تفاصيل الخبر

"حراك ارثوذكسي" في الداخل لملء الفراغ في انتظار الموقف السعودي من الخيار الفرنسي للرئيس اللبناني!

04/05/2023
"حراك ارثوذكسي" في الداخل لملء الفراغ  في انتظار الموقف السعودي من الخيار الفرنسي للرئيس اللبناني!

الوزير  الإيراني حسين امير عبد اللهيان مع السيد حسن  نصر الله

 

من المفارقات  اللافتة التي سجلت خلال الايام الماضية في مسار الانتخابات الرئاسية اللبنانية، ان المقعد الرئاسي الاول الذي يفترض ان يشغله ماروني، يسعى لملئه نائبان ارثوذكسيان، الاول نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي اطلق سلسلة مشاورات مع مرجعيات سياسية وروحية انطلاقا من موقعه في نيابة رئاسة مجلس النواب وليس بصفته عضو في " تكتل لبنان القوي" الذي يرأسه النائب جبران باسيل. والثاني نائب البقاع الغربي عن المقعد الارثوذكسي الدكتور غسان سكاف الذي هزم نائب رئيس المجلس النيابي السابق ايلي الفرزلي، والذي- اي سكاف، يقوم هو الاخر بمبادرة تشاور في شأنها حتى الان مع مكونات ما كان يعرف بــ " 14 آذار" وعدد من النــــواب المستقلين ( وهو واحد منهم) والنواب" التغييريين" بهدف الاتفاق على مرشح رئاسي مقبول من عدد لا يستهان به من النواب ليؤمن نصاب ثلثي اعضاء مجلس النواب اولا والــــ  65 صوتا لضمان الفوز. وهذه المفارقة التي برزت من خلال تحرك الارثوذكسيين بو صعب وسكاف من الصعب التكهن الى اين سيصل لان كل ما رشح عن تحرك الثنائي الارثوذكسي لم يعط صورة واضحة بعد عن مسار الاستحقاق الرئاسي، وان كان كل من بو صعب وسكاف ادليا بمواقف فيها كمية من التفاؤل لا يمكن الاستهانة به.... لكن من الصعب معرفة كيف سيترجم هذا التفاؤل على ارض الواقع ومتى لاسيما وان الايام تمر والمقعد الرئاسي لا يزال شاغرا مع دخول هذا الشغور الشهر السادس منذ بداية الاول من ايار ( مايو) الحالي. ومع كثرة الاجتهادات والتحليلات التي تغرق الساحة السياسية يوميا وتعج بها وسائل الاعلام على اختلافها، تتفاوت الانطباعات بين قائل بان الرئاسة باتت محسومة لزعيم تيار " المردة "  سليمان فرنجية، بين آخر يؤكد ان حظوظ الزعيم الزغرتاوي تراجعت بشكل ملحوظ، وبين ثالث يدعو الى انتظار الاشارات التي سترد من الخارج لان الملف الرئاسي اللبناني لم يعد لبنانيا بل بات فيه شركاء في الخارج يسعى كل شريك منهم ان تكون الغلبة له في النهاية ويؤتى برئيس حليف مع هذه الدولة او تلك.

بري مطمئن... والسعودية لم تحدد موقفها بعد

وبين موجة التفاؤل بحتمية فوز فرنجية بالمقعد الرئاسي، وبين موجة مضادة، يتأرجح  الاستحقاق الرئاسي من دون اي حسم لصالح هذا المرشح او ذاك، علما ان لا مرشح جدي حتى الان في الساحة الا سليمان فرنجية الذي لازم، بعد مقابلته التلفزيونية الاخيرة، الصمت المطبق يرصد ردود الفعل ويلاحق " التسريبات" لانها تحمل عادة اجواء محددة لا يمكن تجاوزها. الثابت حتى الان هو كما قال الرئيس نبيه بري، اي انتظار الجواب السعودي من مسألة تأييد فرنجية، وهو انتظار يشترك فيه مع  رئيس مجلس النواب، الجانب الفرنسي الذي لا تزال المعلومات  تؤكد بانه ما برح على موقفه في تأييد وصول فرنجية الى قصر بعبدا. وفي هذا السياق حرص الرئيس بري على ابلاغ زواره الاسبوع الماضي انه " مطمئن" لان الفرنسيين ابلغوه بالمباشر بان اجواء المملكة العربية السعودية " ايجابية" تجاه فرنجية " لكن توتر الخطاب الداخلي والانقسام العامودي لا يبشر بالخير لان الوضع الداخلي لا يحتمل مزيدا من الفراغ، واخشى ان يكون هناك من لا يريد انتخابات رئاسية لغايات شخصية". ويصارح بري زواره بانه بانتظار الحراك الخارجي" بسبب التصلب الداخلي الذي اوصلنا الى ما نحن عليه والذين رفضوا الحوار سابقا يرفضون اليوم تقديم مرشح جدي كي نذهب الى المجلس ونهنىء الفائز، بل بالعكس فهم يهددون بتعطيل النصاب. صحيح ان الرئيس بري لم يفصح عن هوية من ابلغه بايجابية الموقف الفرنسي، هل هو الرئيس" ايمانويل ماكرون" او مستشاره" باتريك دوريل"، لكن الصحيح ايضا ان بري يعتبر  ان ما قالــــه فرنجية في مقابلته التلفزيونية الاخيرة " دقيق" لجهة سماعه – اي فرنجية- الموقف نفسه من الفرنسيين، لكن ذلك لا يكفي لان المطلوب ترجمة هذه الاجواء الايجابية على ارض الواقع نظرا لوزن السعودية في الداخل اللبناني الذي يجمع على ضرورة طمأنتها، فضلا عن وجود كتل نيابية تنتظر الموقف السعودي لتبني على الشيء مقتضاه، وقد عبر النواب اعضاء هذه الكتل صراحة بمواقفهم من دون مواربة. من هنا يفهم تمسك بري بفرنجية لان انتخاب الرئيس هو " مفتاح الحلول" نظرا لقدرته على مقاربة المسائل العالقة بين لبنان وكل من سوريا وحزب الله، اضافة الى المظلة السياسية التي توفرها فرنسا بالتشاور مع الدول الاوروبية، وروسيا، والمانيا، ما سوف يسهل الوصول الى حلول للازمات التي يعاني منها لبنان راهنا، في حين لا معطيات عن مرشح او اكثر، غير فرنجية، يمكنه ان يحاور حزب الله مثلا في مسألة سلاح المقاومة،  او الرئيس الاسد في موضوع عودة النازحين السوريين الى بلادهم.

وسط هذه الاجواء " الايجابية" التي تصدر عن الرئيس بري والقريبين من فرنجية، ثمة معطيات سلبية تصدر عن الفريق المعارض لفرنجية تركز على ان الموقف السعودي لم يتغير  وهو يجافي ما يصدر عن مناصري الزعيم الزغرتاوي، لكن الثابت حتى الان ان الرياض لم تقل كلمتها بعد وبالتالي فان موقفها لا سلبي ولا ايجابي وهي تتريث في اعطاء الجواب من دون ان يعني ذلك رفض فرنجية ومن اسباب التريث السعودي قناعته بان الرياض تلعب دورا مهما على الساحة المحلية اللبنانية وبالتالي فان اي موقف متسرع يمكن ان يؤثر على مسار " التسوية" التي يعمل لها في الخارج وتلقى ترحيبا في الداخل لانه متى حسم الموقف خارجيا فان المعوقات والعراقيل الداخلية اللبنانية سيزول القسم الاكبر منها. وثمة مصادر مطلعة نقلت ان التريث السعودي مرتبط ايضا برغبة الرياض في تحقيق المزيد من التقدم مع ايران في ملف اليمن لضمان اطفاء نار الحرب ورسم خريطة  لبنود الاتفاق  بحيث لا يمكن "خربطته" في اي لحظة لانه ليس سرا ان هناك من يعمل على " فركشة" الاتفاق السعودي- الايراني او على الاقل هناك من هو منزعج من التقارب بين طهران والرياض لاسيما الولايات المتحدة الاميركية التي سعت الى ترجمة هذا الانزعاج برسائل عديدة منها ما يتصل بالشأنين السوري واللبناني، وتقول المعلومات ان الرياض تسعى الى اخذ ضمانات من ايران حول موقف حزب الله من الاسئلة التي طرحتها باريس على فرنجية وبعض القيادات اللبنانية خلال الزيارات التي قاموا بها الى العاصمة الفرنسية. وتضيف ان الشق المتعلق برئيس الحكومة العتيد في " التسوية" المرتقبة لم يحسم بعد، اضافة الى الموقف من بعض الاصلاحات المطلوبة التي تلتقي الرياض مع المجتمع الدولي في المطالبة بتحقيقها. واستنادا الى هذه المعطيات فان شهر ايار ( مايو) الجاري سيكون شهرا مفصليا لرسم ملامح المرحلة المقبلة، لاسيما وان المناخ الدولي والاقليمي يرجح انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل شهر تموز ( يوليو) المقبل، لكن ذلك لن يتحقق ما لم يتم تعبيد الطريق الى قاعة مجلس النواب للانتخاب، وهذه مسألة لا تزال دونها معطيات عدة لم يتحقق بعد تجاوزها او القفز فوقها

هل تحاور الرياض حزب الله؟

 ويراهن متابعون لمسار الاتصالات الدولية والاقليمية على معلومات وصلت الى مسؤولين رسميين لبنانيين من عاصمة اوروبية بان المملكة العربية السعودية التي فتحت حوارا مع ايران وسوريا، ستتحاور قريبا مع حزب الله بعد بدء زوال الاسباب التي باعدت بين الجانبين، علما ان  مصادر المعلومات نفسها اشارت الى ان خط الحوار فتح او اوشك  ان يبدأ من خلال طرف ثالث. وحصول هذا الحوار يعيد التذكير بالتواصل الاول واليتيم الذي حصل في لحظة اقليمية استثنائية عندما استقبل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في 4 كانون الثاني ( يناير) 2007 نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم ونائب الحزب آنذاك  محمد فنيش خلال زيارتهما المملكة، وبعد ذلك انقطع التواصل ودخل الطرفان في حرب اعلامية طويلة الامد بلغت ذروتها  بعد تدخل حزب الله في الحرب السورية وازدادت حدة بعد بدء الحرب في اليمن. وفي تقدير مصادر المعلومات نفسها انه سواء نجح المسعى او اخفق، الا انه يعكس المرحلة الجديدة التي تعيد فيها الرياض ترتيب علاقاتها الاقليمية على طريق ترسيخ زعامتها العربية والاسلامية. وثمة معلومات تؤكد انه خلال زيارة وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان لبيروت خلال الاسبوع الماضي المح الى ضرورة توسع الحوار السعودي مع افرقاء  قريبين منها وهو يعني ضمنا حزب الله، مع تأكيده ان بلاده ليست في وارد التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية لان ذلك من مسؤولية حزب الله المنفتح على الحوار مع الجميع.

في اي حال، تستمر المواقف في الداخل متباعدة لاسباب عدة منها انتظار نتائج  حراك الخارج والتقارب السعودي- الايراني، وفي هذه الاثناء يتحرك من يتحرك في الداخل لملء الفراغ و" تعبئة" الوقت، ومتى " استوت الطبخة" الخارجية يتم " سكبها" في الداخل الذي سيكون حتما جاهزا لتبنيها، وقد يكون حراك بو صعب- سكاف من ضمن هذا السيناريو!