تفاصيل الخبر

نوروز أحمر

11/03/2023
نوروز أحمر

بقلم خالد عوض

 

مهما حاولت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" افتعال المشاكل في الضفة الغربية للهروب من أزمتها الداخلية فإن ما تواجهه مع الإسرائيليين أنفسهم أصعب بكثير من التعامل مع مجازرها في فلسطين. ومهما أرسل النظام الإيراني من بواخر سلاح إلى روسيا فلن يستطيع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" مساعدته في حل أزمته الداخلية مع الشباب الإيراني، التي تبدو هي أيضاً أصعب بكثير من مواجهاته المستمرة مع الشيطان الأكبر والأصغر. إسرائيل وإيران تجمعهما أزمة حكم ونظام حقيقية. الدولتان تحاولان حلها بالهروب إلى المشاكل الخارجية. قد يكون ما يجمعهما أيضاً حاجتهما المستجدة إلى بعضهما أكثر من أي وقت لتتساعدا، بأن تتواجها. 

 

إيران طرف في الحرب الأوكرانية

الإنغماس الإيراني في الحرب الروسية الأوكرانية يتدرج بسرعة منذ أن زار "بوتين" العاصمة الإيرانية "طهران" في ١٩تموز (يوليو) من العام الماضي. كانت القوات الأوكرانية تضغط عسكرياً في منطقة "خيرسون" والجيش الروسي يتراجع هناك من جراء القصف الأوكراني المركز بمساعدة الطائرات المسيرة "بيرقدار ٢" المصنعة في تركيا. مع وصول أول دفعة من الطائرات المسيرة الإيرانية بدأت "موسكو" تستكشف بشكل أفضل مواقع الدفاع الجوي الأوكرانية وراحت تستهدف منشآت البنية التحتية من كهرباء ومحطات مياه عبر انتحاريات "شاهد ١٣٦" بشكل دقيق من دون أن تعرض للخطر ما تبقى من اسطولها الجوي. مع نهاية العام الماضي زادت المصانع الإيرانية من انتاجها للقذائف المدفعية والذخيرة بشكل كبير وبدأت تشحن مئات الآلاف منها إلى تركمانستان ومنها إلى روسيا ونجحت حتى الآن في الإلتفاف على العقوبات الدولية. منذ اسابيع أشارت صحيفة "الوول ستريت جورنال" الأميركية أن الروس والإيرانيين اتفقوا على بناء مصنع للطائرات المسيرة في مدينة "يلابوجا" الروسية التي تبعد حوالي ١٠٠٠ كلم عن موسكو، كما أكدت مصادر في البيت الأبيض أن طيارين ايرانيين يتدربون على طائرات "سوخوي ٣٥" التي تنوي روسيا ارسالها إلى إيران قبل نهاية هذا العام. تماماً كما تقر أوروبا والولايات المتحدة بدعمهما العسكري لأوكرانيا أصبحت إيران طرفاً صريحاً في الجانب الآخر من الحرب الطاحنة هناك.

الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" والرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي": معاً ضد الغرب  

 

 نوروز مختلف

يحتفل الإيرانيون في ٢١ آذار (مارس) المقبل أي بعد أيام بعيد النوروز (ترجمته من الفارسية "يوم جديد") وهو رأس السنة الفارسية. هذا العيد له معنى خاص عند الأكراد ويحتفل به أيضاً أهل كردستان العراق، ولكنه هذا العام لن يكون عادياً، فالشابة الإيرانية الكردية "مهسا أميني" التي توفت في أيلول (سبتمبر) الماضي اثر تعرضها للضرب من شرطة الأخلاق أصبحت رمزاً وطنياً وليس كردياً فقط ويبدو أن مجموعة كبيرة من الشباب الإيراني تستعد للإحتفال بالعيد الذي يصادف ذكرى ستة شهور على وفاة "مهسا". إذا لم تعرف القوى الأمنية الإيرانية التعامل مع الشباب لن يمر النوروز هذا العام بهدوء على نظام الثورة في إيران. فرغم كل المظاهر الديمقراطية التي يعتد بها النظام الإيراني أصبحت مسألة تعاطيه مع الحريات الإجتماعية والفردية حجر عثرة أمام كل مشاريعه الإقليمية بل أمام استدامته كنظام قابل للحياة.

الشابة الإيرانية المتوفاة "مهسا أميني": ذكرى وفاتها النصف سنوية تصادف مع عيد النوروز

 

إسرائيل تهرب إلى جينين أو إلى أبعد

ملفتة كانت طريقة سفر رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" من "تل أبيب" إلى روما منذ أيام. الرجل إضطر إلى إستخدام مروحية والتمويه بموكب سيارات حكومية المفروض أنه داخله للوصول إلى المطار بسبب قطع طريق المطار من قبل المتظاهرين المعارضين لقانون يسمح للكنيست بوقف الأحكام القضائية الصادرة عن المحكمة الإسرائيلية العليا من خلال تصويت بالأكثرية. "نتينياهو" ووزراؤه اليمينيون المحملون بتهم الفساد يأخذون إسرائيل إلى المجهول، فالدولة الصهيونية التي كانت الديموقراطية ورقة التين الوحيدة التي تخفي بعض بشاعتها، تتصرف اليوم كدولة توتاليتارية، في وقت يذهب محيطها إلى الديموقراطية. الخطر اليوم أن أمام "نتنياهو" أن يختار بين أمرين، السجن وتحويل إسرائيل إلى نظام سلطوي وهو اختار الثاني، ولكنه لن يتمكن من إقناع أكثرية الإسرائيليين به ، وليس من المستبعد أن يزيد من جرائمه في الضفة الغربية بل ربما يتجه شرقاً، ويجر معه الغرب، إلى إيران بحجة ردعها عن السلاح النووي وبحجة جديدة تعني أوروبا مباشرة. 

رئيس الحكومة الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو": الهروب من الفساد عبر قمع القضاء

 

دعم أوكرانيا بضرب إيران؟

في الوقت الذي لا زال الإسرائيليون يتهربون من الكلام مباشرة عن نوعية الدعم الذي يقدموه لأوكرانيا والذي لا ينحصر في المساعدات الطبية وفي شحنة قذائف من المخازن الإسرائيلية عبر الأميركيين، أصبح من الواضح أن إسرائيل أقنعت الولايات المتحدة أن بإمكانها ضرب مصانع الذخيرة الإيرانية وتعطيل قدرة إيران على دعم روسيا عسكرياً. وقد وقعت في الأسابيع الماضية عدة هجمات بالطائرات المسيرة على مستودعات سلاح إيرانية لا عجب تكون لإسرائيل اليد الطولى فيها. الدور الردعي الذي يحاول "نتينياهو" تسويقه بدأ يلقى اهتماماً جدياً في أوروبا والولايات المتحدة نظراً للتورط الإيراني المتزايد مع روسيا ضد أوكرانيا. 

 

إيران وإسرائيل تتواجهان اليوم في أوكرانيا بشكل غير مباشر. كما أنهما خلال الثلاث سنوات الماضية إصطدمتا ببعضهما مباشرة في عدة مناسبات، مرات في بحر الخليج، وكذلك داخل إيران من خلال الإغتيالات والتفجيرات وحتى عبر هجمات سيبرانية إيرانية داخل إسرائيل. هذا بالإضافة أن إسرائيل لا تتوقف عن ضرب مواقع إيرانية في سوريا رغم التنبيهات الروسية،ولكن ما يحصل داخل البلدين يسرع في أجندة الحرب الخارجية بينهما، فالدولتان في أزمة كيانية من الصعب الخروج منها. الأولى تحارب أفكار المستقبل وتدفن نظامها في الماضي ، والثانية تخلع عنها ثوب الديمقوراطية فتكشف عن كل عورات وجودها. هذا التماهي بين وضع البلدين لا يبشر بنوروز هادئ.