في الوقت الذي تدل كل المؤشرات ان الاستحقاق الرئاسي لن يكتمل قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الاول( اكتوبر) الجاري وبالتالي فان الشغور في الموقع الرئاسي حاصل لا ريب فيه، زاد البيان الذي ادلى به رئيس " التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل القناعة بان لا رئيس جديدا للجمهورية في وقت قريب، وذلك من خلال مؤشرين اثنين: الاول اطلاقه مبادرة حدد فيها اولويات " التيار" للاستحقاق الرئاسي، وهي اولويات عامة قد لا تنطبق على مرشح معين وتتطلب وقتا لاقناع الافرقاء السياسيين بها فيما توقيت انتهاء ولاية الرئيس عون بان مسألة ايام قليلة ولا مجال بالتالي لنقاش مستفيض حولها فضلا عن عدم وجود رغبة لدى بعض الكتل النيابية في التجاوب مع الدعوة الى مناقشتها. اما المؤشر الثاني فهو الطلب الذي قال انه سيوجهه الى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لعقد لقاء " توحيد الصف" وهو امر لا يجد حماسة لدى البطريرك الراعي للسير به. وبالتالي فان هذين المؤشرين يحملان في طياتهما منسوبا عاليا من احتمال عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء المهلة الدستورية، وبعد دخول البلاد في مرحلة الشغور الرئاسي تبقى الامور مفتوحة على احتمالات شتى ويصبح توقيت انتخاب الرئيس العتيد مجهولا واسير تجاذبات سياسية تقوى يوما بعد يوم.
اولويات باسيل الرئاسية
بالنسبة الى المؤشر الاول، فان قراءة متأنية لـــ " الاولويات" التي حددها باسيل تظهر انها افكار " طموحة" تبرز في سبع نقاط اساسية قابلة للنقاش الذي يمكن ان يستهلك وقتا طويلا، فيما المهلة تضيق. وابرز ما جاء في النقاط الاتي:
- في السياسة الخارجية والدفاعية: الحفاظ على السيادة وحماية الحدود والحقوق كاملةً ووضع إستراتيجية دفاعية تكون الدولة المرجع الأساس فيها، الحفاظ على علاقات لبنان مع الخارج وتطويرها، وتحييده عن النزاعات، تحقيق سريع لعودة آمنة للنازحين السوريين والتمسك بعودة اللاجئين الفلسطينيي.
- في التوازن الوطني والشراكة: التمسّك بالقاعدة التمثيلية لرئيس الجمهورية كشرط ميثاقي اساسي للحفاظ على دوره، الحفاظ على قانون انتخابي يحفظ صحّة التمثيل بالمناصفة الفعلية، وحق المنتشرين بالتمثيل المباشر وبالمشاركة ترشيحاً وإقتراعاً في الدوائر المخصصة لهم كما جاء في القانون. واحترام الميثاقية الوطنية في تكوين السلطات على قاعدة الشراكة التامة والمتوازنة بين المسيحيين والمسلمين. ورفض تكريس أي موقع لاي طائفة في المناصب الوزارية، ومنع أي استغلال لمبدأ الميثاقية بهدف التعطيل التعسفي لعمل السلطات.
- في معالجة الإنهيار: خطة متكاملة للتعافي المالي توحّد سعر الصرف وتعيد هيكلة المصارف، تنص على إستعادة الأموال، وتشتمل على توزيع عادل ومتناسب للخسائر مع الحفاظ على حقوق المودعين خاصةً الصغار منهم ، وإصلاح المالية العامة بإنهاء التدقيق في الحسابات المالية وقطوعات الحسابات وفقاً للدستور، وبإقرار موازنات فعلية بأبعاد إقتصادية تنموية وإجتماعية لا مجرّد توازن أرقام.
- في الاصلاح السياسي والاداري: عقد طاولة حوار وطني لتطوير النظام استناداً الى تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني، معالجة الثغرات والاختلالات في الدستور، إقرار اللامركزية الإدارية والمالية الموسَّعة، إلغاء الطائفية واقرار قانون مدني للأحوال الشخصية؛ توصلا الى الدولة المدنية. انشاء مجلس الشيوخ على اساس " الارثوذكسي"، قانون عصري للاحزاب، تنقية الادارة من شوائب التوظيف الزبائني واعادة هيكلة القطاع العام، الانتقال الى الحوكمة الرشيدة والحكومة الالكترونية، واقرار الشباك الموحد للمعاملات.
- في القضاء: اقرار قانون عصري لاستقلالية القضاء، انهاء التحقيق واصدار الاحكام في جريمة انفجار المرفأ، اجراء التحقيقات ومحاكمة المتورطين في الجرائم المالية، انشاء محكمة خاصة بالجرائم المالية، رفع يد السلطة التنفيذية عن الاجهزة الرقابية، وضع حد لزمن اللاعقاب.
- في الثروة الوطنية: استخراج النفط والغاز بحرا وبرا وانشاء الصندوق السيادي، حماية الثروة المائية واستثمارها، واستثمار الشمس والمياه والهواء في طاقة متجددة، بناء علاقات تفاعيلة مع الانتشار عن طريق ممارسة حقهم في استعادة الجنسية اللبنانية واختيارها، واشراكهم في المشاريع الاقتصادية.
- في الامان والاستقرار والازدهار: تعزيز هيبة الدولة بفرض سلطة القانون، تطوير الجيش وتعزيزه بالقدرات، تطوير القوى الامنية وتفعيلها، ضبط الحدود، برنامج استثماري انشائي في البنى التحتية، اعادة احياء دور لبنان المشرقي والعربي والمتوسطي".
طلب لن يستجاب
اما المؤشر الثاني، فتناول الدعوة التي اطلقها لعقد لقاء في بكركي من اجل مناقشة الوضعين الرئاسي والحكومي، وهو امر اعتبرته مصادر معارضة " مستغربا في التوقيت والمضمون" خصوصا قبل ايام من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وفي وقت يستمر فيه تعطيل الحكومة، وهو امر اثاره الرئيس نجيب ميقاتي من زيارته الى بكركي الاسبوع الماضي والتي جاءت بعد المناشدات التي اطلقها البطريرك لتشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس للجمهورية. وقالت مصادر متابعة ان ميقاتي وضع البطريرك في تفاصيل ما جرى قبل توجهه الى نيويورك وما تم التوافق عليه مع رئيس الجمهورية حكوميا، ليعود الى بيروت ويجد " شروطا" وصفتها مصادر ميقاتي بانها " تعجيزية" واتهمت باسيل بوضعها. وفي رأي المتابعين بان باسيل تعمد دعوة الراعي الى استضافة لقاء مسيحي كما كان يحصل في محطات سابقة ردا على زيارة ميقاتي، من اجل رمي الكرة في ملعب بكركي. وفي هذا الاطاريستبعد أحد الوزراء السابقين وهو مقرّب من البطريرك الماروني، أن يحصل لقاء مسيحي يدعو اليه الكاردينال الراعي، لأنه في هذا التوقيت يُقحم الصرح في ما لا يريده البطريرك بعد التجارب التي نتجت عن اللقاءات السابقة وبقيت حبراً على ورق، فالمؤكد، ان "القوات اللبنانية" لن تؤيد أو تشارك في لقاء لتقدّم هديّة مجانية لباسيل ،لا بل إن البطريرك الراعي، وذلك كلام موثوق به نقلاً عنه، لا يريد أن يخطو أي خطوة تأخذ الطابع الطائفي والمذهبي، وتالياً لن يدخل في لعبة الأسماء أي المرشحين للرئاسة وترك للفاتيكان أن تتواصل مع باريس وهذا ما يحصل، وهو يعبّر في عظاته ومواقفه عما يجري اليوم على كل المستويات.
في اي حال، فان المعطيات تدل على ان بكركي ليست في وارد الدخول في " متاهات" اقتراح اسماء مرشحين للرئاسة، بل هي تفضل البقاء على موقفها الاساسي، وهو تحديد المواصفات التي ترى ضرورة توافرها في الرئيس العتيد، وهي ابلغت كل من فرنسا والولايات المتحدة الاميركية هذا الموقف، اضافة الى زوارها من سياسيين وفعاليات، لانه من الواضح ان البطريرك الراعي ليس في وارد الوقوع في " الخطأ" الذي وقع فيه البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير في الجولة الانتخابية ما قبل الماضية عندما رفع خمسة اسماء سلمها للفرنسيين، لكن النتيجة كانت ان ما من احد من الاسماء الخمسة التي اقترحها وصلت الى قصر بعبدا. اضافة الى ان فكرة اللقاء المسيحي المقترح ليست واردة ايضا في حسابات البطريرك لعلمه سلفا ان لا نتيجة تذكر من هكذا مبادرة بسبب المواقف المسبقة للاقطاب الموارنة والتي تجعل امكانية اللقاء بين بعضهم البعض واردة. من هنا يتضح ان دعوة النائب باسيل ليست سوى " بالون" اختبار يعرف هو قبل غيره ان لا نتيجة عملية لها، بل وسيلة تضاف الى وسائل اخرى لتأخير الحسم في الاستحقاق الرئاسي الذي لن يأتي نتيجة تسوية " على البارد"، علما انه قد يصبح امرا واقعا على السخن"!.