منذ دخولهم مجلس النواب على اثر انتخابات ايار (مايو) 2022، لم يقدم "نواب التغيير" اي موقف جماعي جدي يمكن الاعتداد به او اعتباره يعبر عن وحدة موقفهم وانهم كتلة "تغييرية" بالفعل. لم يظهر ذلك، لا في جلسة انتخاب رئيس المجلس ونائبه واعضاء هيئة المجلس، ولا في انتخابات اللجان النيابية، ولا في جلسات التشريع التي عقدت بعد بدء ولاية المجلس الجديد. الامر الذي جعل علامات الاستفهام تتزايد حول قدرة هؤلاء النواب وعددهم 13 نائبا ونائبة، على إحداث التغيير المنشود قياساً الى الآمال التي علقها عليهم الناخبون من جهة، والذين مشوا معهم في ما سمي "ثورة تشرين". الا انه بعد بدء المهلة الدستورية للدعوة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية "شد الشباب" همتهم وكثفوا اجتماعاتهم لتكوين موقف واحد حيال هذا الاستحقاق نظرا للدور الذي يمكن ان يلعبوه في مسألة تأمين النصاب في الجلسات الانتخابية مع غياب اكثرية واحدة قادرة على توفير الاعداد الكافية من النواب لتشكيل الثلثين لنصاب جلسة الانتخابات. لقد ادرك نواب "التغيير" انهم يمكن ان يكونوا "بيضة القبان" مع استحالة تشكيل اي فريق وحده قوى ضاغطة من شأنها ان تكون الاكثرية وتحسم فوز هذا المرشح او ذاك، وهم تعلموا من درس انتخابات رئيس المجلس ونائبه وذاقوا مرارة انعدام وحدة الموقف في اول تجربة واجهوها. لذلك قلل النواب من الكلام والتصريحات، وانصرفوا الى اعداد رؤية موحدة وبرنامج رئاسي انطلاقا من كون "الثورة" – كما قال احد هؤلاء النواب- لم تنته، وستنطلق في نسخة ثانية بشكل سلمي وعلمي ومقاربة لكل الملفات التي يفترض ان يلاحقها النواب من داخل الندوة البرلمانية لان لديهم عملهم والتزامهم في الأطر المتبعة في المجلس، لكنهم قالوا لا في أكثر من محطة انتخابية وسواها تحت قبة البرلمان، ويكفي أن الثورة قالت لمرجعيات سياسية ووزراء ونواب حاليين وسابقين "إنكم حرامية ومرتكبون وفاسدون". ولذا ثمة خطوات تُدرس بدقة ستبدأ بالظهور تباعاً على ضوء اللقاءات والمشاورات الجارية على قدم وساق، لأن الوضع لم يعد يتحمل المزيد من الانهيار، واذا لم يحصل تغيير من الرئاسة الى الحكومة وفي المواقع الإدارية، فلن يتبدل شيء وسيبقى الانحدار مستمراً، وربطاً بهذه الأجواء فان اللبنة الأولى كانت في البيان الذي سيصدر عن النواب الـ 13 حول الرؤية للاستحقاق الرئاسي من جوانبه كافة، وبعدها ستأتي المسارات الأخرى.
عناوين المبادرة... والإنذار بالتحرك الشعبي
ماذا حمل البيان الذي اذيع كثمرة اولى تعكس وحدة موقف النواب التغييريين الــــ 13؟ حرص النواب على الدخول في صلب الاستحقاق فاعتبروا ان "الانتخابات الرئاسية هي الخطوة الحاسمة" وان "بداية التغيير هو بانتخاب رئيس على قدر طموح لبنان واللبنانيين، وهذا الاستحقاق يرتب علينا نحن التغييرين مواكبة هذا الاستحقاق بكل تفاصيله ومقاربته". وشددوا على انه "ثمة حل واحد لا مفر منه وهو يحتاج الى تضافر الجهود، فليس علينا الا بكتاب الدستور وفق معاييره، للخروج من قعر الهاوية الاخلاقية والاقتصادية والاجتماعية، فلا احد ولا فريق ولا جهة، يستطيع ان يمثل لبنان وان يضع يده عليه". واضافوا: اننا مشروع سياسي جديد عابر للاصطفاف ومقاربتنا اليوم تستند الى النقاش مع الجميع والانفتاح عليهم"، مؤكدين على "اننا نسعى لرئيس متحرر ومؤمن بسيادة لبنان، رئيس يلقن درس وحدة الوطن خارج الاصطفافات الحزبية والدولية، ويحافظ على السيادة، ويسعى لدولة تمارس العدالة على كامل اراضيها وتمتلك السلطة العليا على ارضها، رئيس ينحاز لمصالح الشعب، مستعد للحفاظ على اموال المودعين ويقف بوجه المصارف، منفتح على الاديان، يحترم الدستور، ويسهر على تطبيقه، يعمل على خطة اقتصادية مستدامة وخطة تعافي اقتصادية تحافظ على الاقتصاد الحر". واردفوا : "نريد رئيس بناء مؤسسات الدولة، يعمل على محاسبة المسؤولين في قضية المرفأ، ويعمل على تحسين القضاء العدلي والمالي، يحافظ على لبنان بحدوده البرية والبحرية ويعمل على ترسيم الحدود، يؤمن بحق فلسطين بأرضها، يعيد توازن البرلمان ويعيد الاعتبار للمؤسسات، كما يطلق ديناميكية العمل حول طبيعة العمل السياسي في لبنان.... واذا لم يؤت برئيس بهذه المواصفات، فالتاريخ سيلعننا واولادنا، وهذه المواصفات ليست مستحيلة بل تمثل ارضا لبنانية يمكن للجميع الوقوف عليها". واكدوا "اننا على اتم الاستعداد للتواصل مع الشخصيات التي تتوافر فيها معايير مبادرتنا التي تبقى قائمة حتى اليوم ما قبل العاشر الذي يسبق انتهاء ولاية الرئيس اي حتى ليل 20-10- 2022" مشيرين الى انه "بحال عدم انتخاب هذا الرئيس، سنلجأ الى وسائل الضغط الشعبية بكل اشكالها، على ان يعلن عن مواقفنا كلما دعت الحاجة". وشددو على "اننا واثقون من ان هذه المبادرة جدية، ولا يمكن لاحد رفضها، وليفككوها بندا بندا قبل اطلاق العنان للمواقف"، وتابعوا : "توفر الاسماء المرشحة للرئاسة لدينا لن تتوانى عن نشرها".
تعطيل جلسات الانتخاب أحد الخيارات
وتقول مصادر "النواب التغييرين" ان المبادرة التي اطلقوها لن تقف عند حدود النقاش بل سيتوسع التشاور ليشمل اسماء الترشيحات التي تتناسب مع معايير الورقة وبرنامجها، حيث سيتم وضع قائمة مصغرة للمرشحين الذين تنطبق عليهم المواصفات المنصوص عليها في "الوثيقة" في محاولة للتوصل الى تفاهم مع القوى النيابية الاخرى على مرشح قادر على تأمين اغلبية نيابية تسمح له بالوصول الى قصر بعبدا. ومع أنّ كتلة «قوى التغيير» تضمّ نائبين مارونيين، هما ميشال الدويهي ونجاة عون، إلا أنّ الكتلة لم تتبن مسبقاً أياً من الاسمين، ويؤكد أحد المشاركين أنّ "تبني أحد النائبين للرئاسة، هو حقّ للكتلة، ولكن إلى الآن لا مرشح من صفوفنا" ولأنّ معركة تفاهم المعارضة على مرشح واحد، صعبة جداً، على حدّ اعتراف أحد نواب «17 تشرين»، في ضوء تعدّد المرشحين أولاً، واختلاف التوجهات ثانياً، ووقوف رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على خطّ الوسط بين الاصطفافين، فقد يكون الخيار البديل هو تعطيل نصاب الجلسات الانتخابية، لتكون المقاطعة هي الورقة التي ستستخدمها المعارضات للحؤول دون انتخاب مرشح، مرفوض من هذه الكتل. فهل سيلجأ النواب «التغييريون» إلى سلاح التعطيل؟
يكشف أحدهم أنّ "هذه المسألة كانت في صلب النقاشات التي شهدتها الخلوة حيث تمّ توثيق أكثر من رأي ووجهة نظر، ولكن في النهاية تمّ الاتفاق على أمرين: أولاً، وإلى حين موعد انتهاء الولاية الدستورية للعهد الحالي، أي 31 تشرين الاول (اكتوبر) ، فإنّ التعطيل هو جزء من حقوق الهيئة الناخبة وقد يكون وارداً بالنسبة لكتلة التغييريين، ولكن في حال وقع الشغور في الرئاسة الأولى فإنّ مبدأ التعطيل سيكون موضع نقاش جديد في الكتلة خصوصاً وأنّ بعض النواب يعتبرون أنّه لا يجوز تعطيل المؤسسات، خصوصاً وأنّهم كانوا من منتقدي الكتل الاخرى بسبب هذا الخيار السلبي. ولهذا سيعودون إلى الكتلة لدراسة المسألة من جديد واتخاذ القرار الملائم".
في اي حال، خطوة "النواب التغييرين" من خلال المبادرة التي اطلقوها، هي خطوة اولى في مسيرة طويلة يفترض ان يؤكدوا فيها دائما على وحدة موقفهم حتى "يحتسب لهم الحساب" في مجلس النواب، وتسعى الكتل المعارضة الى استقطابهم لتشكيل قوة مؤثرة في النصاب اولا وفي النتائج ثانيا والتشريع ثالثا، فالقوى السياسية الاخرى التي حاولت "عزل" "النواب التغييرين" في بداية ولاية المجلس نظرا لمواقفهم المتقلبة والتي بدت غير جدية، قد لا تتبنى مبادرتهم، لكنها عمليا في حاجة الى اصواتهم في محاولة لاحداث خرق في جدار الازمة الرئاسية التي بدأت تلوح في الافق خصوصا بعد المواقف المتشددة لكل من رئيس "التيار الوطي الحر" النائب جبران باسيل ورئيس "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع، اذ يشدد الاول على ان يكون لاي رئيس مقبل كتلة نيابية "وازنة " واخرى وزارية تدعمه، في حين يدعي الثاني الى انتخاب رئيس "يتحدى حزب الله" و"التيار الوطني الحر". وفي ظل التوازنات الهشة داخل مجلس النواب والتي نتجت عن الانتخابات النيابية الاخيرة، يبدو من الصعب تأمين نصاب قانوني لجلسة انتخاب رئيس (86 نائباً هو النصاب)، من دون الوصول الى اتفاق او تسوية ما بين العدد الاكبر من الكتل النيابية، وهنا يبرز دور "النواب التغييرين" في الخيار الذي سيتخذونه والذين استبقوا الالتزام به من خلال مضمون المبادرة التي اعلنوها والمواصفات التي حددوها فيها للرئيس العتيد. فأين سيكون هؤلاء النواب الذين يفترض انهم ولدوا من رحم "ثورة تشرين"؟.