من استمع الى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في اطلالته الاخيرة يقول ان " تفاهم مار مخايل" مع " التيار الوطني الحر" هو في "وضع حرج"، ومن قرأ جيدا خطاب رئيس تكتل "لبنان القوي" النائب جبران باسيل امام شباب " التيار" يوم السبت الماضي لاسيما الاشارة الى عدم القبول برئيس جمهورية فاسد ورئيس حكومة فاسد وحاكم مركزي افسد منهم وبحمايتهم وبيزعلوا اذا قلنا لا... لا ومئة لا"، ثم قوله " من يريد دولة واصلاح بالقوة التي يملكها، بدل ان يستخدمها ضد الغرب فليستخدمها ضد شخص كرياض سلامة".... من استمع الى هذين الرجلين لا بد له الا ان يخرج بانطباع واحد لا ثاني له وهو ان "تفاهم مار مخايل" دخل في مرحلة النزاع الاخيرة لان " الخلل" الذي يشوب هذا " التفاهم" لم يعد في الامكان ازالته بسهولة والبداية تكون – حسب النائب باسيل- من خلال التخلي عن دعم ترشيح رئيس تيار " المردة" سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية والقبول بالتفاوض على اسم ثالث غير فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون. قد لا يكون هناك " نعي" لـــ " التفاهم" بعد، لكن الواضح ان ما صدر من مواقف من السيد نصر الله والنائب باسيل يعني ان الخلاف بين الحزب و" التيار" لم يعد " تحت الطاولة" بل تجاوز الخطوط الحمر، فالحزب الذي طالما استعان على خلافه مع " التيار" بالكتمان وكان صاحب نظرية ان الملاحظات تناقش في المجالس المغلقة وخلف الكواليس، جاهر هذه المرة بتوصيف وضعية " التفاهم" وان كان استتبع بالعبارة بالقول "نأمل المحافظة عليه من اجل المصلحة الوطنية"، وهو قول يحمل اكثر من معنى.
وفي هذا السياق تقول مصادر متابعة ان ثمة من فهم هذا القول بانه " تنبيه" للحليف بان حزب الله حريص على التفاهم الذي يصب في مصلحة البلد لكن ان اراد الطرف الثاني الخروج منه فلا حول ولا قوة حينذاك. في المقابل ثمة من فهم عبارة " السيد" بانها تأكيد على ان التفاهم وايا كان وضعه فلا بد من الحفاظ عليه لاسيما وانه خرج من كونه اتفاقا بين طرفين الى اطار المصلحة الوطنية ما يفرض التمسك ببقائه حيا.
باسيل: " او التفاهم" او ترشيح فرنجية
وتعود المصادر نفسها بالذاكرة الى ان كلام السيد نصر الله بعد زيارة تبادل العتب والمصارحة لوفد حزب الله إلى ميرنا الشالوحي والتي وإن كانت انتهت بإيجابية لكنها لم تلغ الخلاف في وجهات النظر بين الفريقين حول نقطة مركزية وهي ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية، وفي أعقاب زيارة كتلة "الوفاء للمقاومة" برئاسة النائب محمد رعد لرئيس الجمهورية السابق ميشال عون والتي لم تخرج عن مضمون لقاء ميرنا الشالوحي وإن بوتيرة أخف وأكثر هدوءاً. منذ فاتح الأمين العام لـحزب الله رئيس "التيار" بهذا الترشيح توسّعت رقعة الخلاف بينهما تحت عناوين مختلفة. لم يستوعب "التيار" تمسك الحزب بمرشحه الماروني في استحقاق مسيحي يظهر وكأنه محاولة لتطويق إرادة المسيحيين. كان يفترض من وجهة نظره طرح أسماء المرشحين على سبيل النقاش وليس فرض اسم مرشح والتمسك به والإقتراع بورقة بيضاء طالما لم تتأمن له نسبة الأصوات التي تؤهله للفوز... وأن حزب الله ورغم إدراكه بصعوبة حظوظ فرنجية بالفوز إلا أنه يستمر بالتمسك بترشيحه من دون الوقوف على رأي الغالبية المسيحية.ولم يعد سرا ان " التيار" لا يلاقي حليفه الى الإعتبارات التي تجعله يتمسك بترشيح فرنجية وهو كان سباقاً إلى توصيف وضعية التفاهم يوم قال باسيل في إطلالته الأخيرة إنّ التفاهم مع حزب الله واقف على ثلاث ركائز، فإن اهتزت ركيزتان منه كان استمراره محالاً. وإذا كان حزب الله مدركاً لحراجة وضع التفاهم فما الذي فعله للحفاظ عليه وتحصينه أبعد من إرسال رسائل عبر وسائط متعددة بأنه لا يزال ينتظر من باسيل تسمية مرشحيه لرئاسة الجمهورية لبدء النقاش بشأنها. ويقول مصدر في "التيار" انه سبق ان نبه الى ضرورة تلافي الإنهيار الذي وصل اليه البلد، وطالب حزب الله بالإتفاق على رئيس جمهورية ببرنامج عمل محدد وتشكيل حكومة بما يعيد تركيب البلد بطريقة مختلفة للسنوات المقبلة ورغم ذلك يتمسك بمرشحه وليس مستعداً للتراجع وهو المدرك أن معركته خاسرة. في تحليل "التيار"فإنّ وضعية التفاهم الحرجة لا تعني الذهاب نحو حرب مع حزب الله.
ويضيف المصدر ان لدى " التيار" اكثر من سبب للتساؤل عما فعله "الحزب" كي يبقى التفاهم مصانا من الخلل، ذلك ان " الحزب" ترك الرئيس عون وحيدا خلال ولايته الرئاسية ولم يسارع الى دعمه بعدما هبت عليه الحملات من اكثر من جهة ولاسيما من حليف " الحزب" رئيس مجلس النواب ورئيس حركة " امل" الرئيس نبيه بري. كذلك ترك " الحزب" "التيار" بمجرد خروج الرئيس عون من قصر بعبدا في نهاية ولايته الرئاسية، والتحق بخيارات رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي منذ ان ساند الدعوات الــــى عقد جلسات للحــــكومة مع علم " الحزب" ان " التيار" يشكك بشرعية هذه الجلسات وميثاقيتها في ظل الشغور الرئاسي.
"تفاهم مار مخايل": مرحلة النزاع الاخير؟
في المقابل تقول مصادر حزب الله ان الحرص على استمرار " التفاهم" واضح وان زيارة باسيل في مقر "التيار" في ميرنا الشالوحي كانت مهمة ومفصلية بالنسبة الى مستقبل العلاقة بين الطرفين، لكن المصادر تقــــول ان باسيل ظـــل طوال اللقاء متمسكا بمعـــادلة ان استمرار " التفاهم" يعني صرف " الحزب" النظر عن خياره الرئاسي بترشيح فرنجية والتوجه معه للتفكير بخيار آخر يتم التفاهم على دعمه وخوض معركته. في ذلك اللقاء ابدى وفد حزب الله برودة اعصاب وتفهماً لموقف باسيل لجهة اعتراضه المعلوم سلفا على خيار العمل لترئيس زعيم "المردة" من منطلق ان لكل طرف حساباته وخياراته السياسية الموائمة لمصالحه وله بطبيعة الحال حرية المفاضلة والمقارنة، ولكن ليس من حقه وفق قواعد التفاهمات السياسية المعمول بها ان يفرض على الشريك تلك الحسابات وهذه الخيارات من باب إما هذه وإما القطيعة والفراق.ومع ذلك، وفي سعيّ من عضوي الوفد الى "ربط النزاع ومحاولة ضبطه إن امكن"، تمنيا على باسيل تزويد الحزب بلائحة اسماء ينتقيها من باب انها ستشكل قاسما مشتركا لتزكيتها لينظر الحزب فيها لاحقا بتعمق ولتكون خيارا احتياطيا اذا ما قررت قيادة الحزب يوما ما ان تضع "الخطة ب" في الموضوع الرئاسي. وقد رفض الوفد ان يعطي باسيل وعداً بإمكان ان يتخلى عن مرشحه الحصري المعروف للرئاسة الاولى.ولمّا تأخر باسيل في ارسال لائحة الاسماء التي وعد بها بادر المعنيون في الحزب الى الاتصال به مذكّرين اياه بضرورة ارسال تلك اللائحة الموعودة، فكان ان وعد مجددا بالايفاء بالوعد، لكن شيئا من هذا القبيل لم يصل الى حارة حريك رغم مرور اكثر من ثلاثة اسابيع.
بعض المتابعين يرى ان باسيل لن يرسل لائحة الاسماء وكان كلامه في لقاء شباب " التيار" واضحا في هذا المجال. كذلك فان كلام السيد نصر الله يوحي وكأن "التفاهم" دخل مرحلة حرجة جدا بعدما كان طوال الاشهر الماضية في " العناية الفائقة". المتـــــابعون يقولــــون ان " التفاهم" يحتاج الى معجزة، وزمن المعجزات ولى والبلاد في وضع مأزوم من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وقد تكون العلاقة بين " التيار" و" الحزب" في المدى المنظور اشبه باحد الاحكام التي تصدر عن المحاكم الروحية المارونية حين يقع الخلاف بين زوجين، فبدلا من الطلاق يكون الحكم بـــ " الهجر" على امل ان تعود الايام وتجمع بين الزوجين، ذلك ان لا التيار يريد القطيعة، ولا " الحزب" يريد الفراق المستدام، لانه مهما حصل سيحافظ الطرفان على علاقة صداقة تجمعهما، يلتقيان حيث تقضي الحاجة ويفترقان عندما تنتفي هذه الحاجة..... انما بالنسبة الى "تفاهم مار مخايل" حالة مراوحة بين الحياة والموت والمهم الا يحل اليأس لدى الطرفين من امكان رأب الصدع.... ذات يوم!