" هدنة" غير معلنة تتحكم هذه الايام بالعلاقة بين حزب الله "والتيار الوطني الحر" بعدما وصل الطرفان الى حالة "هجر" سياسي نتيجة تراكمات اضرت بــ " تفاهم مار مخايل" بعد 17 عاما على اعلانه والعمل بموجبه حينا من هذا الطرف وحده، واحيانا من ذاك الطرف، وفي حالات كثيرة كانا على توافق ووئام. هذه " الهدنة" غير المعلنة توصل اليها الفريقان بعدما شعرا ان الاستمرار في المواجهات الكلامية يزيد الهوة بينهما اتساعا ويكرس الشرخ الذي لن يكون من السهل اعادة اللحمة اليه بسهولة. لكن الاكيد ان امكانية عودة المياه الى مجاريها ليست واردة راهنا وسط معطيات تقول بانها قد تستمر الى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وبالتالي ان الفراق سيكون حسيا وهذا ما ظهر من خلال حالة الاسترخاء التي سادت بعد اسابيع من التوتر وتبادل الحملات الاعلامية على مختلف المستويات- وتؤكد مصادر متابعة ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اعطى توجيهاته الى " الاخوان" في قيادة الحزب بعدم التطرق الى هذا الموضوع في الاعلام مطلقا، لا بل اكثر من ذلك التخفيف من الظهور الاعلامي قدر الامكان. وانعكس هذا الصمت على مواقع التواصل الاجتماعي، وسائر الوسائل التي يشرف عليها الحزب. كذلك فعل رئيس " التيار" النائب جبران باسيل حين التزم هو عدم الحديث عن الخلاف مع حزب الله، وطلب من نوابه ومن افراد " جيشه الالكتروني" ان يلتزموا " الهدنة" غير المعلنة حتى اشعار آخر.
لقد ادرك الطرفان ان التباعد بينهما ستكون له تداعياته، واكثر المدركين كان النائب باسيل الذي بدأ يتصرف على اساس ان " تفاهم مار مخايل" دخل حالة " اللامطلق واللامعلق" وان مستقبل " التفاهم" لن يحسم قبل الانتخابات الرئاسية لان القناعة السائدة ان حالة الافتراق اعتبار ان قناعة سادت الطرفين فحواها ان حالة الافتراق التي حصلت انما بدأت بينهما على خلفية الخلاف حول شخصية الرئيس المقبل الذي سيخلف العماد ميشال عون في قصر بعبدا، لاسيما ان الحزب جاهر بمرشح حصري لهذا المنصب هو زعيم "تيار المردة" سليمان فرنجية، فيما عارض التيار بشراسة هذا الخيار ولم يترك لنفسه فرصة اعادة النظر فيه، وانه عندما تنطوي هذه الصفحة الخلافية يصير بالامكان أمر النقاش بالخيارات البديلة متاحا.والمفارقة ان هذا الكلام قد غلّب فرضية اخرى سرت لبعض الوقت ومفادها ان ثمة تحضيرا لخطوة تجمع بين السيد نصرالله والنائب باسيل، اذ سرعان ما تبين ان هذا الكلام هو نوع من التأويل والاجتهاد، خصوصا ان السيد نصرالله نفسه سبق له أن اعتبر ان لغة الكلام قد تعطلت بين الطرفين مادام باسيل مصراً على استثناء اسم فرنجية من بحث قائمة المرشحين المقبولين عنده للرئاسة الاولى.وفي الاجمال، فان "التيار الوطني" يؤكد على لسان اكثر من مسؤول فيه ان الامور مع الحزب ما برحت على صورتها المعروفة اخيرا ولم يطرأ اي جديد، لكنه يؤكد ان قنوات التواصل مع الحزب لم تُسد تماما ومهمتها التنسيق اليومي، لكن تلك الاجواء لا تلغي وجود " مرارة" عند باسيل والحزب على حد سواء، لكنهما آثرا، بعد كل الاستعراضات الكلامية الاخيرة، ضبط النفس واعتماد "خيار تطبيع" جديد يتناغم والمرحلة السياسية الراهنة، علما ان مرحلة الخشية من تداعيات التحلل من هذا التفاهم والخروج من موجباته اوشكت على الانتهاء لاسيما بعدما اختبر كل طرف من الطرفين فكرة العيش خارج مظلة هذا التفاهم، اضافة الى ان كل من الطرفين " تساكن" مع الحالة المستجدة ولم يتوقف طويلا عندما خلفه الانفصال.
باسيل يبرر مواقفه: التحالف ليس عبئا
لقد كان لافتا ان التيار اكتفى بإبداء بعض الملاحظات وبإطلاق بعض الاتهامات نحو الحزب محمّلا اياه التبعة لانه لم يمضِ معه كما يجب في رحلة الاصلاح والتجديد المنشودة.ولاحقاً بدا "التيار" كأنه يستدرك الموقف، اذ ما لبث ان بادر بعض الرموز فيه وفي مقدمهم النائب آلان عون الى اطلاق كلام يقر بأن التفاهم ليس بالتأكيد في احسن احواله، لكنه شدد على أهميته وعلى ضرورة اعادة النظر فيه بشكل جريء، خصوصا اذا ما اراد الطرفان اعادة نفخ الروح فيه في المستقبل القريب.واللافت ان القوى السياسية الاخرى سواء تلك المنضوية تحت لواء 8 آذار أو تلك التي تعدّ نفسها وريثة 14 آذار وسلسلة نهجها وخطابها، انقسم رد فعلها الى ثلاثة اقسام: القسم الاول سارع الى "الاحتفاء" بالتخلص من هذا التفاهم الذي القى بظلاله الثقيلة الوطأة على دورة الحياة السياسية خلال الـ17 عاما الماضية. وقد لوحظ ان إعلام حركة "امل" كان اكثر المحتفين لاسباب صارت معلومة، فيما القسم الثاني قارب المسألة من باب ان "الانفصال" امر طبيعي لان السياسة في لبنان رمال متحركة ولا شيء يدوم طويلا. أما القسم الثالث فبدأ يبني على اساس ان الانفصال كان مرتقبا لكنه راح يتعامل مع "التيار البرتقالي" كأنه آل الى عراء سياسي وانه سيبدأ تلقائيا رحلة البحث عمن يؤمّن له الغطاء كونه ما اعتاد العيش وحيدا في برية السياسة اللبنانية المتوحشة. وفي محاولة لتبرير موقفه حرص باسيل على بث اجواء ساعدت على تحقيق " الهدنة" من مثل نفيه امام شخصيات سياسية واعلامية غير بعيدة عن حزب الله، ان يكون التحالف مع الحزب قد اصبح عبئا عليه وانّه يجد الفرصة سانحة الآن للتخلص منه، "ولو انّ الامر على هذا النحو لكان الأفضل لي أن انسحب قبل إدراجي على لائحة العقوبات الأميركية، إذ كنا على الاقل قد قبضنا حق الانسحاب وتفادينا العقوبات، ولكننا لا نتعامل مع الخيارات الوطنية وفق قاعدة البيع والشراء، وانا فضّلت ان أدفع ثمن قناعتي بدل ان اقبض ثمنها". واقر باسيل بأنّ السيد نصرالله كان من اشدّ الحريصين على حماية التفاهم معه، ولكنه يتوقف كذلك عند تجربته كوزير للخارجية "حين كنت أيضاً من المتصدّين في أصعب الظروف لمحاولة تصنيف الحزب ارهابياً في عدد من المحافل العربية والدولية، لاقتناعي بخطورة هذا التصنيف وعدم مشروعيته". ويشير باسيل إلى انّ الخلاف حول الاستحقاق الرئاسي يشكّل أحد التحدّيات الصعبة التي تواجه علاقة "التيار" مع "الحزب"، محذراً من انّ "الإصرار على دعم فرنجية مؤداه العودة إلى حقبة التسعينات بمعادلاتها التي أوصلتنا إلى هنا"، كاشفاً انّ في جعبته «اكثر من اسم لا يوجع رأس الحزب، ويستطيع في الوقت نفسه ان يخفف اوجاع البلد»، الّا انّه لا يجد جدوى من طرح البدائل الجدّية قبل إيجاد بيئة ملائمة لتلقفها. وجزم باسيل امام هؤلاء الشخصيات بان ليس المطلوب من حزب الله ان يواجه الفاسدين والمرتكبين بالسلاح والقوة، بل فقط بالموقف القاطع والمشروع السياسي الحازم، معتبرا ان ما قصده في كلامه الاخير هو ان مواجهة الادوات التي تساهم في زرع الفوضى تبقى اسهل واقل كلفة من خيارات " اخرى" لانه في مثل هذه الحالة تحتاج فقط الى استخدام الكلمة وليس الصاروخ".
في اي حـــال، مناخ " الهدنة" غير المعلنــــة سيترك اجواء تهدئة مع حرص على ابقـــاء " التفاهم" على حاله بين " الحزب" و" التيار" خصوصا ان اشارات وردت من الخارج للطرفين بضرورة ابقاء الحوار مع المكون الشيعي قائما وان التريث افضل من " التسرع".