بقلم طوني بشارة
نواجه حالياً تقلبات سريعة لسعر الدولار وانخفاض مستمر لقيمة العملة وقدرتها الشرائية حتى ولو انخفض دولار السوق السوداء ، على اعتبار ان أصحاب المتاجر مع ارتفاع الدولار يرفعون أسعار سلعهم ولا يعمدون الى خفضها حتى ولو انخفض سعر الدولار .
في ظل هذه التقلبات طالب كثيرون بضرورة تسعير كافة السلع المستوردة بالدولار، فهل اجراء كهذا يعتبر قانونياً؟ وفي حال تم اعتماده هل يصبح المواطن ملزما فقط الدفع بالدولار؟ وهل فعلا الدولار الجمركي هو تمهيد لتوحيد سعر صرف ؟
حبيقة وحرية الاختيار!
بداية افادنا الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة وقال إن إبعاد عمليات التسعير بالدولار، عن السّلع المستوردة من الخارج كالبنزين مثلا، والتي تحتاج الى دولار لاستيرادها، تزداد صعوبة في بلد مثل لبنان، يستورد ما بين 80 و90 في المئة من حاجاته، وذلك في ظل النفاد المستمرّ لاحتياطيات لبنان من الدولار، الى درجة أنه يُقال إن الاحتياطيات المتبقّية في مصرف لبنان باتت عند حد ادنى من 10 مليارات دولار، وهو رقم ما عاد بالإمكان النّزول تحته أكثر، مع الحاجة الى الاحتفاظ به لأمور أخرى ذات اهمية في البلد أيضاً .
*- البعض يطرح فكرة التسعير بالدولار خاصة للبنزين، فهل اجراء كهذا يعتبر حل لازمة الدولار في لبنان؟وهل يمكن الزام المواطن الدفع بالدولار فقط دون سواه
في ظل ما نعانيه من ازمة نرى إن إحدى طُرُق الحلّ قد تكون بتسعير سعر صفيحة البنزين بالدولار، ولكن مع ضرورة تخيير المواطن بين دفعها بالدولار، أو بما يعادله باللّيرة اللبنانية وفق سعر الصّرف. ويمكن الاتّفاق على صيغة معيّنة، تمنع الفوضى على محطات البنزين، في احتساب قيمة الليرة المُوازِيَة للسّعر بالدولار، في أوان الدّفع. وهنا أؤكد ان الإبقاء على تخيير الناس في الدّفع بين الدولار أو اللّيرة، يعتبر ضرورة واجب التقيد بها.
وتابع حبيقة قائلاً: الأمر نفسه يُمكنه أن ينسحب على عمليات شراء باقي السّلع المستوردة بالكامل من الخارج، والتي تحتاج الى الدولار لاستيرادها لا سيما السلع الاساسية، مع تخيير الناس بين الدّفع بالدولار، أو بما يوازي قيمته باللّيرة اللبنانية، بحسب سعر الصّرف، منعاً للتسبُّب بخسائر لأحد. أما تلك التي يُمكن تصنيعها في الداخل، مع تأمين كامل المواد المُستعمَلَة في تصنيعها من مورد محلي، فإنه يمكن الحفاظ على تسعيرها بالليرة اللبنانية .
*- البعض يلمح الى مشكلة أساسية واقعة لا محالة وهي الوصول الى مرحلة عَدَم القدرة على شراء أي شيء في لبنان إلا مقابل إلزام الناس بدفع ثمنه بالدولار حصراً، فهل ذلك ممكن الحدوث قانونا لا سيما في ظل استمرار انهيار الليرة اللبنانية؟
قانون النّقد والتسليف يؤكّد لا بل يلزم حقّ الدّفع باللّيرة اللبنانية، وبطريقة تُفرَض فرضاً على كل مُخالِف للقانون، وبما يمنعه من الرّفض، لذا لا يُسمَح لأيّ كان، ومهما كانت الذرائع، إلا بتخيير الناس بين الدّفع باللّيرة، أو بالدولار،مما يعني انه لا يُمكنه فرض الدّفع بالدولار فقط، وحصراً، فإجراء كهذا في حال حصل لا يعتبر قانوني.
وتابع حبيقة قائلا : في حال وقعت المُخالفة، يحقّ للزّبون أن يتقدّم بشكوى، قد تؤدي الى إقفال المحلّ الذي يرفض صاحبه الدفع باللّيرة اللبنانية، وصولاً الى حدّ دخول المورد اي صاحب المحلّ الى السّجن، بحسب الحالات، والمخالفة. فاللبناني مُجبَر على أن لا يرفض اللّيرة اللبنانية بعملية الشراء.
الحل واشكالية رفع الدولار الجمركي
*- وماذا عن إمكانية فرض حل كهذا في ظل الفراغ الرئاسي و حكومة تصريف الاعمال؟
نحن للأسف امام حكومة تصريف أعمال وواقع يتجه نحو فراغ رئاسي يعني لا رئيس جمهورية في المدى القريب نتيجة الصراع السياسي القائم تحت عنوان من سيحكم لبنان، و ذلك ليس من أجل المصلحة العامة. فلا حل قريباً ، مما يعني أن فترة الفراغ الرئاسي قد تكون متنفساً للبنانين أو أوكسجين اً لفترة ، أما في السياسة ليس من مصلحة أحد أن يكون إنتحاريا مهما علا شأنه.
*-وماذا عن الترسيم فهل سيصب لمصلحة المواطن؟
إن إنجاز ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل سيخلق نوعا من الإستقرار الأمني والسياسي بين البلدين وفي المنطقة من جهة والأمل والفرص الإقتصادية من جهة أخرى، أما في ما يتعلق بتأثيره في حلّ الأزمات الإقتصادية التي يعاني منها لبنان فأرى ان الثروة النفطية الموعودة في حال صحّت التوقعات لن تسدّ عجزا ماليا هائلا يقع فيه الإقتصاد اللبناني اليوم بل ستشكل ركيزة يمكن الإستعانة بها لإستعادة النهوض فيما لو تمّت إدارتها بشفافية.
*- وماذا عن اعتماد الدولار الجمركي ب 15 الف الا يعتبر باكورة حل للازمة؟
إن قرار إعتماد الدولار بـ15 ألف ليرة هو خطوة نحو الحلّ النهائي أي نحو التوجه لإعتماد سعر موحد للدولار ، وبذلك ننتهي من وجود أسعار متعددة كما هو الوضع حاليا إذ لم يعد بالإمكان الإستمرار بالوتيرة نفسها، فإن توحيد سعر الصرف ضرورة ملحة للإسهام في استقرار العملة وهو أفضل بكثير من الأسعار المفروضة كالـ1507 والـ3900 والـ8000 والـ12 ألف ليرة فهي أسعار لا علاقة لها بمشروع النمو الإقتصادي ، وبرأيي فهو لتمرير الإتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي لن يرضى بأن يرتفع التضخم باستمرار مؤكدا أن التوجه نحو سعر صرف موحد هو إيجابي.
وتابع حبيقة قائلا:
أما المشكلة في المرحلة المقبلة هي تداعيات رفع الدولار الجمركي الى 15 ألف ليرة حيث ستزيد الضغوط على قدرات اللبنانيين المعيشية في مرحلة جديدة ربما تكون أشد قساوة مما عانوه منذ بدء الأزمة الإقتصادية لا سيما أن إرتفاع الأسعار سيطاول البضائع المستوردة مما سيؤثر في مستوى الإستهلاك كونها كلما إرتفعت الأسعار تراجع الطلب عليها.