تفاصيل الخبر

رئيس الأحلام والكوابيس

13/05/2023
رئيس الأحلام والكوابيس

بقلم خالد عوض

 

في وقت رسخ فيه ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية اللبنانية تتحضر قوى المعارضة المختلفة لإعلان اسم مرشحها الذي من المفروض أن يحظى بتأييد التيار الوطني الحر وعدد غير قليل من النواب التغييرٍيين على اختلاف مشاربهم بالإضافة إلى عدد آخر غير قليل من كتلة اللقاء الديمقراطي. أهم ما في المنازلة المرتقبة بين المرشحين هي أنها تعيد إلى البلد النفس الديمقراطي الذي افتقده في مسار انتخابات رئاسة الجمهورية منذ عام ١٩٧٠ عندما فاز سليمان فرنجية الجد بفارق صوت واحد أمام منافسه الياس سركيس. فمنذ ٥٣ عاماً لم يعرف لبنان انتخابات رئاسية ديمقراطية حقيقية، بل جاءت كلها بالتزكية. يبدو أن الأسابيع القليلة المقبلة قد تنتج رئيسا للجمهورية اللبنانية منتخباً ديمقراطياً لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن ولأول مرة أيضاً في الجمهورية الثانية.

الوزير السابق سليمان فرنجية: مهمة البحث عن الأصوات الخمس الباقية التي تفصله عن رئاسة الجمهورية

 

لا نفط من دون رئيس

منذ أيام أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أن انتخاب رئيس للجمهورية يجب أن يحصل قبل ١٥ حزيران (يونيو) المقبل. هذا التاريخ ليس منزلاً، ولكنه يعبر بالتأكيد عن خوف داخلي من انفلات الأمور المالية مع انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة في تموز (يوليو) المقبل وعدم إمكانية تعيين بديل له في غياب حكومة كاملة الصلاحيات ورئيس يؤدي القسم أمامه. كما يشير تاريخ منتصف حزيران (يونيو) إلى ضغط دولي متزايد لملء الفراغ الرئاسي في لبنان. الضغط الخارجي يأتي في ظل عدة عوامل أهمها اقتراب موعد التنقيب عن النفط وضرورة وجود حكومة أصيلة لمواكبة ذلك. تضاف إلى الاستحقاق النفطي الحماوة الزائدة داخل الأراضي الفلسطينية والتي يمكن في أي لحظة أن تمتد شرارتها إلى لبنان. ولذا لا بد من وجود سلطة قادرة على ضبط الأمور، وفي حالة تدهور الحال عسكرياً، الدخول في صياغة حل دولي برعاية الأمم المتحدة ينأى بلبنان عن حرب جديدة ويحفظ مسارات الغاز على جانبي الحدود من أي تعطيل.

 

الدكتور "صلاح حنين"، أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية الذي يتحاور المعارضون حوله ومعه: مهمة الرئيس المقبل انتقالية أو انتحارية؟

 

رئيس لمواكبة مئات المليارات

النفحة الديمقراطية العائدة إلى مجلس النواب تعني الكثير. فبغض النظر عن النتيجة ومن سيصبح رئيس الجمهورية السادس منذ الطائف والرابع عشر منذ الاستقلال، فإن مهمته هي نفسها: إعادة توحيد البلد وإحياء مؤسساته وإخراج لبنان من أزمته المالية الخانقة ووضع خارطة طريق واضحة لدوره الاقتصادي في المرحلة الآتية. قد تبدو المهمة وكأنها مرحلة إدارة فترة انتقالية، ولكنها في الجوهر تأسيس دولة قادرة على مواكبة عدة مشاريع اقتصادية إستراتيجية أهمها حجم وثقل رؤية ٢٠٣٠ السعودية ونشأة كيان مدني ضخم في البحر الأحمر بقيادة "نيوم"، إلى جانب مسار تنقيب واستخراج الغاز في لبنان وبدء مرحلة اعمار سوريا. حجم الاستثمارات المتوقعة في هذه المنطقة المحيطة بلبنان هي مئات مليارات الدولارات ولا بد من تحديد دور واضح وفاعل لا يكون البلد فيها متفرجاً، ووضع أهداف تنموية استراتيجية تغير من المنطق التاريخي الأعوج القاضي بهجرة اللبنانيين في سبيل مستقبل أفضل لهم ولبلدهم.

 

 صيدا الدكتور عبد الرحمن البزري: مشروع رئيس حكومة تلقيح البلد ضد الفساد

 

على تماس المنافسة

بالإضافة إلى كل ذلك أصبح واضحاً أن الشرق الأوسط سيكون خط تماس اقتصادي حامي الوطيس بين الولايات المتحدة والصين، وهذا لا بد أن ينعكس إيجاباً على الدول التي ستعرف الاستفادة منه. صحيح أن لبنان لا يمثل بعداً اقتصاديا للقوتين الاقتصاديتين الكبرتين من حيث حجم سوقه أو قاعدته الصناعية ولكن موقعه الجغرافي ووجود مرفأي بيروت وطرابلس وبنيته الخدماتية الخاصة، كلها أمور تؤهله للعب دور اقتصادي حيوي جداً. وكما تتأهب دول الخليج لمرحلة إعادة اعمار سوريا بعد تسوية بعض الأوضاع العالقة مثل شبكة تصدير المخدرات وعودة النازحين فالصين أيضاً تتحين الفرصة للاستثمار في الجزء السوري من حزام وطريق الحرير وتنظر إلى لبنان ومرافئه كقاعدة رئيسة لذلك بدليل أنها تبرعت بأكثر من ستين مليون دولار لإنشاء المعهد الموسيقي العالي في منطقة "الضبيه" شمال بيروت والذي يتابع اعماله عن كثب الرئيس الصيني "شي جين بينغ" شخصياً.

 

تبدو أمور منطقة الشرق الأوسط واعدة جداً اقتصاديا، ولكن دون هذه النظرة الوردية معوقات كبيرة، فالولايات المتحدة والغرب غير قادرين وغير راغبين بالتعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد وهذا يعيق كل مبادرات إعادة اعمار سوريا. كما أن انغماس إيران مع روسيا في الحرب الأوكرانية يعقد الأمور أكثر في المنطقة بالرغم من الاتفاق السعودي الإيراني، ناهيك عن الحكومة الإسرائيلية الحالية وموبقاتها اليومية التي لا تنتهي والتي لا يمكن أن تستمر في التمادي من دون أفق. بالرغم من كل ذلك يبدو أن لبنان على أبواب انتخاب رئيس جديد ليواكب مرحلة دقيقة جداً مليئة بالأحلام كما بالكوابيس.