تفاصيل الخبر

هل أعاد عون قانون السرية المصرفية الى المجلس تجاوباً مع صندوق النقد... أم لتصفية حسابات؟

17/09/2022
هل أعاد عون قانون السرية المصرفية الى المجلس  تجاوباً مع صندوق النقد... أم لتصفية حسابات؟

الرئيس ميشال عون.

 

 نحو 28 يوماً انتظر مجلس النواب رئيساً واعضاء موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من اقرار القانون الذي يتضمن تعديلات على قانون السرية المصرفية قبل اقل من شهر، ذلك ان الرئيس عون نشر كل القوانين التي اقرت في تلك الجلسة التي انعقدت في اواخر شهر تموز (يوليو) الماضي ما عدا قانون تعديل قانون السرية المصرفية، الامر الذي اثار لغطا حول مصير القانون الذي يعتبر من القوانين الاصلاحية التي طالب صندوق النقد الدولي باقرارها في اطار خطة التعافي المالي والاقتصادي التي وافق عليها الصندوق بالاحرف الاولى.  لكن مسار هذا القانون مرّ في مراحل عدة، قبل ان يصدر عن رئاسة الجمهورية الاسبوع الماضي البيان الذي حسم الجدل وفيه ان الرئيس عون اعاد القانون الى مجلس النواب لإعادة النظر فيه، وذلك قبل يوم واحد من انتهاء المهلة الدستورية التي تجيز لرئيس الجمهورية اعادة القوانين التي يقرها مجلس النواب خلالها والا تصبح القوانين نافذة بعد انتهاء المهلة ولم يحصل التوقيع.

مسار هذا القانون حفل بمحطات عدة بدأت بعيد اقرار مجلس النواب القانون، اذ طالب نواب "تكتل لبنان القوي" بادخال تعديلات عليه تجعله اكثر تطابقا مع الملاحظات التي اوردها صندوق النقد الدولي لدى اطلاع المسؤولين فيه على نص مشروع القانون قبل اقراره. الا ان طلب التكتل ورئيسه النائب جبران باسيل في تلك الجلسة النيابية لم يتم الأخذ به على اساس ان المجلس اقرّ مشروع القانون ويمكن لاحقاً بعد صدوره ونشره وفق الاصول، تقديم اقتراح قانون معجل مكرر لتعديله. اعترض نواب "التكتل"، لكن اعتراضهم سقط لاسيما وانهم كانوا صوتوا مع مشروع القانون لدى طرحه على التصويت وما ان وصل القانون بصيغته الاساسية الى قصر بعبدا حتى ابدى الرئيس عون رغبته في توقيعه وارساله مع الملاحظات التي يراها ضرورية لجعل القانون اكثر ملاءمة مع رغبة صندوق النقد. وعقدت اجتماعات عدة في هذا الاطار في قصر بعبدا، في وقت كان الضغط قائما على الرئيس عون لتوقيع القانون باعتباره احد ابرز القوانين الاصلاحية. ومن ابرز المتحمسين للتوقيع الرئاسي، كان رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان الذي درس مشروع القانون بكثافة خلال مروره على اللجنة، ثم انضم الى المتحمسين نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي طلب خلال احدى زياراته الى قصر بعبدا، من الرئيس عون توقيع القانون متعهداً- بعد اخذ موافقة الرئيس بري- بدرس التعديلات التي يقترحها نواب "تكتل لبنان القوي" واقرارها ليصبح القانون متناسقا مع بعض ما طرحه صندوق النقد الدولي من ملاحظات. وعلى هذا الاساس، وقع الرئيس عون القانون على مرأى ومسمع من النائب بو صعب الذي  صرح للاعلام بان التوقيع حصل وسيرسل القانون وفق الاصول لنشره في الجريدة الرسمية. لكن المفأجاة كانت بوصول رئيس "التيار" النائب باسيل الى قصر بعبدا بعد ساعات قليلة من التوقيع حيث تمنى على الرئيس عون- كما تقول مصادر نيابية مطلعة- سحب توقيعه ورد القانون الى مجلس النواب لاعادة النظر فيه وفق الملاحظات التي كان الرئيس قد ابداها، فطلب الى دوائر رئاسة الجمهورية تجميد ارسال القانون وعليه توقيع رئيس الجمهورية الى اشعار آخر. وتوالت بعد ذلك الاجتماعات واللقاءات من دون ان تسفر عن الافراج عن القانون موقعا، الى ان اقتربت المهلة المتاحة لرئيس الجمهورية من النهاية، فصدر القرار باعادة القانون الى مجلس النواب لاعادة النظر فيه، وصدر المرسوم الذي ينص على هذه الاعادة وتم تعميمه وفقا للاصول، مرفقا بالملاحظات الرئاسية.

 الرئيس نبيه بري.
 الرئيس نبيه بري.

الأسباب الموجبة لرد القانون

والسؤال على ماذا استند الرئيس عون لرد القانون وما هي ملاحظاته عليه؟ 

استند رئيس الجمهورية في رد القانون إلى ضرورة تحصين بعض أحكام قانون السرية المصرفية لتحقيق الغاية المنشودة من إقراره. فالصيغة التي أقرّت تحصر طلب رفع السرية بالقضاء المختص بقضايا التحقيق، لكن عون طلب «تمكين النيابة العامة من الوصول إلى المعلومات التي تسمح لها بتكوين الملف قبل إحالته إلى قضاء التحقيق، بحيث تعطى صلاحية التقدّم من المصارف بطلب المعلومات إلى القضاء المختص في الادعاء والتحقيق». كذلك طلب منح صلاحية طلب رفع السرية المصرفية عن الحسابات إلى لجنة الرقابة على المصارف، ولمؤسّسة ضمان الودائع ولمصرف لبنان، وهو الأمر الذي كان قد طالب به نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي خلال الجلسة مؤكداً أن هذا البند أساسي لإقرار قانون إعادة هيكلة المصارف. لكن أحداً لم يتجاوب مع هذا الطرح. كما كرّر الرئيس طلب «شمول العاملين في الشأن العام الذي يؤدون وظيفة عامة أو خدمة عامة ضمن القانون ليغطي طوال الفترة السابقة لصدوره والتي تشمل بداية ممارسة مهامهم وتستمر إلى ما بعد تاريخ استقالتهم أو انتهاء خدماتهم أو إحالتهم إلى التقاعد». وعلّل هذه التعديلات بتفادي الاضطرار إلى إعادة النظر في القانون وتعديله لاحقاً ما يسبّب تأخيراً في تطبيقه وتباطؤاً في التعافي. علماً بأن متطلبات التعافي وفق ما ورد في مرسوم الردّ، تتطلب بعد إقرار قانون السرية، إقرار الموازنة وإعادة هيكلة المصارف والكابيتال كونترول.

 نائب رئيس المجلس الياس بو صعب.

ملاحظات صندوق النقد الدولي

وتقول مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية، انه اراد من خلال رد القانون لاعادة النظر فيه، التجاوب قدر الامكان مع رغبة صندوق النقد الدولي لاعطاء اشارة ايجابية الى رغبة لبنان بالتعاون مع الصندوق لان المواضيع العالقة مع الصندوق تحتاج الى "اظهار حسن نية" من الجانب اللبناني، لاسيما وان صندوق النقد كان ابلغ لبنان سلسلة من الملاحظات على القانون واعتبر ان فيه "قصورا رئيسية تتمحور حول اربع نقاط هي:

1- وصول لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع إلى المعلومات المصرفية: يوصي صندوق النقد بإدراج هذه الجهات ضمن تلك التي تعطى صلاحية الوصول إلى المعلومات وطلب رفع السرية. بالإضافة إلى إتاحة وصول لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان إلى المعلومات المصرفية بالاعتماد على قانون النقد والتسليف، طالباً وضع قائمة بالجهات التي يحقّ لها الوصول مباشرة إلى هذه المعلومات. وأشار إلى أن الآلية الحالية (في القانون الذي ردّه الرئيس) تحدّ من استقلالية لجنة الرقابة وتؤدي إلى تأخيرات لا مبرر لها، لجهة الوصول إلى المعلومات لأنها تتطلب موافقة مجلس الوزراء باقتراح من وزير المالية بعد التشاور مع البنك المركزي ولجنة الرقابة.
2- القدرة على رفع السرية المصرفية عن العاملين في الشأن العام: بحسب الصندوق، تركز المادة السابعة على الوصول إلى المعلومات كجزء من التحقيقات الجنائية، لكن ينبغي أن يتيح القانون الوصول إلى المعلومات المتعلقة بوظائف الإدارة العامة. كذلك ينبغي وضع آلية تسمح بتقديم معلومات محمية بالسرية المصرفية من دون تحديد حساب معين أو عميل معين (مثل أمر عام بشأن جميع الحسابات والعملاء الذين يستوفون معايير معينة أو الإبلاغ عن المعلومات المحمية بالسرية على أساس دوري أو منهجي). فعلى سبيل المثال، يجب ألا يقتصر الوصول إلى إدارة الضرائب لأغراض مكافحة التهرب الضريبي (العدالة الجنائية)، بل أن يشمل أيضاً وظائف إدارية مثل إجراء عمليات تدقيق الضرائب وغيرها من التدابير الرامية إلى تعزيز الامتثال الضريبي.

3- آلية إنفاذ القانون: التعديلات المعتمدة تتيح للسلطات القضائية إمكانية الحصول على المعلومات المصرفية، لكن مجموعة الإصلاحات ينبغي أن تنشئ آلية لإتاحة إمكانية الوصول إلى أجهزة إنفاذ القانون، بما في ذلك أدوار وصلاحيات قضاة الادعاء العام وقضاة التحقيق على النحو المقترح في التعديلات التي أدخلتها الحكومة. كما يجب أن يشمل القانون حقّ قضاة التحقيق في الوصول إلى المعلومات المصرفية مباشرة. برأي الصندوق، فإن وصول «أجهزة إنفاذ القانون» إلى المعلومات، يمثّل جزءاً حاسماً من إصلاح قانون السرية المصرفية، وينبغي إدراجها في القوانين التشريعية لأنها ستحدّد مدى فعالية النظام الذي جرى إصلاحه في ضمان الشفافية والكشف والتحقيق في الجرائم.
4 - العقوبات المتعلقة بخرق السرية المالية: تحافظ التعديلات المعتمدة على العقوبات المتعلقة بانتهاك السرية المالية، على عقوبة السجن لمدّة تتراوح بين 3 أشهر و 12 شهراً (مضاعفة عند التكرار)، وهي عقوبات غير مناسبة وقد يكون لها تأثير خانق على الكشف والإعلان عن النشاط الإجرامي أو المشبوه. فمن وجهة نظر الصندوق، عقوبة السجن غير ضرورية، لذلك يقترح إلغاء العقوبة الجنائية بالسجن والاكتفاء بالغرامات المرتفعة. بموازاة النقاط الأربع، قدمّ الصندوق اقتراحات إضافية من بينها العودة إلى الأحكام العامة المتعلقة بتبادل المعلومات بين كل السلطات ذات الصلة، والتي حُذفت من مسودة مشروع الحكومة (المادة 7.3). وهي أحكام مهمة، بحسب الصندوق، لضمان الكشف عن الأنشطة غير المشروعة والتحقيق فيها بفعالية. واعتبر أن تحديد إمكانية تبادل المعلومات بين السلطات الضريبية وهيئات إنفاذ القانون في التعديلات المعتمدة خطوة في الاتجاه الصحيح. وفيما تنص التعديلات المعتمدة على إحالة المصارف التي ترفض تقديم المعلومات إلى الهيئة المصرفية العليا، رأى الصندوق أنه يمكن الاستعاضة عنها بمنح الهيئة كما السلطات القضائية صلاحية فرض الغرامات مباشرة. ويقترح الصندوق النظر في "إعادة العمل بالأحكام المتعلقة بإنشاء سجل للحسابات المصرفية يكون بمثابة أداة مفيدة لإنفاذ القانون والإشراف على القطاع المالي في لبنان واتجاهاً استراتيجياً عاماً للرقابة على القطاع المالي". وتحفّظ الصندوق عن وضع أحكام تشير إلى المفعول الرجعي، ورأى أن لا ضرورة لتحديدها لأن إصلاح السرية المصرفية لا يمثل تطبيقاً بأثر رجعي للمتطلبات الجديدة بل توسيعاً لنطاق السلطات الإدارية في الوصول إلى البيانات السابقة بحوزة المؤسسات المالية، مبدياً استعداده للنقاش في هذا المفهوم ولا سيما إذا كانت هناك حاجة إلى أي مراجعات لنصّ التعديلات بما يضمن الوصول إلى المعلومات المصرفية من الفترات السابقة. فإذا كانت قوانين الأثر الرجعي مطلوبة من قبل القانون اللبناني لتوفير الوصول إلى الملفات السابقة الخاصة بالعملاء وأرصدة الحسابات في نقاط معينة من الزمن، فإن الفترة التي يغطيها الوصول إلى المعلومات يجب أن تكون مساوية على الأقل لعدد السنوات التي تكون فيها المؤسسات المالية ملزمة بتنظيم الاحتفاظ بالسجلات.

 رئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان خلال لقاء ممثل الصندوق الدولي في لبنان "فريديريكو ليما".

هل من "قطبة" مخفية وماذا سيفعل بري؟

في اي حال، القانون اعيد الى مجلس النواب "لاعادة النظر فيه" الامر الذي اثار ردود فعل من المرجعيات التي كانت اصرت على اصداره كما تم التصويت عليه في مجلس النواب، وانطلقت، كالعادة، الاجتهادات حول أبعاد قرار الرئيس عون، فمنهم من تحدث عن ان الهدف هو إرضاء صندوق النقد الدولي، ومنهم من قال بوجود "قطبة مخفية" في رد القانون، فيما قال آخرون إن اصرار رئيس الجمهورية على اعتماد المفعول الرجعي هدفه وضع المسؤولين الذين توالوا على السلطة منذ ما بعد اتفاق الطائف امام المساءلة لأن عون يعتبر ان "المنظومة" التي تحكمت بالبلاد منذ ما بعد اتفاق الطائف ورموزها ما زالوا احياء يرزقون وفي موقع السلطة، هم الذين اوصلوا البلاد الى الانهيار الذي وصلت اليه نتيجة تراكم الديون والسياسات المالية التي اعتمدت والارتكابات وغيرها، وبالتالي فإن عدم الاشارة الى المفعول الرجعي يعني طي صفحات الماضي والتركيز على فترة ما بعد اقرار القانون فيخرج اركان "المنظومة" ابرياء من كل ما حصل! وهكذا ومع رد القانون اصبحت الكرة في ملعب الرئيس بري الذي يفرض عليه الدستور ونظام مجلس النواب اعادة طرح القانون وفق ملاحظات رئيس الجمهورية، فاما يعدل النواب في نصوصه، او يصرون على التصويت عليه كما كان في الاساس وعند ذاك ينشر ويصبح نافذا ويمكن الطعن به امام المجلس الدستوري. الخطوة الاولى حصلت اذ احال الرئيس بري رد الرئيس عون للقانون الى لجنة الادارة والعدل لابداء الرأي، قبل عرضه مجددا على الهيئة العامة للمجلس....

الا ان اللافت في كل هذا المسار، انه بعد خمسة اشهر على توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على مستوى الموظفين، لم يقر مجلس النواب اي قانون اصلاحي حتى الان باستثناء قانون تعديل السرية المصرفية الذي عاد رئيس الجمهورية وطلب اعادة النظر فيه،  فهل ترضي هذه الخطوة صندوق النقد لان الرئيس اخذ بملاحظاته، ام تزعج ادارة الصندوق من التأخير المتعمد وتحمل مجلس النواب مسؤولية ذلك مع ما يترتب من مضاعفات؟ من غير الواضح الآن عما ستكون عليه ردة فعل ادارة الصندوق التي تتابع بــ "قلق" عدم مبالاة المسؤولين اللبنانيين بشروط الصندوق لتحقيق الاصلاح المنشود!.