بقلم خالد عوض
لماذا تنغمس إيران، الدولة الغارقة أساساً في العقوبات، في معركة ضد الغرب تشير كل الوقائع أنها خاسرة، ولا يمكن للرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أن ينتصر فيها، هذا إذا تمكن أصلاً من أن ينجو منها عسكريا وحتى سياسيا؟ تميزت إيران في السنوات العشرين الماضية بنظرتها الإستراتيجية والطويلة الأمد إلى الوقائع والأحداث السياسية. وحتى في مواجهتها للولايات المتحدة أو "شيطانها الأكبر"، حافظت على خط الرجعة ولم تحرق المراكب، إن في العراق أو في لبنان وحتى في سوريا ولو بنسبة أقل. لماذا تضحي إذاً إيران من أجل عيون "بوتين" في أوكرانيا وتستعدي أوروبا مباشرة؟ أم أن إيران تلعب ورقة، قد تكون خاسرة في أوكرانيا، ولكنها يمكن أن تستفيد منها لتحسين ظروفها في الشرق الأوسط؟
أنا الغريق
لا شك أن النظام في طهران مفجوع ومصدوم من هشاشة البنية العسكرية الروسية التي كان يفترض أنها صنعت ثاني أقوى جيش في العالم. الحليف العسكري الأول لإيران غريق في معركة مع جيش أوكراني بالكاد يضاهي عشر إمكانياته. وبدل أن يكون الجيش الروسي في موقع الهجوم في معركة هو بدأها نراه اليوم يتراجع وينكفئ أمام جيش أوكراني تبرز فيه قيادات غيرت فكرة العالم كله عن الشعب الأوكراني، رجالا ونساء، مثل "ليوبوف بلاكسيوك" القائدة في سلاح المدفعية التي أصبحت رمزا وطنيا أوكرانيا.
ويكفي أن يقرأ المسؤلون في إيران المواقف الأخيرة لدول كثيرة من الحرب في أوكرانيا، والتي تعكس تراجعا كبيرا في التأييد الذي كان يحظى به "بوتين" في بداية الحرب، ليتأكد لهم أن الرئيس الروسي أصبح وحده في الميدان، حتى الصين التي وقعت اتفاقات إستراتيجية عديدة، تجارية وعسكرية، مع روسيا لم تتدخل مباشرة في الحرب في أوكرانيا وإلتزمت بوعودها ومصالحها مع الولايات المتحدة. صحيح أن كوريا الشمالية، الحليفة المستترة للصين، ترمي بثقلها العسكري وراء "بوتين" إلا أن الصين كان بإمكانها انتشال روسيا من وحول أوكرانيا لو أرادت المواجهة ولكن مصالحها الإستراتيجية قادتها إلى الحياد.
المصالح أولاً
لماذا تمد إيران الحبل للرئيس الروسي عبر مسيراتها وصواريخها الدقيقة وخبرائها العسكريين الذين اصبحوا في الجبهة الأوكرانية؟
هناك عدة أسباب تفرض على إيران الوقوف إلى جانب روسيا، منها أخلاقي ومبدئي ومنها مبني بالكامل على المصالح الإيرانية المباشرة. فمن جهة تحفظ إيران للرئيس الروسي وقوفه إلى جانبها في عدة منعطفات، أهمها حرب ٢٠٠٦ في لبنان ومحاولة قلب النظام السوري عام ٢٠١١. فلولا صواريخ "الكورنيت" الروسية التي اسقطت كالذباب دبابات "الميركافا"، فخر الصناعة الحربية الإسرائيلية، في عدة مناطق من الجنوب اللبناني لما انتهت حرب تموز (يوليو) ٢٠٠٦ بشبه إنتصار لحزب الله. ولولا تدخل روسيا العسكري المباشر في سوريا عام ٢٠١٥ لكان نظام الرئيس السوري "بشار الأسد" وكل مصالح إيران المرتبطة به في خطر الزوال، ولكن من جهة أخرى تسعى إيران الى إختبار بعض أسلحتها الإستراتيجية مثل مسيرات "شاهد" و"مهاجر" والصواريخ بعيدة المدى مثل "فاتح" و"ذو الفقار" لتتأكد من فعاليتها على الجبهة ومدى قدرة الدفاعات الغربية على إسقاطها . لا شك أن إيران لم ترسل كل ما عندها إلى روسيا كي لا تكشف كل أوراقها العسكرية، ولكن إختبار بعض أسلحتها سيؤمن لها معلومات عملية لا تقدر بثمن، وإن تمكنت الأسلحة من تحقيق انجازات عسكرية يمكن أن تفتح لإيران أفق الصناعة العسكرية وتصدير السلاح إلى دول العالم. كما أن إيران لم ترسل إلى روسيا الاف القطع الحربية كهبة أو هدية كما تفعل مع حزب الله، بل مقابل عشرات ملايين الدولارات هي بأمس الحاجة إليها، بالإضافة إلى المضي بإتفاق عسكري تم توقيعه في كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢١ ولكن الرئيس الروسي تريث في تنفيذه، تضمن تسليم روسيا لإيران طائرات سوخوي ٣٥ وأقمار صناعية قادرة على تسيير الصواريخ والمسيرات، ومنظومة الدفاع الجوي س.س. ٤٠٠.
وصول "نتنياهو"
بالإضافة إلى الأهداف العسكرية، فإن إيران قرأت جيدا منذ عدة اسابيع استطلاعات الرأي في إسرائيل قبل الإنتخابات الأخيرة وإحتمال عودة "بنيامين نتنياهو" إلى السلطة، والذي أصبح واقعا منذ أيام. "نتينياهو" صديق الرئيس الروسي ومن المحتمل أن يتطوع للوساطة بين روسيا وأوكرانيا ويطرح نفسه كـ"صانع سلام". بالنسبة لإسرائيل هناك فرصة حقيقية من خلال العلاقة الخاصة بين "بوتين" و"نتينياهو" لإزاحة إيران من سوريا، ولا شك أن إيران تتوجس من ذلك وتطرح نفسها كحليفة أولى للرئيس الروسي عن طريق دعمه بالسلاح فتقطع الطريق على "بيبي" وألاعيبه. كان يمكن لإسرائيل أن تقدم كل أشكال الدعم العسكري لأوكرانيا ولكن حساباتها مع "بوتين" خاصة في سوريا جعلتها تكتفي بالمساعدات الطبية، وهذا سيعرف "نتينياهو" استثماره جيدا.
لم تدخل إيران الحرب في أوكرانيا عبثا. هناك حسابات كثيرة فرضت عليها الدخول في حرب خاسرة، ولكن رفضها أو تخاذلها في دعم "بوتين" كان يمكن أن يكلفها أكثر بكثير.