تفاصيل الخبر

الانفتاح العربي والخليجي على سوريا يتطلب مقاربة رسمية واقعية لتكون انعكاساته ايجابية على لبنان

18/01/2023
الانفتاح العربي والخليجي على سوريا يتطلب مقاربة  رسمية واقعية لتكون انعكاساته ايجابية على لبنان

الرئيس السوري بشار الأسد في لقاء سابق مع  الرئيس التركي" رجب طيب اردوغان "

 

ترصد مراجع سياسية وديبلوماسية بكثير من الاهتمام والعناية، الانفتاح العربي والاقليمي المستجد على سوريا، لاسيما الانفتاح الخليجي بعد قطيعة طويلة منذ انطلاق الحرب في سوريا العام 2011. ومع تسارع التطورات ومعها الزيارات الى سوريا، تتساءل هذه المراجع عما سيكون عليه الموقف اللبناني حيال ما يجري في " الجارة الاقرب" من مستجدات لعل ابرزها في الايام الاخيرة اخذ العلاقة بين سوريا وتركيا منحى ايجابي بعد حرب سقطت فيها كل المحرمات والخطوط الحمراء وتدمير معظم مناطق الشمال السوري بالمدافع التركية. وفي الموازاة، عادت العلاقة السورية مع الامارات والبحرين وعمان الى وضعها الطبيعي، وباشرت دولة الامارات تنفيذ مشاريع تتعلق بصيانة البنى التحتية في محيط العاصمة، في وقت تشهد فيه العلاقات مع مصر تطورا دائما، وتسود " المودة" العلاقات مع الاردن والعراق والجزائر وتونس والكويت. اما السعودية فقد تراجعت حدة حملاتها على النظام السوري وسط معلومات تتحدث عن لقاءات على مستوى استخباراتي حصل بين البلدين تؤكدها مصادر سورية مطلعة، ولا تنفيها المصادر السعودية الرسمية. كل ذلك في ظل التحالف " المتين والاستراتيجي" القائم بين سوريا وحزب الله وايران وروسيا، وآخر تجلياته، ازالة الصعوبات التي حالت  دون وصول النفط الايراني الى الاسواق السورية مع وصول باخرة نفط ايرانية الى بانياس. واللافت ان زيارة وزير الخارجية الاماراتي عبد الله بن زايد مؤخرا الى سوريا تلت افتتاح سفارة الامارات في دمشق العام الماضي وسبقتها زيارة الرئيس بشار الاسد الى ابو ظبي، ثم افتتاح سفارة مملكة البحرين... كل ذلك بالتزامن مع تنامي الحديث عن عودة سوريا الى الحضن العربي في القمة المقبلة التي يتوقع ان تستضيفها المملكة العربية السعودية التي تطورت في الآونة الاخيرة علاقتها مع  روسيا حيث لعب ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان دورا انسانيا لافتا في ما خص عدد من اسرى الحرب بين روسيا واوكرانيا.

وتبدي المراجع نفسها تساؤلات عن مدى تأثير مسيرة الانفتاح المتعدد الوجوه على سوريا، على الوضع في لبنان وهو الاقرب جغرافيا الى سوريا والذي لا يزال يتحفظ رسميا عن القيام باي خطوة تحد من التباعد الحاصل بين رسميي الدولتين وان كانت ثمة زيارات لوزراء حصلت في الاشهر الماضية، لكنها ظلت محدودة ولم تكن لها اي متابعة عملية. وفي هذا السياق، تأخذ مصادر قريبة من دمشق على الحكومة اللبنانية عدم التعاطي مع الحكومة السورية وفقا لمصلحة البلدين على رغم التداخل الحاصل بين لبنان وسوريا، جغرافيا واجتماعيا واقتصاديا وتجاريا، ناهيك عن الوضع الامني الذي يحتاج استقراره في لبنان الى استقرارا في سوريا، اضافة الى ان معالجة ازمة النازحين السوريين الذي يئن لبنان وجعا بسببها، تحتاج الى تواصل حقيقي مع المسؤولين السوريين من  اجل وضع الخطة المعدة لعودة النازحين موضع التنفيذ بشكل نهائي، علما ان استمرار القطيعة يجعل من امكانية نجاح الخطة مسألة لا يمكن تجاهلها. وتقول المصادر القريبة من دمشق ان المسؤولين السوريين " منزعجون" من تحميلهم مسؤولية المشاكل التي اصابت لبنان وتراجع الوضع الاقتصادي، ويضيفون انه صحيح ان عمليات التهريب في اتجاه سوريا وبالعكس تضر باقتصاديات البلدين، لكن سوريا تقوم باجراءات لمنع التهريب ولا تجد في المقابل تعاونا كاملا من الجانب اللبناني الذي ستكون له الحصة الكبرى في المساهمة مباشرة او مداورة، في عملية اعادة الاعمال في سوريا عندما تضع الحرب اوزارها نهائيا من خلال تسوية يجري العمل لها ببطء بسبب التجاذبات بين الاميركيين والايرانيين حينا، وبين موسكو وواشنطن احيانا لاسيما بعد الحرب الروسية- الاوكرانية وردود الفعل عليها.

 

تحركات امنية تتطلب تنسيقا على الحدود

وتتحدث المصادر القريبة من دمشق ان تطورا امنيا مهما متوقعا خلال الاتي من الايام بعد المعلومات التي تحدثت عن طلب تركيا من المسلحين الخاضعين لنفوذها القيام بمصالحات مع الدولة السورية ومن يرفض ذلك عليه مغادرة الاراضي السورية الى وجهة اخرى ترجح المصادر ان تكون افغانستان. الا ان مصادر متابعة تخوفت من رفض مجموعات من المسلحين التوجه الى افغانستان وبالتالي الانتشار على الحدود مع لبنان والاردن وتحويل تلك المناطق المتاخمة للبلدين الى بؤر مسلحة لشتى هجمات على لبنان وسوريا والاردن على حد سواء، وهذا ما دفع الجيش السوري الى اتخاذ اجراءات استثنائية على  الحدود الشمالية مع لبنان لان تركيا، حسب المعلومات المتوافرة، مصرة على تنفيذ الاتفاقات في شمال ادلب خلال ستة اشهر وعقد الاجتماع بين الرئيس التركي" رجب طيب اردوغان "والرئيس الاسد خلال شهر ايار ( مايو) المقبل. ومثل هذا الانتشار المسلح، اذا حصل، يفرض على الجيش اللبناني اتخاذ اجراءات امنية والتنسيق مع الجيشين السوري والاردني لحماية الشريط الممتد من درعا حتى العرقوب وصولا الى الشريط الممتد من ادلب الى الرقة وتدمر وحمص ووادي خالد. كل هذه الاجراءات تتطلب تواصلا وتنسيقا بين الجانبين اللبناني والسوري يتجاوز ما انجزه المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم من نجاحات في مجال التنسيق في موضوع النازحين السوريين وتبادل المتهمين بارتكاب جرائم في لبنان، ناهيك عن امور اخرى نجح اللواء ابراهيم في تحقيقها بفضل حنكته وثقة المسؤولين اللبنانيين والسوريين على حد سواء به.

الا ان ثمة من يخشى ان تؤدي التطورات " الايجابية" بين سوريا وعدد من الدول التي قاطعتها او لا تزال، الى تسهيل اعادة الدور السوري الى لبنان لاسيما مع وجود جهات لبنانية لا تزال تتأثر سياسيا بالخيارات والتوجهات السورية، لكن مثل هذه المخاوف لا تبدو واقعية لاسباب عدة اولها ان دمشق غير راغبة في العودة من جديد الى " الوحول اللبنانية" وستكون امام عمل داخلي واسع بعد انتهاء الحرب والتوافق على "  المخارج- التسوية"، اضافة الى ان العلاقات اللبنانية- السورية ستبقى في الاطارين الديبلوماسي والامني مع العلم بان حلفاء سوريا في لبنان يرون ان الانفتاح العربي على سوريا يمكن ان يساهم في ادخال " تحسينات" على الوضع الداخلي اللبناني اذ ليس من الوارد في حسابات احد ان يعود النفوذ السوري الى لبنان كما كان خلال فترة وجود القوات السورية على الاراضي اللبنانية. ويسجل مراقبون تراجع منسوب الحملات والانتقادات على النظام السوري من معظم " القوى السيادية" و" الاستقلالية" وقد باتت تنصب على ايران وحزب الله، وان كان بعض " السياديين" يمرر من وقت الى آخر انتقادا ضد سوريا، لكن ليس بالحدة التي كانت عليها في السابق، وبالتالي فلا خوف من عودة " الوصاية السورية" اذا ما اعاد لبنان الرسمي النظر في علاقته مع دمشق لان اي تطور ايجابي في هذا الاتجاه ستكون فوائده للبنان اكبر بكثير من فوائده على سوريا، وفق ما ترى مصادر مطلعة، لاسيما وان حصة لبنان في مرحلة اعادة اعمار سوريا ستكون مجزية اذا ما احسن لبنان قراءة التطورات المستجدة في سوريا وتصرف المسؤولون فيه على هذا الاساس!.