تفاصيل الخبر

الخطر الذي يهدد أميركا

07/01/2023
الخطر الذي يهدد أميركا

بقلم خالد عوض

 

ما يحصل في مجلس النواب الأميركي يذكر بمسرحية إنتخابات رئيس الجمهورية اللبناني ذات الفصول الأسبوعية المقززة. الفارق بين المشهدين أن ما يحصل في لبنان لا يؤثر إلى في حياة اللبنانيين، سلباً وشللاً طبعاً،  ولكن ما يحصل في الكونغرس الأميركي سيكون له تبعات في العالم كله ولن تكون في مصلحة الولايات المتحدة ونفوذها العالمي.

 

لبننة الكونغرس؟ 

حتى كتابة هذه السطور لم يكن المعسكر الجمهوري صاحب الأكثرية في مجلس النواب الأميركي الجديد قد إنتخب رئيسا لمجلس النواب. لأول مرة منذ مئة عام يعجز الحزب صاحب الأكثرية في إنتخاب رئيس لمجلس النواب من بين أعضائه خلال جولة إنتخابية واحدة. حتى أن عدد جولات الإنتخاب الفاشلة الذي تعدى ١١ جولة حتى الآن لم يحصل منذ ما قبل الحرب الأهلية في الولايات المتحدة أي منذ ١٦٤ عاماً. ومن دون رئيس لا يعتبر المجلس موجوداً ، إذ لا يمكن للنواب الشروع في أعمالهم ولا حتى تأدية القسم. وفشلت المحاولات المتكررة على مدى عدة أيام لإنتخاب المرشح الأكثر حظاً "كيفن مكارثي" النائب من كاليفورنيا بسبب معارضة ٢١ نائباً جمهورياً من أقصى اليمين متمسكين بطلبات متعددة. وقد إضطر "مكارثي" للقبول ببعضها مثل أن يكفي صوت نائب واحد لطرح الثقة برئيس مجلس النواب بعد أن كان ذلك يتطلب نصف عدد النواب الجمهوريين. أي أصبح يمكن لأي نائب أن يعارض أي قرار بالأكثرية عن طريق طرح الثقة بالرئيس فيفرض إعادة إنتخاب لرئيس مجلس النواب،  مما يمكن أن يعرض مسار التشريع للبطء والتعثر. حتى الرئيس السابق "دونالد ترامب" الذي اعتاد أن يؤيد الخروج عن الأصول والأعراف طالب النواب المعارضين والذين يعتبرون قريبين منه ومن أفكاره أن يمضوا قدما وينتخبوا "مكارثي".

المرشح الجمهوري لرئاسة مجلس النواب الأميركي "كيفن مكارثي": مهمة شبه مستحيلة

"ماغا"

أسباب التعثر في إنتخاب رئيس لمجلس النواب الأميركي كثيرة. أهمها أن الاكثرية الجمهورية ضئيلة (٢٢٢ نائبا مقابل ٢١٣ للديمقراطيين)،  إذ المطلوب أكثرية ٢١٨ صوتاً (نصف مجموع النواب ال ٤٣٥ زائد واحد) وهذا ما جعل مهمة "مكارثي" صعبة وتنازلاته لإقناع الجمهوريين الذين لم يريدوا التصويت له ذات مفاعيل مؤثرة جدا. ما قبل به "مكارثي" لن يؤثر فقط على فعالية مجلس النواب الأميركي بل على قرارات يمكن أن تؤثر على العالم كله. يطالب معارضوه مثلا أن يوضع سقف لدين الحكومة الأميركية ولعجز الموازنة مما سيقيد مسار الإنفاق لإدارة "بايدن". وقد اضطر أيضاً للقبول بتعيين معارضيه في لجان رئيسة مثل تلك التي تدرج القوانين على التصويت وتضع أولوياتها وأخرى تعنى بالدين العام. السبب الآخر لصعوبة إنتخاب رئيس مجلس النواب هو إرث "دونالد ترامب" أو الحركة التي اطلقها منذ سنوات تحت إسم "جعل أميركا عظيمة من جديد" (Make America Great Again ) أو (MAGA )والتي تجاوزت "ترامب" نفسه لأنها تحولت الى خط سياسي محافظ بل في أقصى يمين الحزب الجمهوري، اليميني أساساً.

 

مطرقة الهجرة وسندان الدين

ولكن براعم هذه اليمينية لم تترعرع فقط تحت غطاء "ترامب" بل وجدت جذوراً لها في مشاكل عديدة تعاني منها الولايات المتحدة وأجاد "ترامب" استثمارها. من جهة هناك الهجرة  غير الشرعية والعبور اليومي لآلاف الأشخاص للحدود الجنوبية مع المكسيك مما تحول إلى  أزمة دائمة لم تنفع معها حتى مئات الأميال من الجدار الذي بناه "ترامب". ومن جهة أخرى هناك الدين العام الأميركي الذي قارب ٣١ ألف وخمسمائة مليار دولار وأصبح من الصعب لجمه. الجمهوريون تصدوا عدة مرات لتجاوز عجز الموازنة السقف الموضوع له، وبالتالي تفاقم دين الحكومة، وأدى ذلك إلى شلل كامل في إدارت الدولة عدة مرات ولأسابيع طويلة. مع وجود أغلبية جمهورية في مجلس النواب من المتوقع أن تتعرقل الحكومة بإستمرار وأن يصبح من الصعب على الولايات المتحدة أن تتدخل مالياً وإلى حد كبير عسكرياً في دول العالم كما فعلت مؤخراً مع أوكرانيا.

 

وفي وقت تبدو فيه الولايات المتحدة في أحسن أحوالها في الخارج، وكل خصومها غارقون في أزمات مختلفة، يبدو أن الخطر الحقيقي الوحيد عليها هو في الداخل. روسيا في أسوأ حالة لها منذ انهيار الإتحاد السوفياتي، وغرقها في وحول الحرب الأوكرانية يهدد نظام "فلاديمير بوتين". الصين لا زالت تلملم جراحها العميقة التي خلفها وباء"كورونا"  وأضاعت بسببه لأول مرة بوصلة النمو الإقتصادي القوي الذي وجدته في الثمانينات . إيران تبحث عن شكل جديد لنظامها الذي تخنقه التظاهرات الشبابية كل يوم. أوروبا الحليفة التاريخية للولايات المتحدة أصبحت معتمدة عليها في كل شيء، بدءاً  من الغاز وصولاً إلى تفاصيل وسائل محاربة التضخم. في مقابل كل ذلك فإن ما حصل منذ أيام في مجلس النواب الأميركي ذكر بما حدث مع نهاية عام ١٨٥٥ عندما إستمر إنتخاب رئيس مجلس النواب شهرين، بعدها بخمس سنوات دخلت الولايات المتحدة في حرب أهلية.

الرئيس الأميركي السابق "دونالد ترامب": ملهم الإنقسام في المجتمع الأميركي