تفاصيل الخبر

الإنسانية على طريقة "ايلون ماسك"

29/10/2022
الإنسانية على طريقة "ايلون ماسك"

بقلم خالد عوض

لا شك أن الحدث الأكبر هذا الأسبوع هو استحواذ الملياردير "إيلون ماسك" (٥١ سنة) على منصة "تويتر" بمبلغ ٤٤ مليار دولار. الرجل الذي تقدر ثروته اليوم بحوالي ٢٣٠ مليار دولار (كانت قد وصلت إلى ٣٤٠ مليار دولار منذ سنة) هو اغنى رجل في العالم ويأتي بعده وبعيدا عنه بثروة تقدر ب ١٤٠ مليار دولار "جيف بيزوس" مؤسس شركة "امازون" الذي اشترى منذ ٩ سنوات جريدة "الواشنطن بوست" . أهمية هذا الاستحواذ ليس قيمته المالية بل تأثيره المستقبلي على عالم الأخبار والإعلام والإعلان بشكل عام وعلى قدرة منصة "تويتر" أن تتحكم في مسار الأحداث وفي صناعة الآراء. عندما تكون شركة "الفابيت" وملحقاتها مثل "غوغل" و"يوتيوب" في يد ملياردير آخر هو "سيرجي برين" (٤٩ سنة) صاحب ثروة تناهز ٧٧ مليار دولار وتكون "ميتا" وكل ملحقاتها مثل "فايسبوك" و"إنستغرام" و"واتس أب" في يد "مارك زكربرج" (٣٨ سنة) وصاحب ثروة تقدر بـ ٣٦ مليار دولار يعني أن الرأي العام العالمي أصبح في يد بضعة أشخاص من أصحاب المليارات. ومهما صفت نوايا هؤلاء فهم قادرون على توجيه الشعوب ورسم سياسات الدول  التأثير على الأحداث وربما أكثر من ذلك بكثير.

             

 "ايلون ماسك": من صناعة السيارات إلى صناعة ... الناس

من أجل الإنسانية

في رسالته إلى المعلنين على منصة "تويتر" أكد "ماسك" أن شراءه للمنصة ليس من أجل المال بل من أجل "الإنسانية" التي يحبها. كلام الملياردير الجنوب أفريقي الأصل الذي غزا عالم السيارات الكهربائية من خلال شركة "تسلا" الصانعة الأولى لهذه السيارات والذي غزا الفضاء عن طريق شركة "سبايس أكس" المالكة لحوالي ٣٠٠ قمر صناعي ، يبدو للوهلة الأولى استخفافا بعقول الناس. "ايلون ماسك" لم يحصل على ثروته بالصدفة، ولكن الرجل يريد فعلا تغيير العالم ويريد أن يكون المال مسخرا من أجل هذا التغيير. يعني أن المال عنده وسيلة لإنسانية "أفضل" وليس الهدف، وهذه غاية يمكن تصديقها. بعض أفكار "ماسك" وصورة عالم المستقبل الذي يرسمه "لنا" واعدة، ولكن في الوقت نفسه مقلقة، فمن جهة يريد جعل الإنترنت في الطائرات بجودة الإنترنت على الأرض نفسها من خلال توفيره في الفضاء بسرعة ونطاق أوسع عبر شركته "ستارلينك" وأقمارها الصناعية، وهو تمكن من توفير خدمة الإنترنت لأوكرانيا خلال الحرب رغم محاولات روسيا لحجبه وساهم في وصول الإيرانيين والإيرانيات إلى الأخبار من خلال توفيره للإنترنت من دون أي رقابة، بعدما حظرت السلطات الإيرانية كل المشاهد والصور والفيديوهات المتعلقة بالاحتجاجات والتظاهرات المندلعة في عدة مدن إيرانية منذ أكثر من ٤٠ يوما، ومن جهة أخرى يطرح فكرة وضع شرائح في رؤوس الناس حتى يتمكنوا من استقبال المعلومات والأخبار بشكل أسرع، وهذا يعني تحويل الناس أنفسهم تدريجيا إلى آلات تخزن وتحلل المعلومات بدل تطوير ناس آليين مصنوعين من حديد.

أكبر من الدول

عندما سئل منذ أيام عن سبب إنخفاض أسهم "تسلا" أجاب "ماسك "أن شركته التي تساوي قيمتها السوقية اليوم حوالي ٧٢٠ مليار دولار ستصبح أكبر من مجموع قيمة شركتي "أبل" (٢٥٠٠ مليار دولار) وأرامكو السعودية (٧٦٠٠ مليار دولار) أي أن قيمة "تسلا" ستتجاوز ١٠ آلاف مليار دولار في المستقبل ، وهذا المستوى هو حوالي ١٥ ضعف قيمتها اليوم. إذا صح كلام "ماسك" يعني أن ثروته التي هي حاليا أكبر من اقتصاد عشرات الدول ستصبح أكثر من ٤ آلاف مليار دولار أي أكبر من أقتصاد بريطانيا أو فرنسا أو الهند وأقل بقليل من اقتصاد ألمانيا. نفوذ "ماسك" المالي وقريبا الإعلامي بدأ يظهر أيضا في عالم السياسة. فهو عرض مبادرة سلام بين أوكرانيا وروسيا تقضي بتنازل أوكرانيا عن المناطق التي ضمها الروس مؤخرا بالإضافة إلى جزيرة القرم فتتوقف الحرب وتبدأ مسيرة إعادة اعمار المدن المنكوبة. الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" سارع إلى تلقف مبادرة "ماسك" إيجابيا لأنها تمثل مخرجا لائقا لوضعه العسكري الحرج، ولكن الأوكرانيين رفضوها جملة وتفصيلا. هذه المبادرة لم تأت من الرئيس التركي "رجب طيب اردوغان" الأقرب اليوم إلى الطرفين المتحاربين أو حتى من الأمم المتحدة شبه الغائبة عن هذه الحرب الطاحنة بل عبر تغريدة على "تويتر" لأغنى رجل في العالم.

عندما يخصص "ايلون ماسك" معظم وقته بل ينتقل كليا إلى مقر شركة "تويتر" في مدينة "سان فرانسيسكو"، أي إلى إدارة منصة إعلامية تساوي حوالي خمسة بالمئة من قيمة "تسلا" أو ثلث شركة "سبايس إكس" التي تقدر قيمتها بـ ١٢٥ مليار دولار يعني أنه متيقن أن "تويتر" لا تقدر فقط بالمبلغ الذي دفعه. هي منصة ستتيح له بالتأكيد الدعاية الذكية لشركاته وسياراته الكهربائية وأقماره الصناعية ورقائقه الذكية،. ولكنها ستمكنه من أكثر من ذلك بكثير. صحيح أنه من دعاة الرأي الحر ووقف الرقابة ودعم الحوار عبر منصات التواصل الاجتماعي، ولكن في رأسه أيضا أفكار كثيرة سيسعى إلى تحقيقها وتطويرها من خلال "تويتر". الهدف، كما يقول، ليس المال بل الوصول إلى عالم مختلف تكون فيه "الإنسانية" أفضل، أي حسب مواصفات..."إيلون ماسك".