لا يختلف اثنان على ان المساعي التي تبذل بين الكتل النيابية لتوحيد موقفها من الاستحقاق الرئاسي، لم تنجح حتى اليوم في مكب المشهد السياسي والتوافق على اسم موحد لرئاسة الجمهورية، ولا تتجاوز اللقاءات التي تعقد اما حول طاولة غداء او عشاء عن كونها محاولات يائسة للتأسيس لرؤية موحدة لشخصية الرئيس المقبل، ولم يعد سرا ان ثمة مشاورات يجريها عدد من النواب حول امكانية تشكيل قوة نيابية ثالثة تتموضع بين محور " الممانعة" الذي يدعم ترشيح رئيس تيار " المردة" سليمان فرنجية، والمحور المؤيد لمنافسه النائب ميشال معوض، بهدف الضغط لاخراج الاستحقاق الرئاسي من المراوحة والدوران في حلقة مفرغة. ولعل ابرز المشاورات الجارية هي تلك التي تشمل " بيضة القبان" في الاقتراع الرئاسي وبالتالي يحسب لها الف حساب خلال توزيع القوى في الندوة البرلمانية. لكن ثمة عوائق لا تزال تحول دون التقاء النواب السنة على قاعدة واحدة، منها الصعوبة في الاتفاق على ترشيح شخصية لرئاسة الجمهورية من خارج المتسابقين الى سدة الرئاسة الاولى، وكذلك الانقسام حول الدعوة التي اطلقها الرئيس نبيه بري لبدء حوار نيابي يهدف الى اخراج انتخاب الرئيس من التأزم، ولم يعد سرا ان الانقسام يدور بين النواب المنتمين الى " تكتل قوى التغيير" الذين يعطون الاولوية لانتخاب الرئيس، وبين عدد من النواب المستقلين المؤيدين للحوار لعله يدفع في اتجاه فتح ثغرة في الحائط المسدود الذي يعيق الانتخاب.
هكذا يتوزع النواب السنة في طبعة 2022
في واقع مجلس النواب وفق طبعة 2022، هناك 27 نائبا عن الطائفة السنية يتوزعون حاليا على 6 نواب يؤيدون ترشيح النائب معوض هم: اشرف ريفي، فؤاد مخزومي، وضاح الصادق، بلال عبد الله، ايهاب مطر، بلال الحشيمي، في مقابل 8 نواب يقترعون بأوراق بيضاء هم: جهاد الصمد، محمد يحيى، عدنان الطرابلسي، طه ناجي، حسن مراد، قاسم هاشم، ينال الصلح، ملحم الحجيري. فيما يؤيد 4 نواب ترشيح الأستاذ الجامعي عصام خليفة، هم: أسامة سعد، ياسين ياسين، إبراهيم منيمنة، حليمة القعقور.أما على الجانب الآخر، فإن 6 نواب يقترعون بأوراق كُتب عليها "لبنان الجديد"، هم: أحمد الخير، عماد الحوت، عبدالعزيز الصمد، وليد البعريني، محمد سليمان، نبيل بدر. مع الإشارة إلى أن النائب عبد الرحمن البزري عدل عن الاقتراع بورقة "لبنان الجديد" واقترع لمصلحة النائب السابق صلاح حنين الذي لم يعلن ترشّحه حتى الساعة، فيما يقترع كريم كبارة بورقة مرمّزة، علماً أنه الأقرب إلى الرئيس بري وتربطه علاقة وطيدة بفرنجية، بينما يُفترض أن يتناغم النائب فيصل كرامي، الذي حل مكان النائب رامي فنج المطعون في نيابته، مع محور "الممانعة"، مع الإشارة إلى أن فنج اقترع طوال فترة نيابته لمصلحة معوّض.ويحاول كرامي أن يتمايز عن محور "الممانعة" لأنه يُعتبر في عداد المرشحين لتولي رئاسة الحكومة مع عودة المؤسسات الدستورية إلى الانتظام بعد انتخاب رئيس للجمهورية، ويتردد بأنه يطمح لتشكيل كتلة نيابية على غرار اللقاء التشاوري الذي تشكّل سابقاً في دورة الانتخابات الماضية، وكان عضواً فيه إلى جانب عدد من النواب المتحالفين مع محور "الممانعة" برعاية مباشرة من «حزب الله". لذلك، هناك صعوبات تعيق تشكيل قوة نيابية ثالثة، وهذا ما ينسحب على المحاولات الرامية لجمع النواب السُّنة من غير المنتمين إلى المحورين الداعمين لترشيح معوّض، في مواجهة الورقة البيضاء التي يقترع بها الثنائي الشيعي وحلفاؤه. ورغم أن عدة محاولات جرت لتشكيل كتلة نيابية تضم النواب السُّنة على الأقل من غير المنتمين إلى محور "الممانعة"، فإن المشكلة تكمن في أن بعض النواب يتطلّعون إلى وراثة الحريرية السياسية وتقديم أنفسهم على أنهم الأقدر على ملء الفراغ في البرلمان المترتب على عزوف رؤساء الحكومات السابقين عن خوض الانتخابات، لكنهم واجهوا عقبات أدت إلى ارتفاع حالة الضياع التي تحاصر معظم النواب السُّنة، والتي ما زالت تحول دون مشاركتهم الفاعلة في الجلسات التشريعية والتقليل من دورهم في الحراك الرئاسي الذي يدخل حالياً في أزمة مديدة.
وعليه، فإن الشرذمة التي يعاني منها النواب السُّنة قد تطول في غياب المرجعية القادرة على جمعهم وتأطيرهم في كتلة نيابية وازنة تلعب دور الشريك في انتخاب الرئيس، بدلاً من أن يبقى معظمهم في الخطوط الخلفية يقفون وراء الناخبين الكبار في المعركة الرئاسية، مع أن جمعهم في كتلة واحدة سيؤدي إلى إعادة خلط الأوراق بما يسمح لهم باسترداد دورهم والتعويض عن غياب «المايسترو» النيابي الذي يجعل منهم أحد الشركاء المقررين في انتخاب الرئيس.
وفي سياق المحاولات لجمع شمل النواب السنة، تبرز محاولة اثنين من نواب بيروت، فؤاد مخزومي ونبيل بدر، ولم يتمكن الاول بعد من استقطاب النواب السنة لتشكيل شبه تكتل نيابي يؤسس لزعامة سنية وذلك بعد اعتذار 10 نواب عن الحضور ابرزهم عماد الحوت ومحمد سليمان، وعبد الرحمن البزري وياسين ياسين وجهاد الصمد واحمد الخير ووضاع الصادق وايهاب مطر ونبيل بدر الذي يعمل بدوره على جمع النواب السنة وهو دعا الى اكثر من لقاء في دارته لم تحقق الغاية المنشودة. وتتحدث مصادر متابعة عن ان محاولات جمع النواب السنة ستبقى من دون نتيجة، في الوقت الراهن على الاقل، ما لم تتوضح صورة التحالفات السياسية حيال الاستحقاق الرئاسي، لان بين كل مجموعة من النواب السنة، نائب او اكثر يطمح في ان يكون رئيسا لحكومة العهد الاولى خصوصا مع تأكيد الجميع من ان عودة الرئيس سعد الحريري في الوقت الراهن غير ميسرة، اضافة الى ان كل الاشارات ترد من ابو ظبي تدل على ان اقامة الحريري في دولة الامارات العربية المتحدة سوف تطول وان زيارته لبيروت في 14 شباط ( فبراير) المقبل لن تتجاوز زيارة ضريح والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقراءة الفاتحة عن روحه، ولقاء افراد الاسرة والعودة مجددا الى ابو ظبي. وتتوقف المصادر عند ايحاء البعض بامكانية تسلم النائب فيصل كرامي منصب رئيس الوزراء المقبل، فتقول انه اذا كان من حق النائب كرامي ان يكون له هذا الطموح لانه يتحدر من بيت عاش فيه ثلاثة رؤساء حكومات هم جده عبد الحميد كرامي وعمه الشهيد رشيد كرامي ووالده المرحوم عمر كرامي، الا ان هذه المعطيات لا تكفي في الوضع الراهن للوصول الى السراي الكبير، لان مواصفات الرئيس العتيد للحكومة في العهد المقبل لا تتوافر كلها في شخصية النائب كرامي الذي وان كان يتمتع بصفات كثيرة تؤهله لتسلم موقع وزاري في الحكومة المقبلة ما يساعده لاحقا على ان يصبح مرشحا جديا لرئاسة الحكومة. لكن الوضع الراهن يفترض ان تكون للرئيس الثالث في الدولة علاقات خارجية عربية ودولية تفسح في المجال امام تسهيل التضامن العربي والدولي مع لبنان في الاتي من الايام، وتمكنه من التواصل مع قادة دول العالم على غرار ما كان يفعله الرئيس الشهيد رفيق الحريري في بداية توليه مسؤولية رئاسة الحكومة بعد الانتخابات النيابية العام 1992.