مع انقضاء شهر كانون الثاني( يناير) الجاري تطوى صفحة الترقيات في الاسلاك العسكرية التي كان يفترض ان تصدر مع نهاية شهر كانون الاول ( ديسمبر) الماضي ويعمل بها ابتداء من 1/1/2023 ، لكن هذه المراسيم التي ينتظرها الضباط في الجيش وقوى الامن الداخلي والامن العام وامن الدولة والجمارك بفارغ الصبر، لم تجد طريقها الى الصدور لاسباب متعددة تعكس الواقع المذري الذي يصيب مؤسسات الدولة، الواحدة تلو الاخرى، وصولا الى المؤسسات العسكرية والامنية... كي لا يعتب احد على احد! ولم يعد سرا ان في صفوف الضباط، من مختلف الاسلاك العسكرية، غضب وتململ لانهم يعتبرون الترقيات التعويض المعنوي الوحيد الذي يمكنهم تحصيله في ظل تآكل رواتبهم وسوء اوضاعهم المعيشية اذ انهم بفقدانهم ميزة الترقيات السنوي اصبحوا مثل الموظفين في الادارات الرسمية. ولعل ما يؤلم الضباط من مختلف الرتب، انهم يدفعون ثمن الازمة السياسية الحكومية التي اطاحت حتى الان بمشروع الترقيات لمئات الضباط، وقد حاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي معالجة ما حصل من خلال ادارج مشروع قانون على جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء الاسبوع الماضي يتيح اقرار الترقيات خارج المهلة المحددة، اي آخر السنة، الا ان الملابسات التي رافقت انعقاد مجلس الوزراء والمطالبة باقتصار النقاش في البنود المتعلقة بالكهرباء فقط،، جعلت هذا البند " يطير" هو الاخر عن الجلسة على امل ان يتمكن الرئيس ميقاتي من ادراجه لاحقا على رغم ان توصيف " الضرورة " و" العجلة" ينطبق على هذا الموضوع الحساس بالنسبة الى الضباط في كل الاسلاك العسكرية.
من المسؤول عن تأخير ترقيات الجيش؟
وكان من المفروض ان تسلك مراسيم الترقيات طريقها التقليدي لاسيما وانها مراسيم عادية لا تحتاج الى موافقة مجلس الوزراء اذ تصدر عادة بتواقيع رئيسي الجمهورية والحكومة ووزراء الدفاع والداخلية والمالية، الا ان ما حصل بالنسبة الى مراسيم ضباط الجيش ادى الى تأخر الملف بكامله علما ان مشروع ترقيات قوى الامن الداخلي والامن العام وامن الدولة والجمارك، كان قد انجز اعداده واجل وافق للاصول الى الامانة العامة لمجلس الوزراء. وتقول المعلومات ان مشاريع مراسيم ترقية ضباط الجيش وصلت الى وزير الدفاع موريس سليم من المجلس العسكري في 30 كانون الاول( ديسمبر) الماضي وهي تضمنت الدفعة الاولى من ترقيات العام 2023، فوقعها من دون اي تأخير على رغم انه كان في فترة حداد بعد وفاة شقيقته. كذلك وقع مراسيم ترقية الضباط من رتبة عقيد الى رتبة عميد عن الاعوام 2020 و 2021 و 2022 لانها لم تصدر في حينه، واحالها كلها الى الامانة العامة لمجلس الوزراء وفقا للاصول. ولم يعرف السبب الذي جعل المجلس العسكري يتأخر في احالة الترقيات الى ما قبل 24 ساعة فقط من نهاية السنة، علما ان العادة درجت ان ترسل قبل ثلاثة او اربعة ايام حتى تأخذ دورتها بين اليرزة والسراي وبعبدا مرورا بوزارة المالية. والملفت في هذا السياق ان الوزير سليم اعتمد في صياغة مشاريع المراسيم التي وقع عليها، صيغة الـــ 24 وزيرا التي سبق ان اعتمدها في مرسوم المساعدات الاجتماعية للعسكريين، الامر الذي اثار انزعاجا في رئاسة الحكومة التي سبقت ان لفتت نظر الوزير سليم، وغيره من الوزراء، الى ضرورة اعتماد الصيغة التي حددتها الامانة العامة لمجلس الوزراء، اي تواقيع رئيس الحكومة والوزراء المختصين، وليس الوزراء الـــ 24. وتستند رئاسة الحكومة في التمسك بالصيغة المصغرة للمراسيم وليس الصيغة الموسعة الى الدراسة التي نشرها الامين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية في شهر آب ( اغسطس) الماضي والتي استندت الى اراء قانونية لاكثر من مؤسسة دستورية، من بينها قرارات لمجلس شورى الدولة وهيئة التشريع والاستشارات وهيئة القضايا في وزارة العدل.
لكن مصادر رئاسة الحكومة تورد سببا آخر لتعذر صدور المراسيم مشيرة الى ان الوزير سليم ارسل الترقيات في "الوقت الميّت" وتحديداً بعد انتهاء الدوام الرسمي في السراي الحكومي، وأنه أجرى الاتصالات اللازمة مع المعنيين حتى يجد موظفاً يستلمها بطريقة رسمية. وهو ما حصل أيضاً مع وزارة المالية التي أرسلت توقيعها على مراسيم الترقيات باستثناء الترقيات من رتبة عقيد إلى عميد، وبالتالي يجد ميقاتي أن إرسال المراسيم بعد انتهاء الدوام الرسمي هو لـ"ذر الرماد في العيون"، باعتبار أنه كان قد سافر خارج لبنان قبل 24 ساعة، إضافة إلى عدم قدرة الأمانة العامة لمجلس الوزراء على الحصول على تواقيع الـ24 وزيراً لكوْن عدد منهم كانوا أيضاً قد سافروا خارج البلاد لقضاء ليلة رأس السنة. لذلك، يعتقد رئيس حكومة تصريف الأعمال أن المرسوم أُرسل حتى لا يوقّع أصلاً باعتبار أن التوقيع كان يجب أن يحصل قبل نهاية العام ليُصبح نافذاً في 1 كانون الثاني(يناير)، لكن وزير الدفاع يرد بان التأخير لم يكن من عنده بل من المجلس العسكري الذي ارسل له مشروع الترقيات في 30 كانون الاول ( ديسمبر) الماضي بينما كان يفترض ان يرسله قبل ذلك التاريخ وانه بالفعل اجرى اتصالات بالسراي وبوزارة المالية لضمان صدور المراسيم موعدها.
مع ذلك، يُراهن البعض على إمكانية إيجاد حل لمسألة الترقيات، إذ تشير المعلومات إلى وساطةٍ يقوم بها مدير المخابرات في الجيش العميد أنطوان قهوجي، بالإضافة إلى مبادرة طرحها الوزير السابق ناجي البستاني. فيما يؤكد متابعون أنّ الترقيات "صارت وراءنا" على قاعدة استحالة توقيعها بمفعول رجعي ، وبالتالي، سيتم جمعها مع الترقيات التي يجب أن تصدر في 1 تموز (يوليو) المقبل كما جرت العادة، خصوصا اذا لم يرسل مجلس الوزراء مشروع قانون يسمح بتجاوز المهلة المحددة حفاظا على حقوق الضباط في الترقية ما يعني ان الرئيس ميقاتي ان يعيد وضع مشروع القانون على جدول اعمال مجلس الوزراء لاقراره واحالته الى مجلس النواب. اما اذا تعذر ادراج هذا البند على جدول اعمال المجلس، فان الحل الوحيد يبقى في ان يتقدم نائب او اكثر باقتراح قانون بعمل خلال اول جلسة يعقدها مجلس النواب يحفظ حقوق الضباط في الترقية ليصار الى التصديق عليه بدلا من اقراره في مجلس الوزراء، ويصبح نافذا.
الا ان ثمة مشكلة اخرى في موضوع الترقيات لم تجد حلا بعد وهي ترقية الضباط من رتبة عقيد الى رتبة عميد العالق منذ العالم 2019 في "جارور" وزير المال يوسف الخليل بانتظار قرار الرئيس نبيه بري في شأنه والذي احتجز يومها ردا على عدم اصدار الرئيس السابق ميشال عون مراسيم تعيين حراس الاحراج والناجحين في مباراة مجلس الخدمة المدنية لعدم وجود توازن طائفي فيها. وبذلت منذ ذلك الحين وساطات عدة مع الرئيس بري لـــ " الافراج" عن مرسوم ترقية ما يعرف بدورة العماد عون العام 1994 الا انها لم تسفر عن نتائج ايجابية، لكن الامل لم يقطع بعد لرفع الظلم عن مئات العقداء الذين يجب ان تتم ترقيتهم الى رتبة عميد، علما ان بعضهم احيل على التقاعد. وثمة صعوبة في ترقية اي عميد في اي دورة قبل البت بمصير ترقية عقداء دورة العام 1994 الى رتبة عميد نتيجة وجود 6 جفعات من ضباط برتبة عقيد لم تصدر ترقيتهم بعد الى رتبة عميد، فهناك دفعتان عن العام 2020، ودفعتان عن العام 2021 ودفعتان عن العام 2022.... والضباط في هذه الدفعات يدفعون ثمن المناكفات السياسية في وقت ينادي الكل بابعاد المؤسسات الامنية والعسكرية عن الخلافات السياسية والحسابات الطائفية!.