تفاصيل الخبر

مواصفات بري الرئاسية في ذكرى تغييب الصدر أخرجت باسيل وجعجع ومهدت الطريق لفرنجية!

17/09/2022
مواصفات بري الرئاسية في ذكرى تغييب الصدر أخرجت باسيل وجعجع ومهدت الطريق لفرنجية!

الرئيس نبيه بري يلقي كلمته في احتفال الإمام موسى الصدر في صور.

 

كثيرة هي الرسائل التي وجهها رئيس مجلس النواب نبيه بري في خطابه خلال الاحتفال بالذكرى الرابعة والاربعين لتغييب الامام السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، والذي اقيم في صور بمشاركة شعبية واسعة تسجل للمرة الاولى منذ سنوات حيث ان التحضير لانجاح الاحتفال كان ظاهرا على العيان وحقق غايته. لم يترك بري موضوعا الا وتطرق اليه في كلمته، لكن الاهم يبقى في ما قاله عن الاستحقاق الرئاسي الذي لرئيس المجلس الدور المفتاح فيه لانه يملك حق الدعوة الى عقد جلسات لانتخاب الرئيس العتيد منذ الاول من ايلول (سبتمبر) حتى اذا ما تعذر الانعقاد لاي سبب كان، يصبح مجلس النواب منعقدا حكما في الايام العشرة الاخيرة التي تسبق تاريخ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الاول (اكتوبر) المقبل. وبدا واضحا ان بري لم يضع "قفازات حريرية" في كلمته عن الاستحقاق الرئاسي بل ذهب بعيدا في تحديد موقفه من عدد من المرشحين "الطبيعيين" معلنا بوضوح انحيازه وسعيه لانتخاب رئيس وفاقي يتجاوز باقي الالقاب والتسميات التي يروج لها بعض المرشحين مثل "مرشح طبيعي" او "مرشح تحدي" او "سيادي" او "حامي الشراكة" وغيرها من التوصيفات التي تهدف الى "تسويق" هذا المرشح او ذاك من العاملين علىى تعويم انفسهم كل من موقعه. بوضوح ايضا قال بري "سنقترع للشخصية التي توحد ولا تفرق"، لافتا الى ان الرئيس يحتاج الى حيثية اسلامية بقدر ما يحتاج الى حيثية مسيحية، وقبل كل ذلك الى الحيثية الوطنية .وهنا بيت القصيد، كما يرى مصدر سياسي، فالمواصفات العامة التي طرحها بري تكاد تكون نصف تسمية لشخص الرئيس الجديد. ذلك ان ان الحديث عن حاجة المرشح الرئاسي لحيثية اسلامية كما المسيحية، يستحضر تلقائيا استبعاد مرشح التحدي او المرشح الاستفزازي، ويقلص فرص بعض المرشحين الذين يعتبرون انفسهم انهم مرشحين طبيعيين واقوياء الى درجة كبيرة او الى الحدود الدنيا، ومنهم رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع .فباسيل وجعجع لا يملكان اليوم رصيدا ملحوظا عند الطائفة السنية، فالاول فقد ثقتها منذ انفراط عقد اتفاقه مع الرئيس سعد الحريري، والثاني خسر الغطاء السني المحلي منذ انفراط تحالفه مع سعد الحريري بعد احتجازه في السعودية وانقلابه عليه في محنته .ولا يملك جعجع اي رصيد يذكر عند الطائفة الشيعية، بينما يحتفظ باسيل برصيده عند حزب الله ويفقده تماما عند "حركة امل"، غير ان الاجواء والحسابات تقول ان الحزب ليس متحمسا لخوض معركته الرئاسية، ويسعى الى كسب دعمه لمعركة سليمان فرنجية. أما رصيد كل منهما عند الدروز، فهو يكاد يكون في الحد الادنى، خصوصا بعد مبادرة وليد جنبلاط وموقفه المعلن من الاستحقاق الرئاسي ورفضه مرشح التحدي على عكس ما يعلنه جعجع، لذلك، فان رئيس "القوات" لا يحظى بالغطاء الدرزي في معركة الرئاسة، ولا يستطيع ان يكسب اي دعم درزي اذا استمر على نهجه حيال الاستحقاق الرئاسي. ويفتقد باسيل في الاصل غطاء القوة الدرزية الكبرى، اي غطاء الحزب "التقدمي الاشتراكي"، كما انه لم يعد يملك الرصيد نفسه عند خصوم جنبلاط بعد تداعيات الانتخابات النيابية في الجبل والعلاقة مقطوعة مع النائب السابق طلال ارسلان و "فاترة" مع رئيس "حزب التوحيد العربي" الوزير السابق وئام وهاب. وتقول مصادر متابعة، انها تتلاقى مع قراءة المصدر السياسي حول استبعاد كل من جعجع وباسيل من حلبة معركة الرئاسة، لكنها ترى ان كلام بري يفتح الباب بكل موضوعية للاتفاق على مرشح يحظى بالحيثية الوطنية ولا يشكل تحديا لاي طرف او فريق، ويجسد سياسة اليد الممدودة لانجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده بإرادة جماعية وجامعة لكل الوان المجلس النيابي. وتشير المصادر في هذا المجال، الى دعوته اعضاء المجلس الـ١٢٨ الى الاحتكام للدستور "لنكون جميعا صوتا واحدا لانجاز الاستحقاق الرئاسي". اما النقطة الثانية البارزة في كلام بري عن هذا الاستحقاق فهي ما قاله بلهجة حازمة وحاسمة بوجه "محاولات التهويل والاستثمار" في مسألة الفراغ الرئاسي  اذ "ليس مشروعا ان يعمد البعض على تصوير الامر لدى اللبنانيين بان نهاية الفترة الدستورية لاي سلطة هي نهاية للبنان ووضعه عل شفير خطر وجودي"، واستند في ذلك على تأكيد حقيقة طالما اكد عليها، وهي ان المجلس النيابي الذي يرأسه "هو المؤسسة الام التي تمثل الشعب، وهو الوحيد المناط به تفسير الدستور"، محذرا بقوله "ليس مسموحا العبث بالدستور والتمرد عليه او البحث في اجتهادات غبّ الطلب تتواءم مع هذا الطرف او ذاك، وتلبي مطامح هذا المرشح او ذاك من المرشحين الطبيعيين". والنقطة الثالثة التي ركز عليها بري في موضع الاستحقاق الرئاسي هي تجديده التأكيد على احترام المهلة الدستورية للعمل على انجاز الاستحقاق الرئاسي، لكنه وضع هذه المسؤولية امام الجميع، مؤكدا في الوقت نفسه عدم الاستسلام "لبعض الارادات الخبيثة التي تعمل لاسقاط البلد ومؤسساته في دوامة الفراغ". وتقول مصادر متابعة ان بري قال في خطاب مهرجان الامام الصدر ما يجب ان يقال في الاستحقاق الرئاسي مع بداية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكن المراقبين يرون ان في جعبته اضافات اخرى حول هذا الاستحقاق سيعمل بلورتها وتظهيرها خلال الفترة التي تسبق اواخر تشرين الاول (اكتوبر) المقبل. ولا خلاف على انه سيكون لاعبا اساسيا في رسم خريطة الطريق الى الاستحقاق الرئاسي، والى كل الخيارات التي تحيط وتلي هذا الاستحقاق. ومن المبكر التكهن في الطريقة التي سيعتمدها لتحسين وتعزيز فرص انتخاب الرئيس الجديد في المهلة الدستورية، لكن المؤكد انه سيضع برنامجا ناشطا لتحقيق هذا الهدف.

الرئيس نبيه بري يلقي كلمته في احتفال الإمام موسى الصدر في صور.

استهداف عون وباسيل... وتزكية غير معلنة لفرنجية

لقد بدا واضحا من كلام بري انه استهدف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من دون ان يسميه مباشرة، وكذلك الفريق السياسي وفي طليعته رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل. واذا كان "تلطيش" بري لباسيل امرا مألوفا بسبب غياب "الكيمياء" بين الرجلين، الا ان استهدافه عون له مدلولاته خصوصا انه حملّه مسؤولية الانهيار الذي اصاب قطاع الكهرباء ما جعل ممثل "التيار" في الاحتفال النائب غسان عطا الله يغادر المكان لولا مبادرة النائب السابق اميل رحمه الى اقناعه بعدم الانسحاب. وتقول مصادر قريبة من بري ان هجوم رئيس المجلس على عون من دون ان يسميه وفريقه السياسي لم يأتِ من فراغ، وإنما له أسبابه الموجبة لوضع النقاط على الحروف؛ خصوصاً أن باسيل يحمّله في مجالسه الخاصة مسؤولية الطلب من وزير المال يوسف خليل عدم التوقيع على المرسوم الخاص بتعيين رؤساء الغرف في محاكم التمييز، وهذا ينسحب أيضاً على مرسوم ترقية الضباط المعروفين بـ«دورة العماد ميشال عون»، إضافة إلى التفافه وبعض حلفائه على الخطة الإصلاحية لعون. وتضيف أنه لا مجال لتشكيل حكومة جديدة أو تعويم الحالية لأن المراوحة تطغى على كل المحاولات للوصول بها إلى بر الأمان، من دون أن يستبعد لجوء هذا الطرف أو ذاك لاستخدام السلاح السياسي الثقيل، وانضمام قوى أخرى إلى الحرب المفتوحة، في ظل تقدم الفراغ الرئاسي حتى الساعة على انتخاب الرئيس، وبذلك يكون بري قد استبق «جردة الحساب» التي يعدها عون لولايته الرئاسية بـ«جردة» من نوع آخر.

 النائب جبران باسيل.

لكن السؤال الذي شغل بال المراقبين تركز على معرفة من هي الشخصية التي تنطبق عليها المواصفات الرئاسية التي عددها بري في خطبته من دون ان يسميها. وفي هذا السياق، يقول متابعون ان مواصفات بري تنطبق على احد مرشحي "الصف الاول" النائب والوزير السابق سليمان فرنجية الذي يعرف القاصي والداني ان بري "يسوق" له في لقاءاته المحلية والدولية وهو ابلغ حليفه في "الثنائي الشيعي" حزب الله ان فرنجية هو "الرجل المناسب" في هذا الظرف لاسيما وان زعيم "المردة" يتمتع بمواصفات يعتبر بري انها تؤهله لهذا المنصب وان كان فرنجية لم يعلن ترشحه رسميا بعد، لكنه لا يخفي "حقه" في دخول قصر بعبدا رئيسا للجمهورية متكلا على مروحة واسعة من العلاقات الداخلية، ونوعية لا بأس بها من العلاقات الخارجية، العربية والدولية على حد سواء. ولا يتردد فرنجية امام من يلتقيهم هذه الايام، في الحديث عن "الدور المميز" للرئيس بري في الاستحقاق الرئاسي المقبل، علما انه يقول ايضا انه "ليس مرشح حزب الله" لاسيما وان الحزب لم يحدد موقفه من الاستحقاق ويتريث الى حين يرى الوقت المناسب لاعلان موقفه. ويضيف فرنجية ان "الدول الاساسية صاحبة الرأي في الانتخابات الرئاسية- وليس القرار- تعرفه ولا مشكلة بينه وبين الاميركيين والفرنسيين واي  دولة عربية اخرى بمن فيها السعودية ودول الخليج. ولا يخفي فرنجية امام زواره استعداده للقاء النائب باسيل اذا ما دعاه الرئيس عون الى قصر بعبدا كمكان للقاء، لكنه ليس في وارد زيارة باسيل في منزله او في مقر "التيار الوطني الحر" الا اذا اعلن تأييده له فتصبح الزيارة واجبة للشكر. كذلك الامر بالنسبة الى رئيس "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع الذي هو على خلاف سياسي واستراتيجي معه، لكن لا يمانع ان يلتقيه في مكان غير معراب، لكن يمكن ان يزوره في مقره اذا اعلن تأييده له، فتكون الزيارة- كما زيارة باسيل- للشكر على التأييد. وعندما يسأل فرنجية ما اذا كان باسيل وضع عليه شروطاً كما تردد للقبول به رئيسا للجمهورية، يسارع زعيم "المردة " الى نفي هذه المسألة كليا، معربا عن استعداده للبحث في كل النقاط عندما يتم اللقاء بينهما بضيافة الرئيس عون الذي لا يحمله فرنجية مسؤولية كل ما حصل في البلاد لان ذلك نتج عن مجموعات تراكمات في السنوات ما قبل تسلم العماد عون رئاسة الجمهورية. وينقل زوار فرنجية عنه الشكوى من "تشرذم" الموقف السني بعد اعتكاف الرئيس سعد الحريري، لكنه يتوقع ان يبادر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الى جمع النواب السنة قريبا لتوحيد الموقف شرط توافر ضمانات للمفتي بان النواب السنة سيحضرون جميعهم الى دار الفتوى والخروج بموقف موحد.

وهكذا يكون الرئيس بري في احتفال ذكرى الامام المغيب السيد موسى الصدر قد اطلق عمليا الشرارة الحقيقية للاستحقاق الرئاسي من خلال المواصفات التي حددها لشخص الرئيس العتيد، والتي قطع فيها الطريق على "مرشحين طبيعيين" هما باسيل وجعجع، ومهدها للمرشح  "الطبيعي" الثالث سليمان فرنجية.

 النائب السابق سليمان فرنجية.