تفاصيل الخبر

" تفاهم بحري" جعل لبنان واسرائيل والمقاومة ... رابحين

13/10/2022
" تفاهم بحري" جعل لبنان واسرائيل والمقاومة ... رابحين

الوسيط الأميركي " اموس هوكشتاين" خلال اللقاء مع الرؤساء ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي

 

مع اعلان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوم الخميس 13 تشرين الاول( اكتوبر) 2022، موافقة لبنان على الصيغة التي ارسلها الوسيط الأميركي" آموس هوكشتاين "في اعقاب المفاوضات التي جرت لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، يكون لبنان قد طوى  صفحة من المفاوضات الطويلة لترسيم حدوده في شباط ( فبراير) 2007 وانتهت في 10 تشرين الاول ( اكتوبر) 2022 تخللتها خلافات وعراقيل وصعوبات، وتوالى عليها اكثر من وسيط اميركي لكنها لم تحقق اي تقدم يذكر، الى ان تسلم الملف الوسيط "هوكشتاين" ونجح في ايجاد قواسم مشتركة تمكن من خلالها من اقناع لبنان واسرائيل على حد سواء بالقبول بصيغة يفترض ان ترفع الى الامم المتحدة في الايام القليلة المقبلة، تكرس ترسيم الحدود البحرية وتسهل بالنسبة الى لبنان، استكمال عمليات التنقيب ثم الاستخراج في الحقول النفطية 8و9و10 المحاذية لحدود لبنان البحرية مع الاراضي المحتلة، وتمكن اسرائيل من استخراج النفط والغاز من حقل " كاريش" والحقول الاخرى المجاورة ويفترض ان يشهد مقر القوات الدولية في الناقورة، الفصل الاخير من المفاوضات حين يتم تسليم الوسيط الاميركي رسالة من لبنان واخرى من اسرائيل موقعة من كبار المسؤولين في البلدين، ليتم ارسالهما الى نيويورك وتصبحان نافذتين، وسيتم التسليم، من حيث المبدأ في غرفتين منفصلتين بحيث لا يسجل اي احتكاك بين الوفدين اللبناني والاسرائيلي لاسيما وان حصيلة هذه المفاوضات هي فنية وتقنية صرف وليس لها اي مدلول سياسي او اشارات تطبيعية بين البلدين.

وقبل ساعات من اعلان الرئيس عون موافقة لبنان بعد التشاور مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، تم تسريب نص الاتفاق وفيه تأكد المؤكد وهو ان لبنان لم يفرط باي من حقوقه وبنى مراحل التفاوض على ثلاثة محاور جوهرية: الاولى تمسك بنقاط الاحداثيات التي اودعها لدى الامم المتحدة وهي الخط 20-21-22-23 وحصل على كامل بلوكاته الاقتصادية وهي البلوكات 8-9 و10 ومن ضمنها حقل قانا. اما المحور الثاني المرتبط بخط الطفافات فانه لم يرسم لاسيما ان الفريق اللبناني المفاوض ادخل على نص الاتفاق تعابير لا يمكن ان تحمل أي تأويل او تفسير، فليس عابرا ان ينص الاتفاق على ما حرفيته ، تحدد احداثيات الحدود البحرية من دون أي مساس بوضع حدوده البرية والمقصود هنا حماية منطقة راس الناقورة والنقطة B1 شرقا ، اما عبارة "وبهدف عدم المساس بوضع الحدود البرية في المستقبل" فاختيرت بدقة لأنها تعني ان لبنان لم يقبل بتبني خط الطفافات كحدود بحد ذاتها وقد اصر المفاوضون على اضافة جملة "يتفق الطرفان على ابقاء الوضع الراهن بالقرب من الشاطئ على ما هو عليه ، بما في ذلك على طول خط العوامات البحرية الحالي".

اما المحور الجوهري الثالث فهو ذلك المرتبط بشركة "توتال" والتعويضات التي ستحصل عليها اسرائيل منها فكل كلمة كتبت في نص الاتفاق عمل عليها لساعات وايام لتخلص الى ان ليس للبنان اي علاقة بالاتفاق بين "توتال" واسرائيل  التي ستحصل على تعويضات من القسم الجنوبي من حقل " قانا" من الشركة الفرنسية وليس من لبنان او على حساب حصة لبنان.

بذلك انجز اتفاقا تاريخيا ، هناه الرئيس الأميركي" جو بايدن" وخص بالذكر الرؤساء عون وبري وميقاتي ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب المفوض من قبل رئيس الجمهورية التفاوض، ولكن الاهم ما قيل بين سطور بيان وزارة الخارجية الاميركية ان الاتفاق "بداية حقبة جديدة من الازدهار والاستقرار في الشرق الاوسط". ويبقى ان" بايدن "اعرب عن التزام الولايات المتحدة الاميركية المتواصل تجاه الشعب اللبناني ودعم استقرار لبنان وسيادته.

 

توزيع " الارباح"

وفي قراءة هادئة لنص الاتفاق وفق الصيغة التي تم تسريبها يتضح ان " الارباح" توزعت على عدة افرقاء كان لهم الدور المباشر في المفاوضات او هم كانوا طرفا فيها. فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون حقق انتصارا مهما قبل ايام من انتهاء ولايته وهو الذي صمد خلال الاشهر الماضية خلال المفاوضات على موقفه ولم يرضخ للضغوط التي مورست على لبنان من اكثر من جهة. وهذه النقطة الايجابية تسجل له وقد كانت رسالته الى اللبنانيين لاعلان الموافقة واضحة في تفسير بنود الاتفاق وفي التركيز على حقوق لبنان وعدم تنازله عن اي حق من هذه الحقوق لاسيما في حقل قانا وفي رفض البحث في الحدود البرية او في تأثير خط الطفافات عليها. ولا شك ان وقوف سائر المسؤولين الى جانب الرئيس عون ساهم ايضا في صلابة الموقف اللبناني وتمسكه بكل التفاصيل وعدم التهاون بها. كذلك فان حزب الله خرج " مرتاحا" من معركة ربحها من دون ان يسقط نقطة دم واحدة، وهو الذي كان على علم بكامل التفاصيل خلال مسار المفاوضات وعرف كيف ومتى يتدخل لاعبا على وتر التوقيت الذي يستوقف الجانب الاميركي قبل الاسرائيلي.  وحرص الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله على التأكيد خلال المفاوضات وبعد انتهائه على وقوف حزبه خلف الدولة اللبنانية ودعمه لاي قرار تتخذه للحفاظ على حقوق لبنان ومصالحه. كذلك فان الرئيس نبيه بري ربح ايضا وهو الذي لعب الدور الاساس في الترسيم ككل وقبله في المفاوضات منذ ان تباحث مع الاميركيتين في ما عرف بــ " اتفاق الاطار". ويسجل المراقبون للرئيس بري انه حقق بالتنسيق مع حزب الله اتفاقا مع " العدو الاسرائيلي" على الترسيم وان بشكل غير مباشر. من جهته يعبر الرئيس نجيب ميقاتي رابحا ايضا لانه، وان كان اعتبر نفسه غير معني بتفاصيل الاتفاق مباشرة، الا انه كان له الحضور المميز من خلال تكليف المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم تمثيله في اجتماعات اللجنة الفنية والتقنية التي شرحت الاتفاق واضافت اليه عبارات وحذفت أخرى،فضلا عن الدور الذي لعبه ميقاتي في ادارة المفاوضات مع الجانب الفرنسي في ما خص دور شركة " توتال" وعملها مستقبلا في التنقيب عن النفط والغازفي حقل قانا الذي يقع ضمن البلوك رقم 9 علما ان علاقات ميقاتي بالرئيس الفرنسي" ايمانويل ماكرون" تزداد وثوقا يوما بعد يوم، وكذلك مع فريق عمله، وفي الربح الشخصي يمكن تسجيل المكاسب الكبيرة التي حققها نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي قاد مع "هوكشتاين" مفاوضات صعبة وقاسية وطويلة ومرهقة تكللت في النهاية بالنجاح وقد استحق شكر الرئيس بايدن بالاسم وكذلك الرئيس عون والرئيس ميقاتي. ولا يمكن  تناسي الدور المميز الذي لعبه اللواء ابراهيم في تحقيق التواصل مع السيد حسن نصر الله وفريق عمله ما ساهم في تذليل الكثير من الصعوبات والعراقيل التي ظهرت خلال مسار التفاوض.

ويقول مطلعون على مسار المفاوضات انه في مكان ما كاد الاتفاق البحري أن يفشل اعتراضاً على كلمة أو تفسير كلمة. بمعنى آخر، نشبت لساعات طويلة ليل الإثنين – الثلاثاء الماضي، حرب مصطلحات بين لبنان وإسرائيل خرج منها لبنان رابحاً معركة ضمنت حقّه خلال المراحل التي ستلي، أي الترسيم البرّي ومنطقة الطفّافات. وحين اتصل "هوكشتاين" بالرئيس عون أبلغه أنّ المسألة انتهت لولا بعض العبارات التي عدّلها لبنان وأصرّ عليها. وما بين "الأمر الراهن" و"الواقع الراهن" اشتغلت الاتصالات والوساطات. يضاف إلى ذلك رفض لبنان المطلق الربط بين حصّة إسرائيل من حقل قانا والتعويض الذي يُفترض أن تدفعه شركة توتال الفرنسية، بحيث "لا دخل للبنان" بهذا التفصيل ولا يُرهَن بدء العمل في قانا بالاتفاق بين الشركة المعنيّة وإسرائيل. و في مفاصل معيّنة كان يعترض الوسيط الأميركي على تمسّك لبنان بصغائر التفاصيل، وفي مرّة من المرّات هدّد بأنّه سيخرج معلناً الاتفاق على أساس أنّ لبنان يتوقّف عند تفاصيل صغيرة غير مهمّة، فكان جواب لبنان بأنّها إذا كانت غير مهمّة فلماذا لا يؤخذ بها ولماذا لا يتمّ إرسال الصيغة التي تشمل الملاحظات اللبنانية إلى إسرائيل ويتمّ وضعها أمام الأمر الواقع بدل التعاطي مع لبنان على هذا الأساس. لقد كان الخلاف الجوهري حول منطقة العوّامات أو الطفّافات، وقد أكّد لبنان أنّ الترسيم يبدأ من المنطقة الاقتصادية باتجاه الخط 23، وأمّا منطقة العوّامات "فيبقى الوضع الراهن على حاله مع الأخذ في الاعتبار موقف الطرفين من قانونية هذا الخط". وكما ورد في النص فـ"إنّ ترسيم هذه المنطقة يبقى على الوضع الراهن إلى أن يتمّ الترسيم البري آخذين في الاعتبار الموقف القانوني"، وهو ما يؤكّد أن لا تنازل ولا تراجع للبنان عن حدوده، وأنّ هذا الجزء من الحدود سيتمّ ترسيمه مع البرّ لتوفير الحماية لنقطة رأس الناقورة التي لا التباس حولها.

ابرز مضمون الاتفاق

 في اي حال اتفاق ترسيم الحدود يعطي الطرفان اللبناني والاسرائيلي حقهما بحسب المعنيين. وابرز ما فيه انه : يتفق الطرفان على انشاء خط حدوي بحري على نقاط محددة ووضح في الاحداثيات الواردة وهي احداثيات الخط 23 من دون المساس بوضع الحدود البرية. من المتوقع قيام الطرفين بترسيم الحدود البحرية الواقعة على الجانب المواجه للبر في سياق ترسيم الحدود البرية او في الوقت المناسب بعد ترسيم الحدود البحرية. والى ان يحين الوقت الذي تحدد فيه تلك المنطقة يتفق الطرفان على ابقاء الوضع الراهن بالقرب من الشاطىء على ما هو عليه بما في ذلك على طول خط العوامات البحرية الحالي. الاحداثيات الجديدة تقدم من قبل الطرفين للامين العام للامم المتحدة لتحل مكان الاحداثيات القديمة وابلاغ الولايات المتحدة بذلك ولا يجوز ان يقدم اي من الطرفين مستقبلا الى الامم المتحدة اي مذكرة تتضمن خرائط واحداثيات تتعارض مع هذا الاتفاق. ويتفق الطرفان على ان هذا الاتفاق يرسي حلا دائما ومنصفا للنزاع البحري القائم بينهما. اما القسم الثاني من هذا الاتفاق يتعلق بثروات النفط والغاز وتحديدا في البلوكين 9 اللبناني و72 الاسرائيلي على ان يكون التنقيب والتطوير في البلوك رقم 9 من قبل شركة او شركات ينبغي ان تكون ذات سمعة طيبة دوليا وغير خاضعة لعقوبات دولية والا تعيق عملية الترسيم المتواصلة التي تقوم بها الولايات المتحدة والا تكون الشركات اسرائيلية او لبنانية، ويتوقع ان تبدأ عملية التنقيب فور دخول هذا الاتفاق حيز التنفيذ وكذلك تطويره. ولهذه الغاية يتعين على مشغل البلوك رقم 9 عبور بعض المناطق الواقعة جنوب خط الحدود البحرية ولن تعترض اسرائيل على الانشطة المعقولة والضرورية، وستحصل اسرائيل على تعويض من مشغل البلوك رقم 9 ( المقصود شركة توتال TOTAL) لقاء الحقوق العائدة لها من اي مخزونات محتملة في المكمن المحتمل. ولهذه الغاية ستعقد اسرائيل ومشغل البلوك رقم 9 اتفاقية مالية قبل اتخاذ مشغل البلوك 9 قرار الاستثمار النهائي، ولن يكون لبنان مسؤولا عن اي ترتيب بين مشغل البلوك 9 واسرائيل ولا طرفا فيها ولا يؤثر اي ترتيب بينهما على حصة لبنان الكاملة من حقوقه الاقتصادية في المكمن المحتمل. وقال الاتفاق انه في حال كان الحفر في المكمن المحتمل وهو المعروف بحقل قانا ضروريا جنوب خط الحدود البحرية يطلب الطرفان من المشغل البلوك 9 الحصول على موافقتهما قبل المباشرة بالحفر ولن تمتنع اسرائيل من دون مبرر عن منح موافقتها على الحفر الجاري وفقا لاحكام هذا الاتفاق الذي تلعب فيه الولايات المتحدة دور الوسيط في حال اي مسائل لها علاقة بمخزونات مشتركة تكتشف ويعتزم الطرفان حل اي خلافات بشأن تفسير هذا الاتفاق وتطبيقه عن طريق المناقشات التي تقوم بها الولايات المتحدة بتسييرها. ويدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ في التاريخ الذي ترسل فيه حكومة الولايات المتحدة الاميركية اشعارا الى الامم المتحدة يتضمن تأكيدا على موافقة من الطرفين على الاحكام المنصوص عليها في الاتفاق.

واذا كان لا بد من شكر يوجه الى الذي تسبب في الاسراع في انجاز الاتفاق غير المباشر بين لبنان واسرائيل، فهو للرئيس الروسي" فلاديمير بوتين" الذي ادت حربه على اوكرانيا الى نشوء ازمة غاز هددت الدول الاوروبية التي سارعت الى الاستعانة بالغاز في مصر واسرائيل، وكان لا بد بالتالي من استقرار يمكن اسرائيل من استخراج غازها من حقل كاريش وارساله الى اوروبا، وهذا الاستقرار لم يكن ليتحقق لولا الاتفاق مع لبنان على تمكينه من التنقيب في حقل قانا والحقول المجاورة، عملا بالمعادلة التي اطلقها السيد نصر الله: لا غاز من كاريش من دون غاز من حقل قانا!.