وسط الضياع الذي يلف الساحة السياسية اللبنانية بعد تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية على رغم مرور ثلاثة اشهر على الشغور الرئاسي وبداية الشهر الرابع، تنشغل الاوساط السياسية بمسألة انتهاء ولاية المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم في 2 آذار (مارس) المقبل بعدما ترأس هذه المديرية الحساسة منذ العام 2011 وحقق فيها انجازات وطنية كبيرة تجاوزت الامن العام لتصل الى حدود نجاحات له في عمليات انسانية لاعادة مخطوفين ومفقودين وتحرير محتجزين ورهائن ناهيك بالدور الذي لعبه بحرفية عالية في الاتصالات الداخلية والاقليمية والخارجية على نحو غير مسبوق، الامر الذي جعل من مسألة تقاعده مصدر قلق للمسؤولين والسياسيين على حد سواء اذ لن يكون من السهل ايجاد خليفة له تستطيع تحمل المسؤوليات التي القيت على عاتقه من اكثر من مصدر ومرجع داخل لبنان وخارجه. لذلك نشطت الاتصالات من اجل ايجاد صيغة تضمن بقاء اللواء ابراهيم في منصبه الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية فيقرر هو ما اذا كان يستمر اللواء في مركزه ام لا، علما ان الرئيس العماد ميشال عون لم يقدم على تغيير اللواء ابراهيم كما حصل مع سائر القادة الامنيين في مطلع عهده واحتفظ به مديرا عاما للامن العام وممثلا شخصيا له في مهمات حساسة عدة وكاتما لاسرار الدولة وامينا على حسن تنفيذ ما يطلب منه على مختلف المستويات. من هنا توسع الجدل في الاسابيع الماضية حيال تمديد ولاية اللواء ابراهيم او احالته على التقاعد خصوصا انه انتقل من السلك العسكري قبل اعوام واعيد تعيينه كموظف مدني اي انه بات يتقاعد وهو في سن الـــ 64 في حين له بقي في رتبته العسكرية اي لواء، لكان تقاعد وهو في سن الـــ 59 . لذلك لا مجال لابقائه في الخدمة الا باقرار مجلس النواب قانون يعدل فيه سن التقاعد للمدير العام للامن العام او ينص على التمديد له فترة اضافية. وبرزت ازاء ذلك مشكلة تكمن في امكانية انعقاد مجلس النواب في جلسة " تشريع الضرورة" وسط كلام كثير عن مقاطعة الكتلتين المسيحيتين الكبيريتين، اي " القوات اللبنانية" و" لبنان القوي" المشاركة في اي جلسة تشريعية لان الاولوية هي لانتخاب رئيس الجمهورية.
المخرج في صيغ ناجي البستاني
حيال هذا الموقف نشطت الاتصالات في اكثر من اتجاه لتأمين نصاب ميثاقي لمجلس النواب يتم فيها اقرار " قوانين الضرورة" ويكون من بينها القانون الذي يؤدي الى بقاء اللواء ابراهيم في منصبه تفاديا لحصول فراغ في موقع المدير العام، علما ان لا قدرة على تعيين خلف له في مجلس الوزراء الذي ينعقد الا في " عزية الروح" وتحت شروط معقدة تجعل جلسات مجلس الوزراء مثل فاكهة السفرجل " كل عضة.... غصّة"! كذلك فان المرجعية السياسية لموقع الامن العام، اي " الثنائي الشيعي" منذ انتقال هذا المنصب الى الطائفة الشيعية مع اللواء جميل السيد في عهد الرئيس اميل لحود، لم تسم احدا لخلافته لانها تعتبر ان بقاء اللواء ابراهيم في منصبه امر مفروغ منه نظرا لما حققه خلال 17 عاما له في الامن العام. وثمة من يعتبر ان مدير الامن العام يعين عادة مع بداية عهد رئاسي جديد وليس في الافق ما يشير الى ان هذا الامر بات ممكنا في المدى القريب. وبهدف تسهيل عملية بقاء اللواء ابراهيم في منصبه، كان لا بد من البحث عن صيغة تحقق ذلك ويمكن تمريرها في مجلس النواب، فتولى هذه المهمة الوزير السابق ناجي البستاني، رجل المهمات الصعبة وأب المخارج القانونية والدستورية، لاسيما وان مبدأ التمديد لم يطبق في المواقع التي شغرت في مؤسسات وزارة الدفاع، وخصوصا المفتشية العامة والمديرية العامة للادارة والامانة العامة للمجلس الاعلى للدفاع، لا خلال ولاية الرئيس عون ولا بعد انتهائها. لذلك اعدّ الوزير السابق البستاني صيغة لاقتراح قانون يتولى طرحه احد النواب في جلسة " تشريع الضرورة" التي يفترض ان يقر فيها قانون " الكابيتال كونترول"، وينص على تعليق العمل، بصورة استثنائية، حتى 31/12/2025 بالبند 1 من المادة 67 من المرسوم الاشتراعي الرقم 112/1959 المعدل، في ما خص احالة المدير العام للامن العام على التقاعد لبلوغه الرابعة والستين، ويعاد العمل بهذا البند ابتداء من 1/1/2026 اي ان تنتهي ولاية ابراهيم في نهاية العام 2025.
دارت صيغة البستاني دورتها فوافق عليها حزب الله" من دون تردد" حتى قيل ان الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله سأل عن موعد الجلسة في اشارة واضحة الى موافقته. اما الرئيس نبيه بري فلم يعارض طرح الصيغة على مجلس النواب في اول جلسة اشتراعية يعقدها، لكنه اشترط حضور" مكون مسيحي" رئيسي لتوفير غطاء للجلسة وجدول اعمالها. وعندما وصلت الصيغة الى رئيس " تكتل لبنان القوي" الوزير السابق جبران باسيل لم يمانع بدوره، لكنه ربط الموافقة على حضور الجلسة بطرح مشروع قانون " الكابيتال كونترول" الذي انجزته اللجان المشتركة وبات من الضروري احالته على الهيئة العامة. وتقول المعلومات مسار " الصيغة البستانية" ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سأل عندما اطلع على الاقتراح المقصور على المدير العام للأمن العام: "أين السنّي؟". وذلك في إشارة صريحة إلى رغبته في إدخال المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان في الاقتراح مع أن إحالته إلى التقاعد بعد أكثر من سنة.
الجواب على جواب ميقاتي كان: "وأين الماروني أيضاً؟". وهي إشارة إضافية إلى صفقة متكاملة لا تقتصر على صاحب المنصب الشيعي، بل تشمل أيضاً قائد الجيش الماروني والمدير العام لقوى الأمن الداخلي السنّي.
نجم عن الاتصالات تلك "دوخان" الاقتراح: حزب الله يوافق بلا شروط، برّي يوافق بشرط، باسيل يوافق بشرط على الشرط لكنه يرفض أيضاً إدخال عون وعثمان في الاقتراح، ميقاتي لا يوافق إلا بإلحاق سنّي. ازاء ذلك وضع صاحب الاقتراح المحامي بستاني اقتراحاً ثانياً مستقلاً على الطاولة كي يتوازنا ويُقرر المسؤولون إذذاك أيهما يُعرض على البرلمان.
نصّ بمادة وحيدة بدوره المنفصل كلياً عن الأول دامجاً تمديد ولاية المحال على التقاعد الشهر المقبل مع المحاليْن على التقاعد بعد أكثر من سنة، على الآتي:
1 - يعلّق بصورة استثنائية حتى 31/12/2025 ضمناً نفاذ المادة (56) من المرسوم الاشتراعي رقم 102/1983 المعدل في ما خص إحالة قائد الجيش إلى التقاعد لبلوغه الستين. يعاد في 1/1/2026 نفاذ البند المذكور وتطبيقه وفقاً لحرفية أحكامه.
2 - يعلّق بصورة استثنائية حتى 31/12/2025 ضمناً نفاذ البند (1) في المادة (67) من المرسوم الاشتراعي رقم 112/1959 المعدل في ما خص إحالة المدير العام للأمن العام على التقاعد لبلوغه الرابعة والستين. يعاد في 1/1/ 2026 نفاذ البند المذكور وتطبيقه وفقاً لحرفية أحكامه.
3 - يعلّق بصورة استثنائية حتى 31/12/ 2025 ضمناً نفاذ المادة (88) من القانون رقم 17 تاريخ 7/9/1990 المعدل في ما خص إحالة المدير العام لقوى الأمن الداخلي على التقاعد لبلوغه التاسعة والخمسين. يعاد في 1/1/2026 نفاذ المادة المذكورة وتطبيقها وفقاً لحرفية أحكامها».
على أن يعمل بالقانون فور نشره في الجريدة الرسمية.
اذا، سيكون- من حيث المبدأ- موضوع بقاء اللواء ابراهيم في منصبه حتى نهاية العام 2025 امام مجلس النواب الذي يفترض ان ينعقد قبل نهاية شهر شباط( فبراير) الجاري اي قبل نهاية ولاية اللواء ابراهيم، في حين ان ولاية قائد الجيش لا تنتهي الا مع مطلع العام 2024 وكذلك اللواء عثمان، الامر الذي قد يثير اعتراض النواب لغياب طابع العجلة عن العماد عون ومدير عام قوى الامن الداخلي الباقيين في منصبيهما الى السنة المقبلة حيث يترك للرئيس العتيد ان يقرر في شأن هذين الموقعين الامنيين، وكذلك الامن العام خصوصا ان نهاية العام 2025 هي القاسم المشترك للصيغ المطروحة للنقاش. فهل تحمل جلسة مجلس النواب المخرج القانوني الضروري ام ان " صعوبات" و " عراقيل" في آخر لحظة قد تطيح باقتراح القانو ن وحينذاك يكون اللواء ابراهيم في 2 آذار(مارس) خارج الامن العام، في حين لا تغيير في الجيش وقوى الامن الداخلي!