تفاصيل الخبر

حنين مالي إلى عالم القطب الواحد

09/06/2023
حنين مالي إلى عالم القطب الواحد

الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" وهاجس التضخم: المشكلة في الشرق وليست في الغرب

 

بقلم خالد عوض

 

غريب أن تعاني دولتان مثل مصر وتركيا من الأزمة المالية نفسها  التي تضرب عملتيهما الوطنية بالرغم من وجود عناصر اقتصادية كثيرة من المفروض أن تعزز الوضع المالي فيهما مثل السياحة وتوفر العمالة ووجود استهلاك محلي كبير، ولكن ما يحصل هو عكس ذلك. الليرة التركية تدحرجت أكثر ١٠ بالمئة خلال الأيام الأخيرة أي بعد فوز "رجب طيب اردوغان" بالولاية الرئاسية الثالثة لخمس سنوات جديدة، والجنيه المصري فقد عشرين بالمئة من قيمته في السوق السوداء خلال الأسبوعين الماضيين. ماذا يحصل في تركيا ومصر؟ مشكلة التضخم في تركيا ومصر ليست جديدة، بل هيكلية وتعود إلى عدة عقود. اسبابها كثيرة، ولكنها اليوم ليست مرتبطة بالضرورة "برضا" البيت الأبيض عن الرئيس التركي "رجب طيب اردوغان" أو الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" كما يشيع البعض بل ربما تكون أحد شراراتها آتية من "بكين".

 

الثقة هشة

أحد الأسباب القديمة الجديدة للأزمة المالية في مصر وتركيا هو ضعف الثقة في النظام المصرفي. عندما يفقد المستثمرون والمواطنون الثقة في الاستقرار المالي والنظام المصرفي، يميلون إلى سحب أموالهم من البنوك وتحويلها إلى عملات أجنبية أو استثمارات خارجية عند أول أزمة، مما يؤدي إلى تدفق الأموال إلى الخارج وزيادة الضغوط على العملة المحلية. لم تستطع البنوك في البلدين طمأنة المستثمرين والمودعين خلال الأزمات لأنها كانت قد تماهت مع النظام السياسي ودخل إليها الفساد من خلال مساحة قروض واسعة للقطاع الخاص القريب من أصحاب القرار السياسي. كما أن السياسة المالية للدولة لم تكن واضحة وشابها التخبط في عدة مراحل، فلم يكن هناك استقرار ضريبي ولا حتى مسار واضح لمنحى اتجاه الفوائد على العملة المحلية. رغم التطور اللافت في القطاع المصرفي في مصر وتركيا فإن وجود بصمات السياسة فيه تمنعه من تعزيز الثقة به. ولذلك أول ما تلوح أي أزمة سياسية أو مالية يهرع المتمولون وأصحاب الودائع إلى إخراج أموالهم إلى البنوك السويسرية والأوروبية رغم القيود غير الرسمية على خروج الرساميل.

 حاكمة البنك المركزي التركي "حفيظة غاي إركان" الآتية من عالم المال الأميركي: هل تنفع خبرتها في الولايات المتحدة في بث الثقة في النظام المصرفي التركي؟

 

كلفة الاتجاه شرقاً 

الصين هي واحدة من أكبر شركاء التجارة لكلا لبلدين، وهي تصدر سلعًا بأسعار تنافسية إلى تركيا ومصر تمنعهما من توسعة قاعدتهما الصناعية. فالمصانع المحلية تواجه صعوبة في المنافسة مع السلع الصينية الرخيصة، مما يقلل من القدرة على تصدير منتجاتها وحتى بيعها في السوق الداخلي لغياب الحماية التجارية مع الصين بسبب الاتفاقات الثنائية معها وهذا كله يصب في زيادة العجز التجاري وبالتالي إلى الضغط على العملتين وتدهور قيمتهما مقابل عملة التبادل الرئيسة أي الدولار. وبالتالي، فإن العجز التجاري المستمر في الصين والذي يشكل ربع العجز التجاري في البلدين ينعكس على العملتين التركية والمصرية بشكل أكبر بكثير من الاعتبارات السياسية. من خلال دراسة العلاقة التجارية الصينية مع كل من مصر وتركيا يمكن فهم الاستراتيجية الصينية المتمحورة حول طريق وحزام الحرير: الصين تستثمر سنوياً أقل من ٢٠٠ مليون دولار في تركيا وتستورد منها أقل من ٤ مليار دولار، ولكنها تصدر إليها أكثر من ٣٢ مليار دولار. نفس المسألة في مصر حيث الصين تستثمر أقل من ١٥٠ مليون دولار سنويا وتستورد ما يقارب مليار دولار منها. في المقابل بلغت الصادرات الصينية السنوية إلى مصر ١٣ مليار دولار. الصين تستثمر وتستورد القليل، ولكن في المقابل تصدر الكثير وتزيد من العجز التجاري السنوي لمعظم شركائها التجاريين فتنهك عملتها المحلية.

 

   رغم كل الكلام أن مصر تدفع ثمن التقارب المصري الروسي وأن علاقة "اردوغان" الوطيدة بالرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" تنعكس سلباً على الاقتصاد التركي يبقى لب الأزمة المالية التي تعاني منها الدولتان هو بالعجز التجاري المتنامي فيهما. وإذا كانت الولايات المتحدة قادرة، بسبب كون عملتها عملة التبادل التجاري الأولى في العالم، أن تستورد ما تشاء من الصين وأن تتحمل تبعات عجزها التجاري عن طريق خلق العملة ومقايضة أوراقها الخضراء بالسلع الصينية، فإن دولاً  كثيرة مثل مصر وتركيا غير قادرة على ذلك وعليها البحث دائماً عن الدولار لتغطية عجزها التجاري. وكما يتهم الكثيرون الولايات المتحدة بأنها تستخدم الدولار كسلاح سياسي فإن الصين تستخدم قدرتها الصناعية كسلاح تجاري. سيتبين مع الوقت أن الاستدامة الاقتصادية والمالية للعديد من الدول ستكون أصعب بكثير في عالم القطبين.

 الرئيس التركي "رجب طيب اردوغان": معاناة الأتراك ليست بسبب "بايدن" أو "بوتين" بل بسبب "شي جين بينغ"