ليس سرا انزعاج الرئيس نبيه بري من اعتصام عدد من " النواب التغييريين" في مجلس النواب بمبادرة اطلقها النائب ملحم خلف وزميلته النائب نجاة عون صليبا في الجلسة الاخيرة التي عقدها المجلس لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وما رافق ذلك من مواقف وردود فعل وتعليقات طاولت مواقفه وردود فعله وطريقة ادارته للجلسات وصولا الى حد التعامل معه من قبل " النواب التغييريين" على اساس انه احد المحامين المدافعين عن الفريق الخصم لهم... ولعل اكثر ما يزعج "الاستاذ" ان هؤلاء النواب وغيرهم نظموا "دفاعات" ناجحة لصد هجمات بري التي اعدها في سياق اشغال الوقت وملء الفراغ في عملية التصدي من خلال رفض دعواته المتكررة لهم للجلوس الى طاولة حوار وطني تحت شعار البحث عن توافق وتفاهم ينتجان رئيسا جديدا انطلاقا من نظرية ان لا امكان ولا قدرة لاي تجمع نيابي على ايصال اي رئيس يكون من صفوف هذا التجمع او ذاك في ظل التركيبة الحالية للمجلس التي افرزتها انتخابات ايار(مايو) 2022. ومع الخشية التي يبديها الرئيس بري من ان تتأخر اكثر فاكثر عملية انتخاب الرئيس العتيد للبلاد يبدو ان ثمة خطة وضعها رئيس المجلس لمواجهة التلكؤ المتعمد في انجاز الاستحقاق الرئاسي وتحرك النواب " التغييريين" ومن تضامن معهم، تقوم على اعادة احياء دعوته القديمة الى طاولة حوار وطني يلتف حولها كل الاطراف لعلهم يفلحون في انضاج تسوية حول رئيس لا تنطبق عليه صفات رئيس التحدي، والتأكيد مجددا على خطورة الاوضاع الحالية وما تنطوي عليه من احتمالات سلبية اذا لم يظهر عمل وفعل واضحين. ولعل الكلام الذي قاله المعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل عن السعي الى انتخاب المرشح المفضل لحركة " امل" سليمان فرنجية اذا تيقن المحور اياه من القدرة على تأمين 65 صوتا، شكل - وفق مصادر مطلعة- افصاحا عن رغبة " الثنائي الشيعي" في المضي بخيار انتخاب فرنجية حتى ولو امتنع " التيار الوطني الحر" و" القوات اللبنانية" عن التصويت لفرنجية.
وتضيف هذه المصادر ان الخطوات الاولى لمواجهة اعتصام " التغييريين" قام بها الرئيس بري مستهلا سلسلة خطوات اخرى مرتقبة، تمثلت بعدم الدعوة الى جلسة جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية، واستبدالها بدعوة اللجان النيابية الى اجتماع تمهيدا لعقد جلسة تشريعية تحت عنوان" تشريع الضرورة" في بداية الشهر الجاري على رغم اعتراض كتل نيابية على هذا الامر والتشكيك بشرعية انعقادها في ظل الفراغ والشغور. وينقل زوار عين التينة عن الرئيس بري حرصه على الحفاظ على التحالف الوثيق مع حزب الله ومواجهة اي " سيناريو عراقي" كان معدا للبنان يهدد المقاومة، واخماد اي احتمال لاقتتال شيعي- سني عبر التمسك بالطائف " ليس حبا بالطائف الذي لم تنفذ اصلاحاته- كما يقول بري- انما لانه الاتفاق الذي اوقف سيل الدماء" والحفاظ على خطوط التواصل والتشاور مع العرب والغربيين مهما كانت مستويات التشنج مرتفعة". ويضيف الزوار ان بري يرفض اعطاء اي تاريخ لموعد انتخاب رئيس الجمهورية ويقول عندما يسأل عن ذلك: ينتخب الرئيس عندما يتفق اللبنانيون على رئيس، وانا طرحت الحوار وهاجموني بدل ان يفهموا ان هذا هو المخرج الوحيد والبلد لم يعد يحتمل التأخير ابداً. وعندما يقال للرئيس بري ان رئيس " القوات اللبنانية" سمير جعجع تحدث في خطاب عن التقسيم، يرد بانزعاج:" كلام جعجع خطير حول الموضوع، لكن لا اعتقد ان هناك جدية في هذا الطرح، بل هو في اطار المزايدة والمناكفات المسيحية- المسيحية. للاسف لبنان صغير وهو مثل الذرّة اذا انشطر ينفجر ويحدث دمارا كبيرا".
استذكار العلاقة مع الرئيس عون
ولا يغيب عن الزوار الاشارة الى " العلاقة غير الصحية" مع الرئيس ميشال عون على رغم ان " الكيمياء" لم تكن مفقودة بينهما، لكنه يستذكر هواجس عبر عنها عشية انتخاب الرئيس السابق حين ابدى خشية من " انتخاب رئيسين وليس رئيسا واحدا" في اشارة الى رئيس " التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، فضلا عن دعوته، يومها، الى الاتفاق على " سلة واحدة"، علما انه يتذكر خلال مؤتمر الدوحة دفاعه الشرس امام القطريين عن حق عون بالتمثيل في الحكومة " وذلك عن قناعة تامة لمصلحة لبنان والمسيحيين والمسلمين فيه". ويتوسع الحديث عن اسباب تدهور العلاقة بين عون وبري ويعود معظمها الى مواقف النائب باسيل بدءا من خطة الكهرباء وصولا الى ترقية ضباط دورة 1994 المعروفة بــ " دورة عون" وربط التوقيع عليها بالافراج عن مرسوم تعيين حراس الاحراج الذي " احتجز" في قصر بعبدا بحجة وجود خلل طائفي، علما- ينقل الزوار- ان رئيس المجلس لم يتدخل يوما في تعيين مسيحي واحد طوال عهد الرئيس عون الذي اختار هو وباسيل جميع المسيحيين الذين عينوا في مواقع الفئة الاولى او في مواقع عسكرية وامنية وقضائية " لكن معظم هؤلاء انتقلوا الى اماكن اخرى نتيجة خلافات مع باسيل"!.
الا ان الزوار لاحظوا انه على رغم كل ما فوق "الفتور" في العلاقة بين " امل" ورئيسها و" التيار الوطني الحر" ورئيسه لا يزال الباب مفتوحا على امكان التفاهم لما يجمع بين الطرفين من عناوين وطنية وخط سياسي يمكن ان يقود الى انتخاب رئيس حليف لباسيل ومن الفريق السياسي نفسه لان عكس ذلك سيؤدي الى التفريط بالفرصة وايصال مرشح مهما كانت هويته السياسية فلن يكون حليفا لباسيل!.