ليست المرة الاولى التي تنعقد فيها قمة عربية في غياب رئيس للجمهورية، اذ تكرر ذلك مرات عدة لكن لاسباب مختلفة كان من بينها شغور سدة الرئاسة. الا ان ملابسات مشاركة لبنان في قمة الجزائر الاسبوع الماضي بوفد رأسه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، تزامنت مع نهاية ولاية الرئيس العماد ميشال عون بيوم واحد فقط، وهو امر كان احرج الرئاسة اللبنانية عندما وردتها دعوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وفيها ان موعد انعقاد القمة هو في 1 و 2 تشرين الثاني( نوفمبر) الجاري المتزامن مع ذكرى الثورة الجزائرية، فكان ان ابلغ الرئيس عون الموفد الرئاسي الجزائري انه لن يتمكن من الحضور، لكن الرئيس ميقاتي سوف يمثل لبنان في القمة. وهكذا شارك الرئيس ميقاتي في اول نشاط خارجي في زمن الشغور الرئاسي مدشنا بذلك محطة سياسية جديدة في التاريخ اللبناني الحديث. صحيح ان هذه القمة العربية هي الاولى منذ اكثر من سنتين وهي تأجلت مرارا بفعل جائحة "كورونا" حينا، وبسبب الخلافات العربية- العربية لاسيما في مقاربة الحرب في سوريا، ثم الحرب في اليمن، لكن الصحيح ايضا ان القضية اللبنانية التي كانت تعطى دائما الاولوية في مواضيع البحث، تراجعت الى الوراء علما ان عنوان القمة كان " قمة لم الشمل". وبدا واضحا ان الجزائر عملت على تجاوز الخلاف مع المملكة المغربية وبدلت ممثلها في المناقشات التمهيدية لاجتماع القمة بان اوكلتها الى وزير خارجيتها المتمرس في العمل الديبلوماسي رمطان لعمامرة تفاديا لاي نقاش استفزازي مع اي دولة عربية، وبنتيجة هذه الاجتماعات الوزارية التمهيدية، تمّ التوصل الى تسويات حول كل القضايا الإشكالية والتي تنقسم حولها الدول الاعضاء، كالتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، والمعنيّ بها تركيا وإيران، ومن ضمنها أيضاً الموقف من "حزب الله"، فضلاً عن موضوع سوريا. ومعلوم أن الجزائر لطالما وقفت الى جانب سوريا في قرارات جامعة الدول العربية، إلا أنها في القمة التي استضافتها راعت ضيوفها فتجاوزت المطالبة بعودتها الى عضويتها في الجامعة العربية، وتوصلت في النقاشات الى أن يكون البند المتعلق بها، دعوة الى استعادة سوريا دورها الإقليمي والدولي والى خروج جميع الجيوش الأجنبية من أراضيها.
كلمة وجدانية لميقاتي
لبنان في القمة كان له حضوره برغم الشغور الرئاسي، من خلال مشاركة الرئيس ميقاتي محاطاً بوزير الخارجية عبد الله بو حبيب المحسوب على الرئيس عون. وكلمة ميقاتي عبّرت عن عمق الأزمات المتعدّدة التي يرزح تحتها لبنان، مناشداً جميع الإخوة العرب مساعدته على النهوض. كلمته بقدر ما كانت وجدانية، حملت رسائل سياسية أمل فيها التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية يلمّ شمل اللبنانيين. كما أكد الالتزام التام بـ"اتفاق الطائف الذي أرسى معادلة الحكم في لبنان، وعدم التساهل مع أيّ محاولة للمسّ بجوهره". وبوضوح اكثر قال ميقاتي امام القادة العرب " اصارحكم القول ان لبنان الذي تعرفونه قد تغير.... نعم قد تغير. المنارة المشرقة انطفأت، والمرفأ الذي كان يعتبر باب الشرق انفجر. والمطار الذي يعتبر منصة للتلاقي تنطفىء فيه الانوار لعدم وجود المحروقات. نحن في دولة تعاني اقتصاديا وحياتيا واجتماعيا وبيئيا، ونحارب الاوبئة باقل الامكانات. نعم، باقل الامكانات حتى وصلنا الى اللحم الحي. لبنان مساحته صغيرة، ولكن ابوابه بقيت مشرعة لكل الاخوة، والعرب خصوصا، اما اليوم فبتنا غير قادرين على الاستمرار في استضافة ديموغرافيا عربية باتت تقارب نصف الشعب اللبناني. بنيتنا التحتية باتت مترهلة، ومواردنا اصبحت قليلة، ونعاني تضخما كبيرا لا مثيل له. ورغم ذلك، نحن نستقبل هذه الديموغرافيا ولكننا تحولنا جسدا ضعيفا يحتاج الى مقويات بدل التجاهل الحاصل. لا يخفى عليكم وانتم خير المتابعين والمهتمين، الظروف الاستثنائية، بصعوبتها وتعقيداتها التي يمر بها لبنان. فنحن نواجه منذ سنوات عدة، اسوأ ازمة اقتصادية واجتماعية في تاريخنا، نالت من سائر المؤسسات ووضعت غالبية اللبنانيين تحت خط الفقر، وتسببت بهجرة الكثير من الطاقات الشابة والواعدة، وخسارة الوطن خيرة ابنائه. واضاف: " وجدت الحكومة اللبنانية نفسها امام ازمة غير مسبوقة، حتمت علينا السير ببطء وحذر شديدين لتدارك الوضع، وتأسيس الارضية المناسبة للمساهمة في الوصول بالبلاد الى بر الامان. ورغم هذه الظروف، نجحنا في تحقيق العديد من الاهداف التي وضعناها، وابرزها اجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها، وتوقيع اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي، وايجاد نظام طارىء للامن الاجتماعي بالتعاون مع البنك الدولي والاتحاد الاوروبي، ونواصل العمل للسير قدما في كل الاصلاحات التشريعية والادارية الضرورية للخروج من محنتنا الحاضرة. كما نجح لبنان، اخيرا، في التوصل الى اتفاق لترسيم الحدود الجنوبية لمنطقته الاقتصادية الخالصة ونأمل ان يكون ذلك بداية مسار يقود الى ازدهار لبنان ورخاء اللبنانيين والتوافق على انتخاب رئيس جديد يلم شمل اللبنانيين".
تضامن مع لبنان.... ومشتقات نفطية
والى جانب اللقاءات التي عقدها الرئيس ميقاتي مع عدد من رؤساء الوفود العربية، كانت لوزير الخارجية بو حبيب لقاءات ومداخلات في الاجتماعات التمهيدية تمكن خلالها من ادخال مطلب لبنان في صلب قرارات القمة لجهة التأكيد على مساعدة النازحين السوريين في العودة الى بلادهم لا فقط مساعدتهم في الدول المضيفة. واعتبر بو حبيب أن الإنجاز الأبرز الذي تحقق هو موافقة رئيس الدولة الجزائرية شخصياً على مدّ لبنان بحاجته من المشتقات النفطية، وبكل ما يحتاج إليه لإنشاء المحطات أو التوزيع وبطريقة التسديد التي تريح لبنان". في أي حال القمة التي استمرت يومين اختتمت بإعلان الجزائر الذي خصّ لبنان بفقرة جدّد فيها "التضامن مع الجمهورية اللبنانية للحفاظ على أمنها واستقرارها ودعم الخطوات التي اتخذتها لبسط سيادتها على أقاليمها البرية والبحرية والإعراب عن التطلع لأن تقوم الحكومة الحالية بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة وأن يقوم مجلس النواب بانتخاب رئيس جديد للبلاد".
من جهة اخرى ملف التعاون في مجال الطاقة بُحث بالتفصيل بين وزير الطاقة وليد فياض الذي اصطحبه معه الرئيس ميقاتي لهذه الغاية ووزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب بحضور سفيري لبنان في الجزائر محمد حسن والجزائر في لبنان عبد الكريم ركايبي. وتناول البحث إمكانية التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والمناجم ولا سيما في موضوع المحروقات وإنتاج الكهرباء وتسيير المنظومة الكهربائية، وفي مجال تسويق الغاز والمنتجات البترولية.وعُرضت فرص التعاون والاستثمار في مجال المناجم وتصنيع الإطارات اللبنانية في الجزائر وتبادل الخبرات والتجارب وفق الاحتياجات. كذلك تم الاتّفاق على تنظيم لقاءات عمل بين فريقي الوزارتين لترجمة ما تم بحثه.
في المحصلة كانت مشاركة لبنان في قمة الجزائر ضرورية في هذه المرحلة، مع يقين الرئيس ميقاتي ومن كان معه في الوفد الى الجزائر، بان العبرة تبقى في التنفيذ ذلك ان قرارات عدة لقمم سابقة بقيت حبرا على ورق لانه لم تتوافر الارادة العربية الصادقة لتنفيذها لاسيما بعد التباعد الذي حصل بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي على خلفية الخلافات حول دور حزب الله في الحرب في اليمن، وقبلها في سوريا والعراق. واللافت في سياق مداولات القمة ان ثمة من روّج في اروقة مقر المؤتمر في " المركز الدولي للمؤتمرات- عبد اللطيف رحّال، في الجزائر، عن امكانية تشكيل لجنة عربية تنبثق عن قمة الجزائر لمتابعة الوضع في لبنان ومساعدة اللبنانيين في مقاربة الاستحقاقات الداهمة ولاسيما منها الانتخابات الرئاسية والوضع الاقتصادي وخطة النهوض وغيرها من المواضيع الشائكة. الا ان هذا الطرح لم يلق اجماعا، فتم طيه وترك الامر للامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط لمواكبة تطور الاحداث في لبنان واقتراح ما يناسب ... عند الضرورة!.