تفاصيل الخبر

الرؤية أولاً

08/04/2023
الرؤية أولاً

بقلم خالد عوض

 

في كل مرة تقرر فيها مجموعة "اوبيك بلاس" المؤلفة من الدول المصدرة للنفط "اوبيك" التي تضم ١٦ دولة بينها دول الخليج وإيران وفنزويلا، زائد ١٠ دول أخرى على رأسها روسيا، خفض انتاجها من النفط تقوم الدنيا ولا تقعد. وفي معرض جنون العالم على الكارتيل النفطي، توجه الاتهامات إلى السعودية بانها، عبر الموافقة على خفض إنتاج النفط، تساعد روسيا في تخطي العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الغرب وتساهم في رفع مستوى التضخم العالمي لأنها تدفع صعوداً بأسعار النفط. الذين ينتقدون المملكة بسبب حرصها على التنسيق المستمر مع روسيا في المسائل النفطية، خاصة أولئك المنضوين في المعسكر الديموقراطي في الولايات المتحدة، لا زالوا غير قادرين على فهم أو ربما تصديق التحول الكبير والجدي الحاصل في السعودية.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان: سياسة السعودية ترسمها مصالحها الاقتصادية ورؤية ٢٠٣٠ 

  

النفط وانتخابات ٢٠٢٤

إذا دلت محاكمة الرئيس السابق "دونالد ترامب" منذ أيام على شيء فهي أن الولايات المتحدة دخلت منذ الآن في توقيت الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٤. "ترامب" يحاكم بتهمة محاولة رشوة ممثلة الأفلام الإباحية "ستورمي دانيالز" للتستر على علاقته بها حتى لا تهدد حظوظه في انتخابات ٢٠١٦، وبذلك هو متهم باخفاء معلومات كان يمكن أن تؤثر على خيارات الناخبين. السجالات الدائرة في الولايات المتحدة تدور حول ترشح أو منع "ترامب" من الترشح لانتخابات ٢٠٢٤ لأن كابوس عودته إلى البيت الأبيض يقض مضجع عشرات ملايين الأميركيين. أين دور سعر النفط في كل ذلك؟ في الانتخابات النيابية النصفية التي جرت منذ ٥ أشهر تمكن الحزب الديموقراطي من المحافظة على مجلس الشيوخ والحد من حجم فوز الجمهوريين في مجلس النواب. هذا كان انجازاً كبيراً للرئيس الحالي "جو بايدن" وصفعة لـ"ترامب" ومؤيديه . مراجعة أسباب شبه النكسة الجمهورية التي كانت مفاجئة تؤكد أن نجاح "بايدن" في لجم ارتفاع أسعار النفط عن طريق لجوئه إلى الاحتياطي النفطي الاستراتيجي للولايات المتحدة لمنع ارتفاع سعر البرميل وبالتالي خفض سعر البنزين للأميركيين ساهم إلى حد كبير في رفع مستوى شعبيته ودعم الحزب الديموقراطي خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة. "بايدن" سحب حوالي ١٨٠ مليون برميل خلال العام الماضي مستنزفاً أكثر من ثلث الأحتياطي النفطي الأميركي وهذا لم يحصل منذ نصف قرن أي منذ أن بدأت الولايات المتحدة في تكوين احتياطيها النفطي الأستراتيجي. عندما هبط سعر النفط إلى حوالي ٧٠ دولار أستعدت الادارة الأميركية للبدء بشراء ملايين براميل النفط لتعويض النقص التاريخي في الأحتياطي لأنه يشكل نقطة ضعف لـ"بايدن" لن يتردد الجمهوريون في استخدامها خلال الانتخابات المقبلة. قرار "اوبيك بلاس" في ٣ نيسان (ابريل) بخفض إنتاج النفط مليوني برميل يومياً أعاق "بايدن" تماماً إذ قفزت أسعار النفط إلى فوق ٨٠ دولار للبرميل. 

الرئيس الأميركي السابق "دونالد ترامب": هل يعود إلى البيت الأبيض عام ٢٠٢٤ على ظهر سعر النفط ؟

 

الخروج من النفط بالنفط

لا شك أن سعر النفط سيلعب دوراً رئيساً في الانتخابات الرئاسية عام ٢٠٢٤ لأنه يصيب مباشرة جيوب الأميركيين. يمكن أن يكون ذلك أحد أسباب حماس الروس المستمر للتعاون في "اوبيك بلاس"، ولكن من الأرجح أن لا علاقة له بحافز السعودية الرئيس. صدر في منتصف كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٢ تقرير لمصرف "مورغان ستانلي" الأميركي عن "رؤية ٢٠٣٠" السعودية، يتحدث عن المشاريع العملاقة المزمعة في المملكة. وفي معرض تعداده للمخاطر يذكر التقرير أن الخطر الأول الذي يهدد رؤية ٢٠٣٠ هو تراجع سعر النفط لأن المملكة ستحتاج إلى سعر ٨٠ دولار للبرميل حتى لا تتعثر مشاريعها. رؤية ٢٠٣٠ تريد نقل الاقتصاد السعودي من اقتصاد نفطي الى اقتصاد متنوع المداخيل ولكن ذلك يتطلب تمويل بآلاف مليارات الدولارات وسعر النفط عامل أساسي في هذا التحول. هذا هو السبب الأول وراء حرص المملكة على المحافظة على سعر نفط يقارب مستوى ٨٠ دولار للبرميل وليس أي شيء آخر.

وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود ونظيره الأيراني "أمير عبد اللهيان" وبينهما وزير الخارجية الصيني "كينغ غانغ" في بكين منذ أيام: طريق السلام في اليمن يمر من بكين

 

الصين تخسر أكثر

إذا كان هناك من متضرر أكبر لقرار "اوبيك بلاس" الذي أدى إلى رفع أسعار النفط فهو الصين وليس الولايات المتحدة. فالأخيرة لا تزال من اكبر منتجي النفط في العالم بحجم إنتاج يزيد عن ١٢ مليون برميل يومياً وهي لا تزال في حالة اكتفاء نفطي وغازي شبه كامل أي أن صافي صادراتها النفطية أكبر من مستوى استيرادها. أما الصين فهي أكبر مستورد للنفط في العالم وتستورد حوالي ١٢ مليون برميل يومياً. أي أن الخاسر الأكبر من قرار "اوبيك بلاس" هو الصين إذ أن رفع كلفتها النفطية يؤثر على كل صناعاتها ويرفع نسبة التضخم عندها وهذا ما تحاول لجمه منذ تفشي "الكوفيد"، كما يضغط على عملتها "اليوان". في المقابل يساعد سعر نفط مرتفع الولايات المتحدة للتحول بشكل أسرع إلى الطاقة النظيفة وهذا في صميم سياسة "بايدن".

تحميل السعودية مسؤولية التضخم في الولايات المتحدة وتململ الناس من ارتفاع سعر البنزين هو هروب من الواقع المالي الأميركي الحالي. فالتضخم نتيجة للاجراءات التحفيزية المهولة للبنك المركزي الأميركي خلال فترة الجائحة، وحتى اليوم، مما أدى إلى تضاعف الكتلة النقدية بالدولار إلى مستويات قياسية. كما أن الحرب الأوكرانية التي لا ناقة للسعودية فيها ولا جمل سبب آخر للتضخم وغلاء أسعار السلع والغذاء.

 

لا بد من فهم ما يدور في المملكة العربية السعودية حالياً من تحول لتفسير قرارات "اوبيك بلاس". فكما طلبت المملكة السلام من الصين عبر تحييد إيران في المسألة اليمنية لحماية مشاريع الرؤية أمنياً وعسكرياً، تحاول عبر "اوبيك بلاس" حماية مشاريعها الطموحة مالياً. رؤية ٢٠٣٠ هي التي تحكم المسار السياسي والاقتصادي والمالي والنفطي في المملكة وليس أي اعتبار آخر.