لبنان الذي يعيش منذ بداية الازمة الاقتصادية بنسبة كبيرة، على الهبات والمساعدات من الدول والمنظمات الاهلية بات اهله يواجهون حالات قد تؤثر سلبا على استمرار هذه المساعدات نتيجة انعدام الثقة الدولية بالمؤسسات والادارات الرسمية بفعل " الصيت الذائع" بفسادها وارتكاب القيمين عليها عبر السنوات ممارسات اضرت بشفافية عمل هذه الادارات، كيف لا وكل يوم تتكشف فضيحة جديدة في هذه الادارة او تلك. لكن الاخطر يبقى تراجع الثقة الدولية بالمؤسسات اللبنانية وهذا ما ظهر جليا من خلال وقائع عدة لعل ابرزها ارتفاع منسوب كلام عدد من السفراء حول عزم دولهم اعادة النظر بآلية تقديم المساعدات بعدما اتضح ان الفساد يشمل ليس فقط القطاع الرسمي، بل كذلك بعض مؤسسات القطاع الخاص ولاسيما ما يعرف بالجمعيات الاهلية والمؤسسات التي لا تبغي الربح وايضا شبكات الــــ NGO’S التي انتشرت بعد احداث تشرين الاول ( اكتوبر) من العام 2019 كالفطر في انحاء البلاد وتوسعت بعد الانفجار في مرفأ بيروت. وفي هذا السياق واجهت وزارة التربية والتعليم العالي مطالبة الدول المانحة بكشوفات مالية حول طريقة صرف المساعدات التي قدمت للوزارة في وقت يعاني القطاع التربوي من ازمة حادة نتيجة تراجع مداخيل المعلمين بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار الاميركي قياسا الى الليرة. وخلال الاجتماع الذي عقد في السرايا الكبير برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي وحضور وزير التربية عباس الحلبي وسفراء اوروبيين وممثلين عن الجمعيات المانحة، برزت مطالبة من ديبلوماسيين ومانحين وزارة التربية باصدار كشوفات عن كيفية صرف الاموال المقدمة من الاتحاد الاوروبي والدول المانحة الى وزارة التربية، مع لوائح باعداد المعلمين « دوام بعد الظهر « الى غيرها من الملفات عن المحروقات والبرامج، وقد رد الحلبي بان الوزارة تصدر بيانات مالية على موقعها عن كيفية صرف المساعدات وانجاز البرامج، وستصدر قريبا جدولا يطال المساعدات الاخيرة، وقد تحدث مندوبو الاتحاد الاوروبي عن الفساد والهدر وانهم غير جاهزين للتمويل في هذه الطريقة، وتطرقوا عن ممارسات عنصرية ضد الطلاب السوريين مطالبين بدمجهم مع اللبنانيين وهذا يوفر اموالا طائلة لدفع الحوافز. حتى ان سفيرا اوروبيا تحدث بشكل غير دبلوماسي مع الحاضرين واثار موضوع الفساد في كافة الملفات، والهجرة غير الشرعية من لبنان تجاه اوروبا عبر البحر المتوسط وتحميل الدول الاوروبية مسؤولية هذه المآسي، علما ان السفير المذكور كتب على الموقع الالكتروني للسفارة عن الفساد والهدر في ملفات المساعدات الاوروبية، كما تطرق ممثلي الدول المانحة الى اعباء الازمة الاوكرانية، وهذا ما يفرض على لبنان الشفافية في التعامل مع توزيع الاموال. اجواء الاجتماع في السراي ، جزمت بان الحوافز المالية الاوروبية لن تصل، وعلى الحكومة ابتداع السبل لدفع رواتب المعلمين عبر الصيرفة او نصف الراتب بالدولار وغيرها اذا كانت تريد انقاذ العام الدراسي.
مئة دولار شهريا لعسكريي الجيش وقوى الامن
اشارة اخرى اظهرت ايضا خلال الايام الماضية خلال اطلاق السفارة الاميركية في بيروت وبرنامج الامم المتحدة الانمائي(UNDP) برنامج دعم عناصر الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي عبر تقديم 72 مليون دولار اميركي لتوزيعها على العسكريين كمساعدة شهرية بقيمة 100 دولار لكل من العناصر المستحقين، " على ان يتم التعامل مع شركاء موثوق بهم لضمان وصول الاموال الى مستحقيها". هذه الاشارة القت ظلالا حول عدم ثقة اصحاب البرنامج بوصول المساعدات فعليا الى مستحقيها الامر الذي يطرح علامات استفهام كبيرة، خصوصا ان توزيع هذه المساعدات الشهرية، سيتم مباشرة الى العسكريين من دون المرور بقيادتي الجيش وقوى الامن الداخلي. وقد تسلم القيمون على البرنامج بناء على طلبهم، لوائح بارقام هواتف العسكريين في الجيش وقوى الامن حيث سيصار الى ارسال رسائل SMS او " واتساب" الى العسكريين للتقدم من مكاتب مؤسسة مالية تعنى بتحويل الاموال لقبض المساعدات مباشرة من هذه المؤسسة، على ان يتكرر هذا الامر شهريا الى حين ينتهي الاعتماد المحدد بــــ 72 مليون دولار. وكانت جرت محاولة من احد المسؤولين الامنيين بالحصول نقدا على المساعدة المخصصة للمؤسسة التي يتولى رئاستها بحيث يوزع نصف المبلغ على العسكريين ويستعمل النصف الثاني لاصلاح الاليات المعطلة في مؤسسته. الا ان رفض الطلب جاء تباعا من الجانبين الاميركي والاممي بحيث بدا الاصرار واضحا على ان برنامج المساعدات هذا مخصص للعسكريين كدعم لرواتبهم التي لم تعد تساوي شيئا اذا ما قورنت بقيمة الليرة اللبنانية ازاء الدولار.
وكانت السفيرة الاميركية "دوروثي شيا" قالت خلال الاعلان عن البرنامج " انه في ضوء إلحاح الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان، طلبنا وحصلنا على موافقة الكونغرس الأميركي لإعادة تخصيص جزء كبير من مساعداتنا الأمنية لدعم الرجال والنساء الذين يعملون بجد في الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي بمساعدة مالية تساهم في تأمين مقومات صمودهم وعائلاتهم" ولفتت إلى أنها المرة الأولى التي تقدم فيها الولايات المتحدة هذا النوع من الدعم المالي إلى القوى العسكرية والأمنية في لبنان، مشددةً من جهة أخرى على أهمية أن ينتخب القادة السياسيون رئيسا ويعملوا على تشكيل حكومة وتطبيق إصلاحات اقتصادية فورية.
بدورها، شددت الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان السيدة" ميلاني هاونشتاين "على أن "لأمن والاستقرار والتنفيذ السريع للإصلاح هي الشروط الأساسية للتنمية في لبنان"، مشددةً على أن "الشفافية والمساءلة هما أمران أساسيان لمشروع بهذا الحجم والأهمية". وأوضحت أن "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيعمل مع شركاء موثوق بهم لضمان وصول الأموال إلى المستحقين. وقد استعان بوكالة معترف بها دولياً لمراقبة العملية، وقد وضعنا آليات صارمة لضمان التزام المشروع بأعلى معايير العناية الواجبة في مجال حقوق الإنسان". أما قائد الجيش العماد جوزف عون فرأى أن "حرص المجتمع الدولي على الحفاظ على المؤسسات العسكرية يثبت أنه لن يسمح بانهيار لبنان على الجبهة الأمنية"، ولفت إلى أن "لبنان عرضة لمجموعة من التحديات والمخاطر، بسبب موقعه الجغرافي، والأزمات المتعددة التي واجهها، فضلاً عن وجود النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين. ولذلك، فإن تأثير وعواقب انهياره لا تقتصر عليه كبلد، بل سيكون لها تأثير غير مباشر على البيئة الأمنية الإقليمية ".وتحدث المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان عن هموم وأعباء أفراد الأمن الداخلي وعائلاتهم التي تعاني كسواها من العائلات اللبنانية، مؤكداً مرارة وصعوبات الأزمة التي تعصف بالمجتمع اللبناني، وقال : بات العنصر يواجه أمرين: تأمين قوت عياله ومعيشتهم وطبابتهم وتعليمهم وأن يبقى وفياً لقَسَمه ولمؤسسته".