تفاصيل الخبر

لا "بايدن" ولا "بوتين"

08/10/2022
لا "بايدن" ولا "بوتين"

بقلم خالد عوض

 

بالنسبة للكثيرين كان قرار مجموعة "اوبيك بلاس" بخفض إنتاج النفط بمعدل مليوني برميل يوميا مفاجئا. فلأول مرة تتحدى دول الخليج الغرب كله من دون تردد. قرارها سيساعد حتما في دعم الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" الذي يعيش أصعب أيام حملته العسكرية في أوكرانيا، أولا بسبب تراجع جيشه بسرعة في مناطق عدة من المساحة التي ضمها مؤخرا إلى روسيا، وثانيا بسبب وصول أنباء الخسائر الميدانية إلى الداخل الروسي وبدء حالة تململ من المتوقع أن تتفاقم في المرحلة المقبلة.

لا شك أن قرار "اوبيك بلاس" سيجعل من شتاء أوروبا أصعب وأكلف، كما سينعكس سلبا على حظوظ الديمقراطيين في الإنتخابات النصفية للكونجرس الأميركي بعد أقل من شهر. هل فعلا قررت دول الخليج تحدي الولايات المتحدة والغرب ودعم "بوتين" إلى آخر الحدود أم أن كل ما في الأمر أن هذه الدول وقياداتها الشابة تنظر بعين مجردة إلى مصالحها الإستراتيجية؟ 

 

                       تحدي الخروج من النفط 

لا بد أولا من فهم الحالة الخليجية النفطية قبل أي حكم جيوسياسي على قرارها. هذه الدول تعتمد على النفط والغاز كمدخول رئيس. العالم كله يقول أنه يريد أن يستغني عن النفط والغاز بأقرب فرصة نظرا لأضراره البيئية. حتى أن دول العالم، بما فيها دول الخليج، تسابقت للإعلان عن السنة التي ستصبح فيها خالية من الإنبعاثات، وتريد تحقيق ذلك عن طريق خفض اعتمادها على النفط والغاز. إذاً كل العالم قرر أن يستغني عن المورد الأول لدول الخليج خلال العقود المقبلة. وحتى لا تصبح بلا مدخول، من الطبيعي أن تقرر هذه الدول أن تطور هي أيضا مداخيل أخرى من خلال رؤى وضعتها للخروج من عصر النفط وتنويع اقتصاداتها. هذا التحول ليس سهل المنال ويتطلب استثمارات بمئات المليارات وإصلاحات هيكلية تتطلب هي أيضا مستوى إنفاق إستثنائي. فمعظم دول الخليج تأخرت في قرار الخروج الجدي من النفط وأمامها أقل من عشرين سنة لتصبح مستقلة إقتصاديا عن النفط قبل أن يبدأ العالم بالإستقلال عنه. لذلك فإن كل يوم يمر محسوب على هذه الدول وكل دولار يقل من سعر برميل النفط يؤخرها ولو هنيهة.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان: المسألة هي رؤية ٢٠٣٠ وليست "فلاديمير بوتين"

                 "اوبيك بلاس" وليس "فلاديمير" 

من هنا يجب فهم إصرار دول الخليج على المحافظة على العلاقة مع روسيا من خلال "اوبك بلاس". فهذه المجموعة التي تضم ١٣ دولة من "اوبيك" وعشرة دول أخرى منتجة للنفط على رأسها روسيا، أصبحت منذ نشأتها عام ٢٠١٦ المنظم الأفعل للأسعار العالمية والضابط الرئيس لاتجاهاتها. صحيح أن روسيا هي اليوم "فلاديمير بوتين"، بمغامراته المكلفة ونظرته السلبية إلى الغرب، ولكنها ستبقى معه أو من دونه ثاني أكبر مصدر للنفط بعد السعودية وثالث أكبر مصنعيه بعد الولايات المتحدة والسعودية. بالنسبة لدول الخليج أهمية العلاقة مع روسيا في "اوبيك بلاس" تتعدى وجود "بوتين" لأنها تؤسس لتفاهم مستدام مع روسيا يسمح بإبقاء أسعار النفط فوق المستوى الذي تحتاجه دول الخليج للخروج من النفط، والمقدر بين ٨٠ و٩٠ دولار للبرميل. ومن الصعب أن ينسى أحد الهزة التي تعرضت لها "اوبيك بلاس" في بداية جائحة "كوفيد" عام ٢٠٢٠ عندما اختلفت روسيا والمملكة العربية السعودية. أدى ذلك يومها إلى إنهيار أسعار النفط إلى أقل من ٣٠ دولار للبرميل، ولولا تدخل الرئيس الأميركي السابق "دونالد ترامب" مع الطرفين لحثهما على الإتفاق على خفض الإنتاج  لكانت ربما وصلت الى ١٠ دولارات.

 

                                الخيار الصخري 

عندما طورت الشركات النفطية الأميركية تكنولوجيا حفر جديدة لإستخراج النفط والغاز من الصخور ارتفع إنتاج الغاز الأميركي أكثر من ٥٠ بالمئة بين ٢٠٠٥ و٢٠١٥ كما قفز إنتاج النفط بين ٢٠٠٨ و٢٠١٥ من مستوى ٣,٥ مليون برميل يوميا إلى ٩،٥ مليون برميل يوميا. سمح ذلك للولايات المتحدة أن تصبح مستقلة نفطيا بعدما كانت أكبر مستورد عالمي للنفط والغاز. أدت "ثورة" النفط الصخري الأميركي إلى إنخفاض أسعار النفط العالمية أكثر من ٧٠ دولار للبرميل وحرمت دول الخليج من مئات مليارات الدولارات من دون أن يرف جفن لإدارة الرئيس الأميركي السابق "باراك اوباما". حاولت "اوبيك" التوصل إلى إتفاق لضبط الإنتاج الأميركي ولكن قوانين السوق الحر لا تسمح لأي إدارة أميركية بالتدخل للتحكم بالأسعار، ما بالك إذا كان القرار عند إدارة "اوباما" التي كانت تتباهى بأنها سمحت للولايات المتحدة بالإستغناء عن نفط فينزويلا والشرق الأوسط الآتي من دول لا "تتماشى" انظمتها مع المبادئ الأميركية. إذا كانت الولايات المتحدة تنظر إلى مصالحها الإستراتيجية قبل كل شيء فمن الواجب أن تتفهم قرار دول الخليج و"اوبيك بلاس" من نفس المنظار.

رئيس دولة الإمارات العربية الشيخ "محمد بن زايد": "اوبيك بلاس" خيار إستراتيجي 

                                  اليمن وإيران 

يمكن لإدارة الرئيس الأميركي "جو بايدن" تبرير عدم تدخلها ضد الحوثيين في اليمن بألف سبب وسبب. وربما يمكنها تمنين الحكومة اليمنية والسعوديين بأنها ساهمت في منع سقوط مدينة "مأرب" في يد الحوثيين، ولكن من الصعب عليها تفسير اصرارها على إحياء الإتفاق النووي مع إيران رغم كل الدعم الذي تقدمه إيران للحوثيين وغيرها من الأحزاب في المنطقة العربية ورغم وجود مئات الخروقات الإيرانية لحقوق الإنسان حسب توصيف الإدارات الأميركية المتعاقبة نفسها. كيف يمكن تفسير أن إدارة "بايدن" تفصل بين سلوك إيران في المنطقة والإتفاق النووي؟ فمن جهة تمعن الولايات المتحدة في العقوبات على إيران بسبب "سلوكها" ومن جهة أخرى تتفاوض معها لإعادة عشرات المليارات إليها مقابل التوقف عن صنع قنبلة نووية كان المرشد الأعلى للثورة "علي خامنئي"  أفتى أساسا بتحريمها. لا شك أن الكيل بمكيالين في المسألة الإيرانية هز العلاقة بين السعودية وإدارة "بايدن". ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك بطريقة أو بأخرى في قرارات "اوبيك بلاس".

التفسيرات والتأويلات عديدة لقرار "اوبيك بلاس" الأخير، ولكن الحقيقة هي أن العالم يجب أن يتأقلم مع هذه المنظمة لأنها الحامي الأول للمصالح الإستراتيجية لدول الخليج، لا "بايدن" ولا "بوتين".