بقلم طوني بشارة
بات المواطن اسير الازمات التي تحيط به من كل الجهات ، فلا حكومة ولا رئيس للجمهورية ، ناهيك عن التراخي التام من قبل المعنيين بمشكلة الودائع وأزمة المودعين.
فهل باتت المصارف اللبنانية فعلاً بحكم المفلسة؟وما مدى شبهها بمصارف "الزومبي"؟وماذا عن فكرة إعادة الهيكلية؟وما مصير أموال المودعين ؟ وبالتالي هل من الممكن محاسبة من هرب أمواله مع بداية الازمة؟
الحكيّم وأزمة الثقة!
تساؤلات عديدة طرحتها" الأفكار "على الخبير المالي الدكتور جهاد الحكيّم وجاءت بالتحقيق الاتي :
*-بداية كيف ترى الأزمة الاقتصادية التى يعانيها لبنان الأن؟
الأزمة في لبنان هي أزمة اقتصادية، مصرفية، مالية، أخلاقية صنفت بين أسوأ ثلاث أزمات منذ منتصف القرن التاسع عشر بحسب البنك الدولي.فالثقة التي كانت مفقودة اصلا بالسياسيين والقطاع العام انسحبت على القطاع الخاص والقطاع المصرفي الذي يعتبر أحد ابرز أعمدة الاقتصاداللبناني. وبداية يجب أن نعرف أن المصارف فى لبنان تستمر بالعمل بحكم الأمر الواقع، على الرغم من أنها أضحت مفلسة، فلديها مشكلة ملاءة وليس فقط سيولة كما يروّج وهي شبيهة إلى حد بعيد بمصارف "الزومبي".
*-البعض يروج لفكرة معالجة او تصحيح وضع المصارف، فما رأيك فى فكرة إعادة هيكلة المصارف التى تطرح الآن؟
بالفعل يجرى الآن عملية إحلال لشركات توظيف الأموال (المتطابق دورها مع اقتصاد الكاش)، بديلا عن المصارف، باعتبار أن دور المصارف، لا يتناسب مع اقتصاد (الكاش)، الذى هو مرادف للفقر، ويمثل أرضا خصبة لتبييض الأموال والتهرب الضريبي، وهذا النظام تغيب عنه الدورة الاقتصادية المناسبة وهى ( ادخار - مصارف - قروض لتمويل الاستثمار والاستهلاك – وظائف).
وتابع الحكيّم : إذا أراد مودع الحصول على أمواله المقومة بالدولار، لن يتمكن من الحصول عليها نقدا، لكن بشيك من المصرف، وعندما يذهب بالشيك إلى إحدى شركات الصرافة، يحصل فقط على نسبة لا تتجاوز 15 %، من القيمة الكلية للشيك، هذا بالنسبة للأموال المقومة بالدولار الأميركي، بينما تلك التى بالليرة اللبنانية، لن يحصل سوى على 5 %، من المبلغ الذى سبق وأودعه فى المصرف بالعملة اللبنانية، وذلك بفعل الانهيار الكبير لقيمة الليرة من 1500 إلى 38000 تجاه الدولار.
وأضاف الحكيّم : لقد طلب صندوق النقد الدولى مؤخراً من الحكومة اللبنانية، أن تقوم بعدة خطوات أبرزها توحيد سعر الصرف، فلجأت الحكومة إلى الدولار الجمركي، وهو فى واقع الأمر خلق لسعر صرف جديد، وبذلك تكون هناك عدة أسعار للصرف، تؤدى إلى رابحين وخاسرين، وفى الغالب يكون المواطنون وخزينة الدولة، هم الخاسرون، بينما الرابحون ممن حصلوا على قروض هائلة، وهم النافذون والمحظيون، وبالتالى تتعمق الأزمة، لكننى أؤكد أن إعادة هيكلة المصارف، عنوان فضفاض، وأن الثقة لن تعود للمصارف حتى لو غيروا اسمها، مع بقاء ذات المساهمين فى ملكية المصارف.
نهب المدخرات والمحاسبة!
*- هل هناك فرصة لمحاسبة من نهبوا المدخرات من المصارف وقاموا بتهريبها للخارج؟
أقترح على القياديين اللبنانيين أن يقوموا بذات الخطوات التى أقدمت عليها الحكومات الأوروبية، عندما حدثت فى أوروبا أزمة مصارف، والتى تمثلت بداية بشطب رأسمال المصارف، وتجميد أرصدة الشخصيات ذوي النفوذ الذين حولوا أموالهم قبل حلول الأزمة، لأنهم كانوا على دراية بقرب وقوع الأزمة.
وتابع الحكيّم قائلا : وهنا أطالب بسن قانون يفرض ضريبة على كل من استفاد خلال السنوات الخمس الأخيرة، قبيل الأزمة من الاقتصاد الريعي، حيث الفائدة المرتفعة التى كان يتقاضاها أصحاب النفوذ والمحظيون، الذين حولوا أموالهم للخارج، قبيل ظهور الأزمة على السطح، فعلى سبيل المثال، أودع أحدهم مليار دولار قبيل الأزمة، فحصل على مليار ونصف المليار كأرباح وحولها للخارج، بينما صغار المودعين لم يحصلوا على أى فوائد.
*- هل هناك إمكانية للحجز على أصول من نهب المدخرات؟
- هناك إمكانية للحجز على أموال وأصول من نهب المدخرات من المصارف، بأساليب احتيالية أسهمت بها إدارة المصارف بالتعاون مع المنظومة الحاكمة، وكذلك يمكن محاكمتهم بتهمة التهرب الضريبي. قد يكون ذلك دربا من المستحيل، حيث إن هؤلاء أصحاب نفوذ سياسى واقتصادي، ومنهم سياسيين في الخكم أصحاب مصارف أو مساهمين أساسيين فيها، ما يحول دون ملاحقتهم أو إصدار قوانين تساعد على استرداد ما تحصلوا عليه، وبالتالى ليس من حل سوى بتتبع أرصدتهم فى الخارج، وذلك يتطلب إرادة دولية.
وتابع الحكيّم قائلا : أدعو إلى تأسيس مصارف جديدة، وأفضل فتح فروع لمصارف دولية متعددة الجنسيات تحل محل المصارف اللبنانية، ولو مرحليا، حيث إنه من الصعب استعادة الثقة فى المدى المنظور فى القطاع المصرفى اللبناني، بعدما بدد أموال اللبنانيين والمغتربين والأشقاء العرب، الذين وثقوا فى القطاع المصرفى اللبناني، الذى كان بمثابة مصرف الشرق الأوسط.
العقبات السياسية!
*- ما أهم العقبات التى تقف أمام تشكيل الحكومة اللبنانية؟
لا بد من تشكيل حكومة مستقلة من التكنوقراط من خارج الطبقة السياسية والتي يمكن تتبع مسيرتهم وصوابية مواقفهم أقله في آخر عشر سنوات عندها يمكن استرجاع ثقة الشعب اللبناني والمجتمع الدولى والإقليمي، ويكون بالإمكان استقطاب الاستثمارات الخارجية والاتجاه إلى خصخصة قطاعات مختلفة، مع الحفاظ على ملكية الدولة لهذه القطاعات وسلطتها الرقابيّة، وعند ذلك يمكن للمستثمرين من الاشقاء العرب والدول الأجنبية الصديقة تمويل هذه المشاريع عبر الاكتتاب فى سندات دين، ومدّ لبنان بالتكنولوجيا والمعرفة اللازمة.
وختم الحكيّم بالتشديد على عدم قانونية التحكم الحاصل بأموال المودعين، الذى أفقد الثقة باقتصاد لبنان، معتبرا أن ذلك يناقض طبيعة النظام الاقتصادى الحر، وقال ان مجلس النواب اللبناني الذي كان مطالبا بإقرار قانون الكابيتال كونترول لضبط حركة رؤوس الأموال، ووقف نزيف مدخرات اللبنانيين، تلكأ عن القيام بمهامه لإفساح المجال أمام النافذين بتحويل أموالهم حتى بعد بدء الأزمة مما سمح المجال بوضع قيود إستنسابية على حركة رؤوس الأموال.