بقلم طوني بشارة
تقرير صادم فجرته الجهات العالمية.. أرقام مخيفة تطاول أسعار السلع الغذائية في لبنان، فهل فعلا بات لبنان ثاني اغلى بلد عالمياً؟ ومن وراء هذه التقارير؟ وهل هناك فعلاً ارتباط بين تقلبات الأسعار العالمية واعتماد سعر البيع محلياً؟ وماذا عن المصاريف الإضافية؟ وبالتالي ما اثر الدولار الجمركي على الأسعار في حال تم تطبيقه؟ وبالمقابل هل هناك رغبة محلية لدى أصحاب القرارلمعالجة الازمة؟ وهل يمكن اعتماد" دولرة "الأسعار كمخرج للأزمة وكبداية للحل؟
نصراوي والتكلفة!
بداية أفادنا عميد الصناعات الغذائية جورج نصراوي بأن الأسعار مرتفعة في لبنان بسبب عوامل عدة منها إرتفاع كلفة الإنتاج الناتجة لا بل المرتبطة حكماً بسعر المحروقات، علماً أنه في كل دول العالم سعر مادة البنزين أغلى من مادة المازوت ما عدا لبنان، حيث سعر المازوت مرتفع أكثر من سعر البنزين. سابقاً كانت الكهرباء مؤمنة لساعات عديدة من قبل دولتنا الموقرة مما ساعد على تخفيف العبء عن الصناعيين ،أما حالياً ومع الانقطاع المستمر للكهرباء يعمد الصناعيون الى التوليد الفردي للطاقة مما يؤدى الى ارتفاع تكلفة الإنتاج .كما لا يخفى على أحد بأن لبنان صناعاته خفيفة"صناعات تحويلية"،مما يعني أن المواد الخام مستوردة ويدفع ثمنها بالدولار ، أي بمعنى اخر الاكلاف ترتفع أيضا بسبب الارتفاع العالمي لأسعار المواد الاولية.
*- وماذا عن أصحاب السوبرماركت والمحال التجارية الكبرى، أليس هناك تلاعب من قبلهم او أقله دور برفع الأسعار ؟
النظام اللبناني يفرض البيع بالليرة اللبنانية، وبما أن الدولار أسعاره متقلبة ، نرى أصحاب السوبرماركت ملزمين او أقله يتجهون الى اعتماد هامش فرق صرف العملة، مما يجعل الأسعار مرتفعة للغاية. وهنا قدمت اقتراح لوزارة الاقتصاد مفاده اعتماد تسعير على الدولار لاصحاب السوبر ماركت، والدفع يتم من قبل المستهلك بالليرة حسب سعر الصرف، مما يوفر حكماً على المستهلك هامش الربح، ولكن تم رفض الاقتراح بحجة ضرورة تشريع قانون، كما لمسنا رفضاً قاطعاً من قبل السوبرماركت لفكرة التسعير بالدولار وذلك طبعاً لمصالح ربحية شخصية.
*- هل هناك عوامل أخرى تؤدي الى رفع الأسعار؟
إضافة الى ما سبق لا بد من ذكر المصاريف الإضافية من جراء معاملات المرفأ، فمرفأ لبنان من حيث معاملاته يعتبر من أغلى مرافئ العالم ، كما أن إضراب الموظفين يؤدي الى زيادة التكلفة، فمن أجل تسيير المعاملات نضطر الى دفع تكاليف إضافية للموظف.
*- في سياق حديثك اشرت الى كون الدولار الجمركي سيشكل عاملاً إيجابياً لبعض الصناعيين، فعلى ماذا ارتكزت؟
الدولار الجمركي سيكون عاملاً إيجابياً للصناعات المحلية لا سيما الغذائية، الكهربائية وقطاع الألبسة ....أي القطاعات من الممكن ان تؤمن بديلاً للمواد الأولية المستوردة الداخلة بعملية انتاجها، بمواد أولية محلية، مما يعني أن هناك منتجات مصنعة محلياً سيزداد الطلب عليها بسبب إرتفاع سعر الدولار الجمركي.
بحصلي والمغالطة!
وبدوره رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي،أشار إلى أن هناك مغالطة بين ارتفاع سعر الصرف وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتقرير البنك الدولي يخلط بينهما مما يجعل الأرقام خيالية، وقال إن أسعارنا أرخص بالدولار مقارنة مع مصر والأردن مثلاً، وبالتالي القول إن لبنان أغلى من غيره غير صحيح.
*- ولكن هناك ارتفاع مستمر بالأسعار منذ بداية الازمة حتى تاريخه، ونلاحظ ازدياد بالاسعار حتى ولو تراجع سعر الدولار، فما سبب ذلك؟
الأسباب الرئيسة التي ادّت الى الإرتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية منذ بداية الازمة عديدة ومنها : إن تداعيات حرب أوكرانيا كانت ولا تزال كبيرة جدا لأنها اتت في ظل إقتصاد عالمي مترنح، ناهيك عن وضع إقتصادي- نقدي متأزم في لبنان، إذ لا إستقرار لسعر الصرف وأزمات متتالية نعيشها لا أحد يعرف حدودها...
وتابع بحصلي قائلا:
في السياق ذاته انا أتخوف من تضخم سعر الصرف وإنعكاسه على زيادة أسعار السلع لا سيما المواد العذائية التي تسجل صعودا دائما ، اذ انه مع الإرتفاع اليومي لسعر صرف الدولار، لم يعد ينتظر التاجر لوائح المستوردين وبات يعدّل الأسعار تلقائيا لتغطية فارق السعر علما أن أسعار المواد الغذائية تتغير عادة بعد حوالى 5 أيام من إرسال المستوردين لوائح الأسعار الى السوبرماركت، لكن مع التقلبات السريعة لسعر صرف الدولار بشكل سريع ويومي على الشركات المستوردة أن تقدم لوائح شبه يومية للأسعار وفقا لأسعار الصرف.
الحل!
*- وما الحل الأفضل لمنع تدهور قيمة العملة الوطنية ، وقدرتها الشرائية، وبالتالي مواجهة تقلبات الأسعار والزيادة المستمرة حتى ولو انخفض سعر الدولار؟
الحل يكمن بـ"دولرة "أسعار المواد الغذائية كمخرج للحدّ من الفوضى الحاصلة ولتفادي اللغط الحاصل بين سعر السلعة المستوردة وسعرها على الرفوف والمرتبط بسعر صرف الدولار ، هذا الحلّ يجعل السعر موحدا ما ينفي أي ذريعة للتاجر لرفع السعر، وعند إنخفاض سعر الصرف تنخفض أسعار السلع فورا إلا أن هذا الحلّ يتطلب نقاشا علميا مع أصحاب السوبرماركات ووزارة الإقتصاد وقطاع التجزئة والتجارة، لكن الأهم يساهم في ضبط عملية التسعير وإتخاذه يسهل عمل مصلحة حماية المستهلك في مراقبة الأسعار.