابات الرئاسة. وعليه، وعندما احس جنبلاط ان " صديقه" وحليفه في " الثنائي الشيعي" في مكان آخر مختلف عن خياراته اعتبر ان صلاحية مبادرته انتهت لانه لا يريد ان تتحول الى صدام مع احد. بدوره احس الرئيس بري ان مبادرة " صديقه" انتهت وباتت على الرف فذهب الى اعلان موقفه من ترشيح فرنجية في توقيت لم يكن يتوقعه احد لاسيما وان الشخص المعني بالترشيح، اي فرنجية، لم يكن قد اعلن صراحة ترشيحه وان كان اسمه تقدم الاسماء الاخرى. وعليه يقف جنبلاط حاليا " على جنب" بعدما سحب مبادرته من التداول باقل قدر من الضجيج وباتت في " الارشيف" في انتظار " زمن التسوية الكبرى" التي لم يحن اوانها بعد وان كانت المعطيات الاقليمية والدولية تشير الى امكانية انطلاق قطار التسوية. وعليه يحرص جنبلاط على الانتظار تاركا لنواب " اللقاء الديمقراطي" ان يتشاوروا مع زملائهم من دون ان يعطوا اي التزام، وهو يضع نصب عينيه مهمة ادارة الوضع في الجبل تحسبا لاي مفاجآت غير مستحبة.
وتتحدث مصادر " الثنائي الشيعي" ان الرئيس بري وحزب الله يمتلكان اربعة اسلحة تمنع انتقال العماد عون من اليرزة الى قصر بعبدا اذا ما قررا استعمالها، وهي تتوزع على بري والحزب مداورة. السلاح الاول ينطلق من الحق الذي يملكه بري شخصيا كرئيس لمجلس النواب بالدعوة الى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد. وفي هذا السياق يمكن لبري بكل بساطة الا يوجه الدعوة الى جلسة اذا شعر بان توافقا سياسيا ما يلوح في الافق للاتيان بقائد الجيش رئيسا للجمهورية. والسلاح الثاني يتمثل بتعطيل نصاب الجلسة، اذ يمكن لبري ان يدعو الى جلسة للانتخاب وفي الوقت عينه يوعز لنواب كتلته بعدم حضور الجلسة، وبتنسيق بسيط بينه وبين حزب الله وحلفاء الثنائي كتيار " المردة" و"الاحباش" والنواب المستقلين الذين يدورون بفلك الحزب يصل عدد المقاطعين للجلسة الى 43 نائبا فيطير النصاب وتطير معه جلسة الانتخاب، وهذا ما يمكن ان يفعله الثنائي وبسهولة كونه قادر على جمع 43 نائبا لتطيير نصاب الجلسة. اما السلاح الثالث فميثاقي بامتياز. ففي مجلس النواب 27 نائبا شيعيا. 13 نائبا منهم في " كتلة الوفاء للمقاومة" مقابل 13 نائبا في " كتلة التحرير والتنمية" اضافة الى النائب جميل السيد المتحالف مع الثنائي في دائرة بعلبك- الهرمل ولكن من دون ان يكون منتميا الى اي كتلة من الكتلتين. يكفي ان يقاطع هؤلاء النواب الـــــ 27 اي جلسة لمجلس النواب كي تفقد هذه الاخيرة ميثاقيتها، وهذا السيناريو يمكن ان نشهده في جلسة يخيم عليها توافق سياسي بانتخاب قائد الجيش رئيسا للجمهورية. والسلاح الرابع، فملعبه الحكومة، التي يجب ان تعد مرسوم تعديل المادة 49 من الدستور كي يتمكن مجلس النواب من اقرار التعديل وانتخاب عون رئيسا للجمهورية كون قائد الجيش يعتبر من موظفي الفئة الاولى، الذين تمنع المادة 49 انتخابهم خلال فترة قيامهم بوظيفتهم وحتى خلال السنتين اللتين تليان تاريخ تقاعدهم او استقالتهم من الوظيفة. وهذه الحكومة يجب ان تكون حكومة قائمة وليست حكومة تصريف اعمال كما هو الحال بالنسبة الى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.