تفاصيل الخبر

أزمة رواتب الديبلوماسيين في الخارج تتفاقم وأول الغيث إضراب واتجاه لإقفال 12-16 سفارة وقنصلية

17/09/2022
أزمة رواتب الديبلوماسيين في الخارج تتفاقم  وأول الغيث إضراب واتجاه لإقفال 12-16 سفارة وقنصلية

وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب.

 

من المظاهر الجديدة - القديمة لتحلل الدولة اللبنانية، ما يحصل منذ مدة مع الديبلوماسيين اللبنانيين المغتربين في الخارج الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ اربعة اشهر ما دفعهم الى التهديد بالاضراب وشل عمل البعثات الديبلوماسية في الخارج الموزع على 89 بعثة ديبلوماسية بينها 74 سفارة و15 قنصلية، في وقت يصل فيه مجموع رواتب الديبلوماسيين في الخارج الى نحو 30 مليون دولار. وعلى رغم ان وزارة الخارجية والمغتربين بدأت منذ عامين تطبيق خطة تقشف قاسية لتقليص المصاريف، الا ان ذلك لم يبدل في الواقع شيئا، واستمرت وزارة الخارجية ترسل التعاميم الى رؤساء البعثات الديبلوماسية والقنصلية لارسال مزيد من الاقتراحات التقشفية وذلك بعد اعادة النظر ببدلات الايجار خصوصا ان 70 في المئة من مقرات هذه البعثات مستأجرة، كما اعيد النظر برواتب السفراء والموظفين واوقفت كل المخصصات السنوية للاحتفالات والاستقبالات. وتقول مصادر وزارة الخارجية ان المشكلة تكمن في كون رواتب الديبلوماسيين تدفع بالدولار على سعر منصة "صيرفة"، لكن لا اعتمادات تكفي لتغطيتها بالليرة، علما ان كل النفقات لا تزال تدفع على اساس القاعدة الاثني عشرية نظرا لعدم اقرار الموازنة وعلى اساس سعر صرف يبلغ 1500 ليرة.

 

وفي عملية حسابية بسيطة يتضح ان مجموع الرواتب البالغ 30 مليون دولار سنويا تدفع من اعتمادات بالليرة اللبنانية قيمتها 45 مليار ليرة، فيما تغطية هذه الرواتب على سعر "صيرفة" تحتاج الى اعتمادات تبلغ قيمتها الاجمالية 780 مليار ليرة اي ان الفرق يبلغ 735 مليار ليرة. ونتيجة ذلك تراكمت رواتب الديبلوماسيين لاربعة اشهر بما في ذلك شهر ايلول (سبتمبر) الجاري. وتضيف المصادر انه سيكون بالامكان دفع راتب واحد من الرواتب "المكسورة" على الوزارة اذا ما تجاوبت وزارة المال مع بعض "الترقيعات" التي تجرى على هذا الاساس، لكن ذلك لن يحل المشكلة التي لا تزال قائمة وسوف تستمر الى اشعار آخر وربما تتفاقم مع استمرار تدهور العملة الوطنية امام الدولار.

والواقع ان الاجراءات "التقشفية" التي اتخذها وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب  ومنها خفض قيمة بدل الاغتراب للدبلوماسيين بنسبة 35 في المئة، والغاء ما بين 40 و 50 وظيفة في السفارات وخفض بعض الرواتب، اضيفت الى اجراءات اخرى كانت اتخذتها وزيرة الخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس حسان دياب السيدة زينة عكر التي الغت بدلات التمثيل للسفراء، وهي مبالغ فصلية مقطوعة تخصص لتغطية مصاريف العلاقات العامة من دعوات ونشاطات وغيرها. لكن كل ذلك لم ينه المشكلة التي لا تنحصر بالرواتب فقط إذ إن الكلفة التشغيلية للسفارات صارت أيضاً كبيرة. وتؤكد مصادر مطّلعة أن وزارة الخارجية تدرس إمكان تعليق العمل في بعض السفارات والقنصليات التي لا تنتج أموالاً في مناطق مثل جنيف والأونيسكو والفاتيكان وسواها. وتبيّن أن الإجراءات التي اتخذها بوحبيب وعكر في الفترة الماضية لم تكن كافية .وتقول مصادر الدبلوماسيين إن «السفراء ينفقون من أموالهم الخاصة، أو بالاعتماد على مساعدات المعارف والأصدقاء». أما الإصرار على خفض النفقات التشغيلية إلى حدودها الدنيا فيؤدي "إلى ضررٍ على مستوى الأداء والعمل والصورة بإجماع أكثر من سفير في الخارج، اشتكوا من عدم قدرتهم على الاستمرار في الاعتماد على أموالهم الخاصة، وخصوصاً أن قيمة تأميناتهم الصحية تصل إلى آلاف الدولارات فيما تقع الأقساط المدرسية والجامعية لأولادهم على عاتقهم، كما أن منهم من خسر أمواله المدّخرة في مصارف لبنان". وبحسب مصادر في وزارة الخارجية، فإنّ لدى لبنان 75 سفيراً معتمداً تراوح رواتبهم كمعدّل وسطي بين 16 ألف دولار للسفراء الذين تخطّوا الـ 25 عاماً في السلك و7 آلاف دولار للدبلوماسيين المبتدئين. كما أن لدى لبنان 15 قنصلية وبعثة لم تتلقّ أيّ تحويل لمصاريفها التشغيلية منذ أكثر من 8 أشهر، شأنها شأن السفارات، علماً بأن السفارات، بعد رفع قيمة رسومها، تُدخل إلى خزينة الدولة أكثر من نصف قيمة هذه التكاليف التشغيلية، لكن مصادر الوزارة تشير إلى أن خطّة الوزير هي ادّخار مبالغ تكفي لتشغيل السفارات لمدة سنتين. وإلى جانب الـ 75 سفيراً، هناك 7 سفراء أرسلتهم وزارة الخارجية مطلع العام في مهمات خارجية لم يعودوا منها بعد، ولم يتقاضوا حتى الساعة ليرة واحدة بدلاً لها.

  الوزيرة السابقة زينة عكر.

نحو اقفال 12- 16 سفارة وقنصلية

يقول الوزير بو حبيب في مجالسه الضيقة ان قرار اقفال عدد من السفارات لا مفر منه "ولو بقدر بسّكر نصف السفارات"، لكن من غير الجائز عزل لبنان عن الخارج لاسيما وان الجاليات اللبنانية "تأخذ روحاً" بوجود ديبلوماسيين لبنانيين في البلدان الموجودة فيها، ولجأت الجاليات القادرة على مساعدة السفارات من خلال تأمين مصاريف التشغيل على الاقل لابقاء الحضور اللبناني مؤمناً ولو في حده الادنى، علماً ان بعض السفارات تمنعت عن تسديد النفقات التشغيلية لعدم قدرتها على تأمين المال اللازم لذلك. وقد شكا ديبلوماسيون مما سموه "عدم مبالاة" المسؤولين في لبنان مع الوضع المذري الذي يعيشون فيه بدليل ضياع رواتبهم ومخصصاتهم بين الوزارة ووزارة المال ومصرف لبنان في سابقة لم تسجل مطلقا في مسيرة الديبلوماسية اللبنانية، الامر الذي دفع هؤلاء الى تشكيل نواة لجنة تمثل العاملين في السلك لمتابعة هذا الملف الشائك في بيروت مع التفكير جديا بامكانية اللجوء الى الاضراب اذا لم تتأمن رواتبهم  مع نهاية شهر ايلول (سبتمبر) الجاري. واذا استقر رأي الوزير بو حبيب على الغاء عدد من السفارات والقنصليات، فان العدد المتوقع يتراوح بين 12 و 16 سفارة وقنصلية استنادا الى دراسة مالية اجريت في هذا المجال، معطوفة على دراسة عن جدوى استمرار هذه السفارات والقنصليات التي لا تحقق اي انتاج او هي في دول غير مؤثرة لاسيما منها دول اميركا اللاتينية حيث بات الاغتراب اللبناني بعيدا كليا عن هموم الوطن الام ومشاكله ويعيش هموم البلد الذي استضافه.

"رشوة" راتب شهر أيار!

ويتحدث سفراء ان راتب شهر ايار (مايو) الماضي كان آخر راتب وصلهم الى البعثات التي يترأسونها وكان بمثابة "رشوة" لهم كي يشرفوا على الانتخابات النيابية في دول الانتشار الموجودين فيها. ولولا ذلك لكان حجب عنهم راتب ايار (مايو). اما اليوم فالوضع مختلف بالنسبة اليهم حتى لو سددوا بعض هذه المستحقات بعد اسابيع او اشهر فالاوضاع لن تعود لسابق عهدها ولن يتم تسديد الرواتب والنفقات بشكل شهري. ويعتبر السفراء أن «وزارة الخارجية كما كل الوزارات والإدارات مرآة للوضع في البلد من حيث الهدر والفساد واللامسؤولية والصرف العشوائي الذي كان يحصل منذ عشرات السنوات»، لافتين إلى أنه «حتى الساعة ورغم السعي لعصر النفقات وتقليصها بنسبة 30 في المائة خلال عامين، فإنه لا يمكن الحديث عن خطة فعلية لمعالجة الوضع إنما عن حلول ترقيعية بدل الانكباب عند تشكيل الحكومة الحالية على إعطاء الأولوية لنفضة كبيرة تقلص المصاريف». ويضيفون ان «لا إمكانية لمعالجة جدية لأزمة البعثات من دون إعادة النظر بوجود الكثير منها حيث إن هناك كثيرا من الأمثلة حيث لا حاجة لنا لبعثات، أضف أنه يجب إنهاء عمل نحو 18 ملحقاً اقتصادياً لا مهام فعلية لهم في الأزمة المالية الراهنة التي تعصف بلبنان".