تفاصيل الخبر

طُويت صفحة 2023 وبدأت سنة 2024

09/01/2024
طُويت صفحة 2023 وبدأت سنة 2024

طُويَت صفحة سنة 2023، وكانت الرابعة على التوالي منذ العام 2020، من أكبر الأزمات الإقتصادية، الإجتماعية، المالية والنقدية في تاريخ العالم. لكن بعد 4 سنوات لا يمكن أن نتحدث عن أزمة، لأنها باتت من صلب حياتنا اليومية، ومتجذّرة في عمق بيئتنا، وسنتحدث في هذا المقال عن أهم المحطات الإقتصادية في العام 2023، ونبني توقعاتنا الإقتصادية على الوقائع والأرقام في العام 2024.

نعرض بعض المحطّات الإقتصادية التي حدثت في العام 2023، كي نستطيع أن نبني عليها توقعاتنا للعام 2024، لا سيما الإقتصادية منها، المبنية على الأرقام والوقائع.

 

إن 2023 كانت سنة التكريس للفراغات الدستورية، لا سيما الفراغ في السلطة العليا المؤذي، والذي انحدرت منه فراغات عدة، في مناصب عسكرية، أمنية ونقدية. سنة 2023 كانت نهاية ولاية حاكم المركزي بعد ثلاثة عقود، وإستبداله بالحاكم بالإنابة، وقد طُويت صفحة مالية ونقدية كبيرة من تاريخنا.

 

بدأت سنة 2023 بقرار لافت في شباط، بتغيير سعر الصرف الرسمي من 1500 ليرة إلى 15 ألفاً، والذي كان أيضاً سعراً وهمياً حينما حلّق سعر السوق السوداء إلى ما فوق الـ 100 ألف، قبل أن يستقر على نحو 90 الفاً. فكان هذا السعر الرسمي الجديد، سعر الهيركات المبطّن، لهدر ما تبقّى من الودائع الصغيرة والمتوسطة.

 

أما سعر الصرف الرسمي الثاني فكان سعر منصّة صيرفة، والإتفاق على سعر منصة بلومبورغ الذي سيطبّق قريباً لكل المدفوعات والضرائب والرسوم الجمركية.

 

كانت سنة 2023 تكملة للأزمات المتعددة، لكن أيضاً كانت سنة التكيُّف مع الواقع الجديد، وإعادة هيكلة بعض شركات القطاع الخاص في قطاعات عدة، وقد شهدت هذه السنة أيضاً موسم صيف ناجحاً جداً، مع انتعاش القطاع السياحي، وجذب الإستثمارات في هذا المجال، وقد كنا متفائلين بتكملة وربط هذه الدفعة الإيجابية حتى موسم نهاية العام، وأعياد الميلاد ورأس السنة، وآملين ومتوقعين نمواً ما بين 2-3 %.

 

لكن فوجئنا باندلاع حرب غزة الكارثية والتدميرية في 7 تشرين الأول، والتي جمّدت كل الإستثمارات والإنماء في لبنان والمنطقة. وقد تحوّل إقتصاد الشرق الأوسط من إقتصاد السلام إلى إقتصاد الحرب، فهذه الحرب الباردة جمّدت كل القطاعات والإستثمارات والتطوير، والحركة الجوية والبحرية، وجرّت المنطقة إلى تضخّم مخيف مع ركود اقتصادي (Stagflation).

 

أما في لبنان، فإن التداعيات كارثية، من حرب ساخنة على الحدود الجنوبية، وحرب باردة على كل الأراضي، مع مخاوف توسيع رقعة الصدام.

 

نبدأ العام 2024، مع مواعيد ومحطات عدة، بدءاً من موازنة 2024 المطروحة، ويُمكن أن تُقر سريعاً بمرسوم مفاجئ، وتكون موازنة ضريبية بامتياز، إذ ستضرب ما تبقّى من الإقتصاد الأبيض والشفَّاف، وتُحفّز الإقتصاد الأسود، والتهريب والتبييض والترويج.

 

كما ستشهد سنة 2024، نهاية تعميم 151، ومشروعاً مبطّناً لتحويل ما تبقى من ودائع الدولار القديم (اللولار)، إلى الليرة اللبنانية، بحسب سعر صيرفة أو بلومبورغ، لكن مع قيود عدة للسحوبات النقدية. وستكون هذه السنة نهاية الدولار القديم، وتكريس عملية النهب الأكبر في العالم، ومحاولة إعادة بناء إقتصاد على الدولار الجديد الفريش.

 

 

ستشهد 2024 نهاية تعدُّد أسعار الصرف وتوحيد السعر وفق منصة بلومبورغ، لكن سيكون سعراً عائماً من دون ضوابط وتدخّلات، ويُمكن أن نشهد تقلّبات وقمماً مخيفة.

 

من المؤسف أننا لسنا متفائلين بأن سنة 2024 ستكون نهاية الفراغات الدستورية، لكن هناك دائماً شعلة تفاؤل من إتفاق شامل، وصفقة وراء الستار تُنجز رئيساً للجمهورية، رئيساً للحكومة، وحكومة فعّالة لتُواجه الأزمات والتغيّرات المصيرية التي يشهدها لبنان والمنطقة.

 

أما على صعيد المنطقة، فإنّ 2024 ستكون سنة تكملة حرب غزة والتدمير والإجرام، فلبنان والمنطقة على مفترق طرق، إمّا العيش في إقتصاد الحرب الدائم والمستدام، وإما الذهاب إلى إتفاق وسلام شامل.

 

لا شك في أننا لسنا مهيئين للحرب، وإقتصاد الحرب، لكن هل نحن مهيأون للسلام ولمفاوضات السلام؟ وهل هناك رؤية موحّدة وأهداف مصيرية متفق عليها؟ وإذا جرت مفاوضات للسلام، مَن سيمثّل لبنان رسمياً ويفاوض بإسمه في ظل هذه الفراغات المستشرية؟

 

في المحصّلة، نبدأ العام 2024 بالمشاكل المتفاقمة عينها التي ملأت سنة 2023، لكن أيضاً مع مخاطر ومخاوف عديدة، أكانت داخلياً، مالياً، نقدياً وإقتصادياً، لكن خصوصاً أمنياً وإقليمياً، وحتى دولياً.

 

إن المسؤولين المباشرين عن أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية في تاريخ العالم لا يمكن أن ننتظر منهم أي خطة إنقاذية وإعادة هيكلة شفافة وبنّاءة. إن المسؤولين المباشرين عن حروب داخلية وتدميرية عدة، لا يُمكن أن يكونوا روّاد السلام، لكن لدينا ثقة تامة بشعبنا الجبَّار، واقتصادنا الخاص المثابر، والريادي والذي يلين لكن لن ينكسر ولن يستسلم.